منتديات نور الأدب - نص بيوغرافي

نص بيوغرافي .. رسالة الى الله

الهي العزيز.. أنا عبدك الضعيف أقف امام ابواب رحمتك الوسيعة .ذليلا أرفع اكف الضراعة و الغفران .أنا اللص السابق الذي سرق اقلاما ملونة كثيرة . و عددا لا يحصى من الجرائد و الكتب من الاكشاك و المكتبات .و كان أجمل كتاب سرقته (أدباء منتحرون ) راقني العنوان و سطوت عليه من أحد معارض الكتاب بطنجة رفقة اصدقاء سرقوا بدورهم كتبا كثيرة لدرجة عدنا ليلا الى أصيلة بحقيبة ظهر عامرة بكتب واغراض كلها مسروقة. وسرقت صاحب الحمام البخيل طوال صيف كامل حين كنت مكلفا باستخلاص التذاكر في احدى الحمامات الشعبية .كنت أضع النقود المسروقة في جيبي و أغادر كأي مواطن يتقاضى اجرا محترما..وحتى حين كبرت سرقت شركة القطارات السريعة (تي جي في )..حين عدت متسللا في القطار في رحلة سندبادية بين بوردو و الجزيرة الخضراء.

لصوصيتي الوضيعة كثيرة كثرة شعر القط. و بحجم الزجاجات الحمقاء التي أفرغتها في جوفي حتى أني أتلفت وجهي مرارا في ضباب كونطوارات رخيصة و جررت الليل الى الهاوية العامرة بالدم و المهربين ونساء مسمومات ..

بلطفك و حنانك الهي نجوت من كوارث لاتحصى . .و تحايلت برفق على الموت في حوادث سير كثيرة. و فزت بجميع الرهانات الصعبة. وصعدت أدراج الحظ عميقا حتى صارت لدي غرفة وسيعة بسرير وثير و مخدات ناعمة.و دولاب ملابس تتدلى منه قمصان كثيرة مثل خرفان مذبوحة..بعد سنوات طوال نمت فيها بمطبخ العائلة كأي قط سري .المطبخ يحاذي المرحاض وبدون باب تقريبا .عانيت من كرابيج البرد و من الروائح المزكومة . زوجة اخي تتغوط ليلا .توقيتها مضبوط. فتصلني روائح مرشوشة برائحة العدس أو الفاصوليا .في المطبخ حصلت على الباكالوريا . قرب الزيت و القوارير الحقيرة تحديدا .كنت اسهر جزءا من الليل في المطالعة والجزء الآخر تحت ملاءة حمراء أصغي للمذباع.

في تلك الفترة كنت املك حذاءا واحدا. و سروال دجينز واحد أيضا ,اغسله يوم الاحد و اقضي الصباح بسببه تحت الملاءة اقضم حبات الجزر واتفرج على أمي التي تدلك العجينة.. أصياف متتالية قضيتها في اوراش البناء ومعامل الزليج العطنة رفقة بوساء الوطن .في تلك الفترة كتبت شواهد قبور كثيرة بالمسمار و الصباغة الزرقاء . كنت اتفنن في كتابة عبارات الترحم وطلب المغفرة للمنسحبين من بساط الحياة الأخضر لدرجة افكر أحيانا أني اتيت الى الكتابة من باب المقبرة الواسع .من بابها الشمالي تحديدا حيث حفظة القرآن ينشرون أعضاءهم اليابسة و ينتتظرون وصول موتى جدد على ألواح خشبية عريضة.

في تلك التسعينات البعيدة التهمت مقبرة المدينة عددا لا يحصى من البشر مثلما التهم البحر المتوسط العديد من الشباب الباحثين عن مصير أفضل بالقارة العجوز .التهمت بدوري كتبا لا تحصى حتى صارت بسببها افكاري منفوشة

كأمعاء وسادة قديمة. الأفكار التي تنمو في الرأس مثل مزابل صغيرة.المزابل التي تنمو في غفلة شاحنات البلدية. الشاحنات ذاتها التي يركبها باكرا أطفال العوازل و مناديل الورق و بقايا مساءات ماجنة.الكتب مضحكة حقا و الكتاب يكذبون اكثر من اللازم علاقتي بالكتب ليست حميمية على كل حال .حاجتي للمال دفعتني دوما لاتخلص من كتب كثيرة.الكتاب الحقيقي هو أن تصعد هذا الجبل و تنزل آخر و تواصل عملتي الصعود و الهبوط بفردة حذاء واحدة .و تستعيض عن الخبز بالعدس والملعقة في ليالي الشتاء المطيرة . هذا في الوقت الذي يجب أن تشرح للتلاميذ أن الحياة جميلة خلف النافذة و العمر طويل مثل حقبة تاريخية.

الهي .أيها الجبار القهار .أنا عبدك الضعيف الثرثار الذي كلما اراد ان يقول شيئا قال اشياء اخرى .سامحني الهي أن اقول كل شيئ هذه المرة..انا القادم من بلاد حزينة وقبيلة حزينة .أنا البؤس المتدفق في القرى البعيدة سليل الجائعين في العراق و مرتفعات اتوبيا .و النائمين في شوارع البرازيل .أنا الصوت المتعدد في حناجر الغاضبين بفلسطين و قنوات العالم .نديم التائهين في خرائط الله و خرائط الانترنيت المتجعدة .انا الشاعر الصعلوك الذي لم يكتب لحد الان سوى الزعيق, صديق عروة بن الورد و بقية محانين الطريق . انا الامازيغي الواقف الى حين امام ابراج الضياع و الباحث دوما عن الحب في كريات الثلج و الارداف اليابسة .

الهي هذا أنا و تلك جرائمي السابقة . وهذه اعضائي الشريرة انشرها

اليوم تحت شموس رحمتك الوارفة ,و هذه توبتي الآخيرة.

حسن بولهويشات

كاتب مغربي

.................................................. .................................................. .......