منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   صالون هدى الخطيب الأدبي للحوار المفتوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=436)
-   -   كل عام وذكراك بخير يا طلعت (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=26783)

محمد توفيق الصواف 20 / 03 / 2014 33 : 08 AM

كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأخت هدى الخطيب،
تحية أشاركُك فيها حزنَك العميق على أخي طلعت..
لقد قرأتُ دعوتَك الكريمة لأعضاء الموقع إلى المشاركة في الكتابة عن الشاعر الإنسان طلعت سقيرق، في ذكرى ميلاده، فإذا بالدعوة تحملني بعيداً عن دنيا الواقع الأليم الذي نحياه، إلى سنوات جميلة من عمري شاء الله لي أن أكون فيها أقرب الأصدقاء لطلعت وأكثرهم التصاقاً به.. لم يكن ذلك بسبب ميلادنا في شهر واحد وعام واحد هو عام 1953 فحسب، فأنا أكبره بستة أيام فقط، بل صنعَتْ تقاربَنا أمورٌ أخرى كثيرة مشتركة بيننا، كان من أهمها:
1) سكنانا في حي واحد معاً، ما يقرب من عشرين عاماً.
2) حبُّنا المشترك للأدب، وللشعر والقصة خصوصاً.
3) أننا من طبقة واحدة، عانينا فيها ما عانينا، صغيرَين وشابَّين وكهلَين..
4) أننا درسنا في كلية واحدة هي كلية الآداب، وفي قسم واحد من أقسامها هو قسم اللغة العربية.
5) أننا عملنا في الصحافة معاً، لفترة تزيد على الثلاثين عاماً متواصلة.
6) إيماننا بقضية الشعب الفلسطيني وتفاعلنا مع معاناته وتطلعاته، بِغَضِّ النظر عن كونه واحداً من أبناء ذلك الشعب، وكوني سوريَ الأصل؛ ودفاعنا عن تلك القضية بكل وسيلة وبكل ما نملك.
7) حبُّنا للإنسان في كل بقاع الأرض، بِغَضِّ النظر عن لونه وعقيدته وطبقته الاجتماعية.
8) كراهيتنا للظلم والطغيان والنفاق والتكبُّر.
وثمة أمور أخرى كثيرة، جمعَت بيننا صديقين ارتقيا بصداقتهما إلى حدود الأخوة الحقيقية.. وهذا ليس من قبيل المبالغة، بل هو تصوير صادق لواقع عشناه معاً، فقد كنتُ أراه وأجالسه وأحادثه أكثر مما أرى أخي الوحيد وأجلس معه وأتحدث إليه. وقد ظللنا على هذه الحال، طيلة ثلاثين سنة تقريباً، أي منذ أن تعرَّفت إليه عام 1982، حتى فرَّق الموت بيننا..
وأعترفُ هنا لكِ وللجميع بأنني، على الرغم من هذه الصداقة العميقة والطويلة بيننا، قصَّـرت في حقه كثيراً بعد وفاته، ولكن تقصيري لم يكن سببُه النسيان أو قلة الوفاء، بل كان وليدَ أسباب أرجو أن تُقنِعَ مَن يطَّلع عليها بأن يعذرني، فإن لم يقتنع فليرمِنِي بما شاء من ذمٍّ يرى أنني قد أستحقه.. وهذه بعض تلك الأسباب:
1) أتوهَّم أنني كنتُ لصيقاً بطلعت إلى درجة حجبَت عظمته عن عيني وهو حيّ.. وهذا أمر غير مُستغرَب، فشدة القرب حجاب، كما تقول الصوفية.. ولذلك لم أكتشف عظمةَ ما كان عليه حتى غيَّبَه الموت عني.. لكنني، حتى بعد اكتشاف عظمته، لم أستطع الحديث عنه، بعد وفاته.. وإذا كان لي أن أعتذر عن ذلك، فأرجو أن أكون صادقاً ومقنعاً لو قلت: إنني كنت أشعر أنَّ شدَّةَ حزني عليه كانت تَعْقِلُ لساني وتخنق كلماتي في حلقي، فأُوثِرُ مكابدة الحزن عليه صامتاً، خشية أن لا يُلائمَ تعبيري عظمةَ الرجل والحزنَ عليه، فتكون النتيجة أن أُسيءَ إليه من حيث أردتُ أن أُثني عليه وأرثيه.
2) وعلى نحو متصل بالسبب السابق، كنتُ أشكُّ بقدرتي على ترجمة مشاعري وحزني الشديد عليه إلى عبارات أدبية مؤثِّرة.. وربما يعود ذلك إلى كوني باحثاً جفَّ جزء كبير من عاطفته بسبب هيمنة عقلانية البحث عليه، وهيمنة لغة العلم على أسلوبه.. الأمر الذي زاد في إيثاري الانطواء على حزني أعانيه وحدي، وإن هدَّني.
3) ولأن بعضَ الناس، وأنا منهم للأسف، يحرق الحزن قلوبهم، ويجفف مدامعهم، حتى يتراءى للآخرين أنهم جفاةٌ قساة، مع أنهم يكونون من أشد الناس مكابدة للألم والحزن، لكنهم لا يستطيعون التعبير عن حزنهم، كنت أقول لطلعت: سيكون من حظي أن أموت قبلك، لأنك تعرف كيف سترثيني وتُبكي الناس بشعرك حرقةً على فراقي، وليس من حظك أن تموت قبلي لأنني لا أملك موهبتك ولن أعرف كيف سأُعبِّر للآخرين عن مدى حزني عليك.. وكلما ردَّدتُ على مسامعه هذا الكلام، كان يضحك ــ رحمه الله ــ ويقول لي: يا رجل.. اترك الحديث عن الموت، فمازلنا شباباً.. أما إذا كنتَ خائفاً من أن لا تجد كلاماً ترثيني به، فما رأيك أن أُؤلف قصيدة صميدعية أرثي بها نفسـي، وأحشوها آهاتٍ ودموعاً وعواطفَ ملتهبة، دون أن أنشرها، بل أعطيها لك لتقرأها في حفل تأبيني، كي تُثبِت للناس كم تحبني؟! وكنتُ أجيبه ممازحاً: اسكت! يا لطيف ما أثقل دمك!.. لا تُعِدْ هذا الكلام مرة أخرى، لأنني أخشـى أن يقع المحذور، وعندها لن أستطيع حتى أن أتكلم.. فكان يضحك ويقول لي: ما رأيك أن نُغَيِّرَ الموضوع؟ ووقع المحذور فعلاً، وما زلت أذكر ذلك اليوم، حين رافقتُ جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير، حيث وقفتُ على قبره، ولسان حالي يقول: لماذا فعلتها يا طلعت؟ ألم أقل لك إنني لا أُحسن الرثاء؟ ثم استدرتُ مبتعداً أُكفكف دموعي التي لم أُرِدْ أن يراها المشيِّعُون حولي..
والآن، وبعد مرور نحو سنتين على وفاته، تُعيدني ذكرى ميلاده إلى تلك اللحظة الكئيبة بقسوة، ولكن تدفعني، في ذات الوقت، إلى مغادرة موقف الحزين الصامت، إلى فتح حديث لا ينتهي عن أخي طلعت الذي لم يعرفه أحد كما عرفته..
إنني أرى من حقِّه عليّ أن أنشر ما لا يعرفه أحدٌ غيري من خصاله وسماته وفضائله.. وأن أكتب عنه إنساناً ومبدعاً.. وبعبارة أخرى: أرى أن عليَّ إعادة اكتشافه، ثم تقديمه للناس كما عرفتُه، في زمن صداقتنا الطويلة.. صحيحٌ أنني لن أستطيع أن أكتب عنه بأسلوب أدبي ملون بكل تلك العبارات العاطفية التي لا أُحسن سبكها، بل بأسلوبي العقلاني كناقد وباحث بعيد عن العاطفة وموضوعي إلى حد كبير، إلا أنني ربما أحاول بالإضافة إلى ذلك..، وأقول ربما، أن أسرد بعضاً من فصول حياتنا المشتركة بأسلوب أكثر ليناً ودفئاً وعاطفية..
ماذا يعني هذا الكلام؟
ببساطة، وإذا أعطاني الله العمر والقدرة، سأحاول أن أكتب عن طلعت الشاعر والقاص والصحفي، بلغة نقدية جادة، تُظهر محاسنه ولا تغضُّ الطرف عن هناته الفنية.. كما سأحاول، وبنفس الوقت، أن أكتب عن طلعت الأخ والصديق، بلغة أخرى، أتحلل فيها من عقلية الباحث وأترك لنفسي العنان كي تسرد بلغة بسيطة، بعيدة عن التنميق والتكلُّف، قصة صداقة نادرة جمعتني بذلك الإنسان الرائع.. وأتمنى من سيدة موقع نور الأدب أن تُفسح لي موطئ قدم في موقعها، كي أُقدِّم لزواره الكرام هاتين الصورتين، الموضوعية والعاطفية، لشخص واحد أحببته من كل قلبي وما أزال، هو طلعت سقيرق..

هدى نورالدين الخطيب 20 / 03 / 2014 59 : 01 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
[align=justify]
الأخ الغالي الأستاذ محمد توفيق الصواف
الأديب والناقد الباحث المتخصص في الأدب الإسرائيلي المقارن الأهم في الوطن العربي

أسعدتني وأبكيتني في آن.. نص يستحق أن نفرد له مساحة كافية هو والسلسلة القادمة بإذن الله

أزف لنفسي وللسيدات والسادة الأعضاء ، سيتشرف نور الأدب بأبحاثك القيّمة ومختلف أصناف كتاباتك الأدبية والنقدية والفكرية.

أيام أوراق99 والعنقاء من أجمل الذكريات التي أحتفظ بها .. بجمال وروعة حواراتكما ونقاشاتكما
لن أنسى يوميات بهلول.. روعة وجمال ورقي الأدب الساخر
سأعود لوضع مداخلة وافية
نور الأدب بيتك كما تعرف ونحن دائماً بانتظارك
[/align]

محمد توفيق الصواف 20 / 03 / 2014 12 : 04 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
السيدة هدى المحترمة،
أشكر لك هذا الترحيب اللطيف، وأرجو أن يمكنني الله من الوفاء بوعدي لك ولأعضاء الموقع الكرام، وكلي أمل أن أكون عند حسن ظنكم بي.. خصوصاً وأن هذا الوعد ينبع، بالدرجة الأولى، من رغبتي بضرورة بدء مشواري تجاه أخي طلعت، مشوار الوفاء لصداقتنا وأخوتنا العميقتين.. وأرجو أن يكون هذا البدء قريباً جداً...

علي ابو حجر 20 / 03 / 2014 24 : 04 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
مرحبا يك أستاذنا وأديبنا الفاضل...

ونحن بانتظار وفائكم نتعلم منه ما استطعنا ..

حفظك المولى ورعاك .

ناز أحمد عزت العبدالله 20 / 03 / 2014 12 : 05 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأستاذ القدير محمد توفيق الصواف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعانك الله وسدد خطاك وأصلح لك كل عمل وغفر لك ,وتوكل على الله .
* * *
ندعوا لك في جوف الساكنات وفاء لوفائك أطال الله عمرك بالخير والبركة .

بوران شما 25 / 03 / 2014 33 : 02 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأخ الفاضل الأستاذ محمد توفيق الصواف

نعتز ونفخر بوجودك وحضورك المميز في نور الأدب ، وسعداء
بهذا الوفاء والإخلاص لصديقكم الراحل الكبير الأستاذ طلعت سقيرق
وبانتظار أبحاثك وكتاباتك القيمة والهامة ،
كل التقدير والاحترام. ودمت بألف خير ،

محمد توفيق الصواف 25 / 03 / 2014 52 : 10 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأخ علي ابو حجر..
أشكر لك لفتتك اللطيفة هذه، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك بي..

محمد توفيق الصواف 25 / 03 / 2014 58 : 10 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأستاذ ناز أحمد...
كم سرني دعاؤك الحار هذا لي، وكم أرجو من الله أن يقبله...
وكم أرجو أن أكون على هذا القدر من الوفاء الذي وصفتَني به للراحل طلعت..
وكم أرجو أن أستطيع ترجمة وفائي له بالكتابة عنه وعن أعماله..
دمتَ أخاً وفياً..

محمد توفيق الصواف 25 / 03 / 2014 03 : 11 PM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأخت بوران شما المحترمة...
أنا أيضاً أفتخر وأعتز بمعرفتك لي وبتعليقك على ما كتبتُ عن أخي طلعت..
لأن أي كاتب لابد أن يفخر حين يرى مبدعة مثلك تهتم بكتاباته..
لكِ مني كل المحبة والاحترام..

د. رجاء بنحيدا 26 / 03 / 2014 18 : 03 AM

رد: كل عام وذكراك بخير يا طلعت
 
الأستاذ الأديب القاص الناقد الباحث الفاضل
لمست في مقالك هذا صراحة تطفو ساطعة من كلام ناقد متمرس ، وأديب يكتب بموضوعية وعلمية ،وصديق حميم لشاعرنا وأديبنا المقتدر رحمه الله - طلعت سقيرق - وهذا هو الذي حفزني إلى كتابة هذه السطور لأشد على يدك ، وأعزيك في رفيق الدرب والقضية ، في صديق قل نظيره بل انعدم في وقت طغت عليه وفيه المصلحة قبل أي شيء .
جميل أن تكتب عن صديق القضية بأسلوبين مختلفين متناغمين على وترين في غاية الموضوعية والعاطفية . ننتظر كتاباتك وإبداعك بلهفة عارمة حتى نسبح في عالمكما الذي -ولامحالة - يعبر عن سر استمرار علاقتكما
هذا الردح من الزمن - ثلاثون سنة -
تحيتي للناقد ذو القلم الذهبي
محمد توفيق الصواف


الساعة الآن 50 : 07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية