![]() |
حين جاؤوا كالذئاب الجائعة - قصة - هدى الخطيب
[align=center][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/187.gif');border:10px outset indigo;"][cell="filter:;"][align=right]
تجاوزت مرفأ السان لوران النهري بجسوره و مقاهيه و خيامه و أرصفته الطويلة التي تقف عندها البواخر المسافرة عبر هذا النهر الكبير أكنت أسير على هدى أو على غير هدى؟!! كلّ خلية بدمّي كانت تشتعل في شراييني مع لبنان الذي يشتعل، درّة أمتنا و أجمل لوحاته، لبنان الحبيب بلد أمّي و ابني الذي ولدت و نشأت فيه و عشقت كلّ ذرّة من ترابه الذي يضمّ قبر أبي، ذلك القبر الذي من المفترض أن يضمني يوماً معه كما أوصيتُ إن لم تعد حيفـا. ابتعدت عن جزيرة مونتريال عبر الجسر إلى الضفّة الأخرى و بدأ تدريجياً يخف ضجيج المدينة لهذه الجزيرة النهرية التي لا تنام و لا تهدأ سرت طويلاً جداً مع النهر حتى تورمت قدماي و بتّ لا أسمع و أرى غير خرير المياه و طيور النورس وعند شجرة ضخمة وارفة الظلال على حافة النهر خلعت حذائي و جلست متكئة بظهري إلى جذع الشجرة و عيوني معلقة بمياه النهر الشاسع و ذهبت في غفوة ما لبثت أن استيقظت منها على حسّ أقدام إنسان ما.. أحسست للحظة بالفراغ من حولي و ارتعدت وفكرت أن أعود و لكن قبل أن أقف كان قد وقف أمامي يسألني: " ماذا تفعلين وحدك هنا؟" رجل متوسط العمر كبير الرأس ضخم الجثّة فارع الطول بشكل جد ملفت و ملابسه بالية. جلس قبالتي قبل أن يسمع ردّي و دون أن يستأذن مني الجلوس معي و أجاب عنّي قائلاً: " أحسستِ بالألم الممزوج بالغضب و الخذلان فسرتِ كلّ هذه المسافة بعيداً عن البشر أليس كذلك؟ " اكتفيت بإيماءة من رأسي و سألته: "من أين أتيت فأنا لا أرى أي منزل بالجوار؟" قال: " قصتي غريبة هل تودين سماعها؟" أجبته بنعم و تركته يحكي لي وعيوني تتنقل بين وجهه و مياه النهر: " أتيت يا سيدتي من مكان أبعد من أن يخطر لك على بال، من كوكبٍ بعيد اسمه الزهير يشبه إلى حدٍ ما كوكب الأرض في مجموعته، يدور،حول شمسه وله قمر لكنه كان أكبر من كوكبكم و أقدم وعليه كان يومنا أطول من يومكم بمرّات و معدل أعمارنا أطول من أعماركم و وصلنا لحضارة و اختراعات أكثر تقدماً منكم، كان لنا أنبياء و رسل، فينا الملحدون و الموحدون و غير ذلك، فينا الأشرار و الأخيار و بين ذلك،و كان الصراع بين الخير و الشر و الحقّ و الباطل على طول الزمان، إلى أن تطاول الشرّ و استفحل. كان لدينا قديماً منفى شاسع في أقصى الزهير يدعى إيباما ينفى إليه المجرمون و المرتزقة من حثالة الشعوب ليعيشوا بشرورهم معزولين، و مع ازدياد الحضارة والاختراعات و العلوم ما عاد هؤلاء معزولين و بالرغم من أنهم خليط أصبحوا كأنهم أمّة تزداد قوة و منعة. في تلك الأثناء عندنا في بلاد الموحِدين و بعد حضارة زاهرة أخذنا نتراجع بين الأمم من شدّة الويلات والمطامع و الخيانات و البعد عن الله و انقسمت دولة الموحدين إلى خمسين دويلة. في الماضي البعيد كان قد حصل عندنا ما سميَ بثورة العبيد من العمال الذين كانوا مزيجا من الشعوب يستخدمهم الملوك في الأعمال الوضيعة، احتلّ هؤلاء قطعة من بلادنا و سرقوا بعض تراثها و دياناتها القديمة و ادعوها لأنفسهم إلى أن حررنا بلادنا منهم، ذهبوا بين شعوب الزهير و ضموا إليهم المزيد من المجرمين و المحتالين و المرتزقة و عاثوا في الزهير فساداً و إفساداً أينما حلّوا، و حين أرادت الأمم التي حاربتنا و استعمرتنا التخلص من شرورهم أجرت اتفاقا معهم لصالح الفريقين على حسابنا وسلحتهم و جردتنا وألقت بهم في ما بيننا، فجاءوا كالذئاب الجائعة و قبل مغادرة المستعمرين لبلادنا لم ينسوا أن يعيّنوا حراساً لهم من الخونة من بيننا و يمنحوهم ما يلزمهم لقمعنا وحماية الذئاب في دولتهم بيراتيم المغتصبة من أرضنا. كان أفراد عصابة بيراتيم يرتكبون المجازر ويقتلون منّا المئات يومياً و يقتلعوننا و كان الحراس يكبلوننا و يجوعوننا ويضعون في السجون من تسول له نفسه الاعتراض بكلمة، و منذ أن أصبحت إيباما أكبر دولة في الزهير تحركه كيفما تشاء تضامنت في وحدة مع بيراتيم، جمعت بينهما كراهية التاريخ و الأمم العريقة و الرغبة في التزييف والطمع بثروات و مقدرات بلادنا، وعملوا على تقوية حراسنا للمزيد من تكبيلنا و إبادتنا و سرقة كلّ ما لنا و زاد الظلم و القهر و التزييف إلى حد لا يحتمل و غطّت دماؤنا الخضراء أرضنا الحمراء وبقي الظلم و التسلط يمتد و يكبر و أكف الأمهات ترتفع إلى السماء بالدعاء.. و لم يكتفوا، بدؤوا أيضاً بإثارة النعرات فيما بيننا والخمسون دويلة أصبحت مائة و خمسين و بيراتيم تتحكم بهذه الدويلات كيفما تشاء من خلال حراسنا و الكراهية التي اصطنعوها .. تبيد فينا كما تشاء و الزهير كلّه يصفق للقاتل و يجرّم القتيل!! و في ليلة مظلمة منذ ثلاثمائة سنة لم يعد كوكبنا الزهير يستطيع احتمال الظلم فوق سطحه فانفجر من الغيظ متناثراً في الكون .... استيقظت من غيبوبتي و وجدت نفسي على أرضكم و تنقلت في بقاع الأرض و عشت بين الناس فأعمارنا حسب زمانكم تمتدّ لأكثر من ألف سنة، و حين بدأ الظلم يشتدّ على هذه الأرض أيضاً بصورة مشابهة حاولت أن أبتعد قدر المستطاع و كلّما امتد العمران ابتعدت حتى لا أسمع و لا أرى المزيد من الظلم ريثما ينتهي عمري. نشرت في 2006-07-21 [/align][/cell][/table1][/align] |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
في هذه القصة الرائعة ، أجد نفسي مشدودا إلى "جدار الزمن" .. هناك نقطة التقاء بينهما .. و أعتقد أنها ذلك النوع المسمى بالخيال العلمي الذي كثيرا ما نجده في بعض الأفلام و القصص والروايات ..
إذن فالقصة تتمحور حول شخصين من زمانين مختلفين .. لكن هناك شخصيات تذكرعلى لسان الغريب .. القصة يتداخل فيها النسق القصصي ممزوجا بالحكي التاريخي .. تاريخ يحكى بطريقة مختلفة عن السرد التقليدي ، وهذا ما أعطاه توهجا وإثارة .. متعة هذه القصة هي أنها تعطيك فرصة لإبدال كل شخصية بأخرى وحدث بآخر حسب ما يصل إليه ذهنك .. وهذا ليس بالعسير .. ومتعتها أيضا هي أنها تبدأ بحدث عادي تتاخل فيها أحاسيس شتى .. الحنين إلى الوطن الأم .. الحب والأسى على وطن آخر يشتعل .. ثم تنعرج إلى حدث آخر أكثرتشويقا . قصة تزخر بحركة لا ترى .. إنها حركة داخلية .. قلب ينبض بكل شيء .. بالحب ..بالأسى.. بالغضب .. بالحنين .. وبالأمل أيضا رغم أنه ينحصرفي " ذلك القبر الذي من المفترض أن يضمني يوماً معه كما أوصيتُ إن لم تعد حيفـا. اللسان يقول "إن لم تعد حيفا" .. لكن الأمل يقول بهمس "ستعود حيفا " .. شكرا أختي هدى على إمتاعك لنا |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
قصة رائعة جداً.... يشتعل الماضي في ذاكرة الكاتبة تسافر من خلاله إلى حدود حيفا ومن ثم تعانق أراضي لبنان وتسرد الأحداث أمام نهر يمتلأ بالرمز الشفاف.... يتحدث الوجه الأخر عن تاريخ من يسيطرون الاّن على نقطة الأرتكاز في زمن العولمة من خلال ماضيهم وحقيقتهم ثم ينتقل إلى حالة التفكك في البلاد العربية والتجزئة والضياع التي خلفها الاستعمار ثم يحدد السبب الرئيسي للتجزئة بذلك الجسم الغريب الذي اقتسم جزء من الوطن و مازال مقتسمه إلى حد هذه اللحظة يقوم بأبشع المجازر لا أحد يحاسبه على أفعاله يتلقى الدعم من الذين سيطر عليهم بثروته قبل أن يسيطر علينا بخداعه و مراوغته ....يتحكم ويتهكم بنا كما يشاء ... الوجه الأخر هو عبارة عن جسر يروي قصة حدثت بكوكب أخر نصل بعد قول كلماته الأخيرة إلى واقعنا الحالي وكوكبنا الأرضي..... شكراً للأديبة هدى الخطيب على هذه القصة المؤثرة التي تسلط بقعة ضوء على الحقيقة المرة التي نحيى داخل براثمها .... شكراً لكِ ياصاحبة القلم المبدع
|
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
قصة معبرة تحياتي
|
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
قصة رائعة احتوت ان الظلم مهما كبر واتسع فلا بد له من نهاية
وأن لا احد يقبل ان يعيش تحت ظلام الظلم والقتل فالكل يبحث حيث الهدوء والأمان والوئام مهما اختلفت اجناسنا ولغاتنا وأعمارنا موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
الأستاذة الأديبة القديرة هدي نور الدين الخطيب : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعتذر عن القراءة المتأخرة للنص الأدبي المتميز .. أكثر ما أعجبني في النص الفكرة و أسلوب السرد القصصي . هذا فعلاً مصير و نهاية الكوكب المتصارع المتحارب المهزوم . أدام الله عليك نعمة الصحة و الإبداع . د. ناصر شافعي |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
[align=center]
استمتعت بروعة القصة و سردها المميز، تروي أحداث الظلم و العدوان في كوكب آخر غير كوكب الأرض منذ زمان مضى ما نعيشه الآن على أرض الواقع من نزاعات و تفكك و حروب و غيرها، لكن كل شيء له بداية، له نهاية أيضا . باذن الله سيكون النصر حليف الأمة العربية، حليف الأراضي الفلسطينة كلها و تنعم ان شاء الله برجوع الأهالي و الأحباب لمعانقة ترابها من جديد. تحياتي لك أديبتنا الغالية [/align] |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
الأديبة القديرة والرائعة هدى الخطيب شكرا للأستاذ ناصر شافعي على فتح هذا الملف من جديد ليتسنى لنا قراءة هذه القصة الرائعة والممتعة . من المؤكد أن الرواية تعبر عن واقعنا العربي وما نعانيه من ظلم وتفكك وتجزئة وحروب وغيرها . نسأل الله تعالى أن يزيل عن أمتنا العربية هذا الواقع المؤلم. وشكرا جزيلا لك أستاذتنا على هذه القصة الممتعة والمعبرة. وتقبلي محبتي واحترامي .:nic54: |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة
تحية سيدتي
واقعنا العربي يشرح نفسه بالكثير من القصص التي يكتبها ويتناقلها المبدعون نهاية مئساوية لرواية أبطال وشخصيات الوطن العربي الذي أغمس بالحروب وتناهشته أيادي الطامعين ولا أرى غير إنه مكتوف اليدين مسلوب الأرادة تمنياتي لك بالتوفيق |
رد: حين جاؤوا كالذئاب الجائعة - قصة - هدى الخطيب
الاستاذة هدى......بعد التحية
تجاوزب المرفا ..عبر النهر الكبير وان امشى معك ..كل قطعه..من الجغرافيا سواء من منتريال او لبنان او حيفا تشدنا لك لاتتبع ماذا بعد فى رومانسية رقيقة رقة خرير النهر حتى خلعت حذئك واتكئت بظهرك الى الشجرة و ظهر لك هذا الاتى من كوكب الزهيرفقلب احداث القصة راسا على عقب من الرومانسية الى الرمز لواقع مؤلم..ويسال هذا القادم ويجيب عنك وكانه التاريخ...ويسرد بلا مواراة افعال كل من بريطانيا وفرنسا بالعرب ولصالح اسرائيل والتى سماها الذائر بيراتيم.....واميكا التى اسماها ايباما...على اسم اوباما..ومنذ ان اصبحت ايباما اكبر دولة فى الزهير تضامنت فى وحدة مع بيراتيم جمعت بينهم كراهية التاريخ ... واصبحت دول الموحدين مائة وخمسين دولة... والصحيح انهم اصبحوا مائة وخمسين مدينة او على الاقل امارة .. تسيطر غليهم دولة بيراتيم .... فى مهزلة .يستحى منها التاريخ..... فى طفولتى قرات لجورجى زيدان قصصه التاريخية.... ولغيره... ولكنى بعد ذلك لا اقرا التاريخ الا بعقلى دون تدخل من عواطفى.... وكذلك فى الرومنسيات ...يقف العقل بعيدا عنها...ولايقترب الاعند الطوارئ اشكرك يا استاذة فالتاريخ لديك حالة عاطفية ..تعيش فى وجدانك.... |
الساعة الآن 13 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية