![]() |
حفلة الشواء...
عرب من دون دم...
إن التراكم الذي تحققه أي قضية عادلة يختار منحى الحسم فيها، و لا يصح أن نتكهن بغير النهاية الجائرة لأي نضال شعبي شرعي امتد على فترة زمنية تتزايد دون انقطاع، و هو يصارع خائرا رتابة ثقيلة. في حصر القضية ضمن الزمن إجحاف قاس، فالأحداث تبقى أثقل من حظها التأريخي، إن حظيت بالتأريخ، الذي يشتهر بإخفائه الكثير من التطورات الرئيسة في القضية، و لا يكشفها إلا بعد زوال السياق الذي كان ضروريا أن تبرز فيه. يوجد سؤال عميق يرتبط بحياة القضية و المساهمة المباشرة في إعادتها إلى وسطها الطبيعي: الماضي. إنها كتلة ضخمة من الآلام، يجب أن تدفن في الماضي، الألم موجود، لكننا نريد دوما أن يتأبد في الماضي فقط، و كلما غادره، ينفجر استنفار إنساني، مهما تكن قوته، لإرجاعه إلى حيزه الحقيقي. يظهر في كتاباتنا جميعا حول فلسطين التي تآلفنا حول مجموعة تعابير و مفردات اصطلاحية بشأنها و هي مثلا:" الجرح المستمر"، تعارفنا على كون فلسطين مثلا:" الوجع الأول" لأنها الأخير. لا نسهب في تأليق فلسطين بالنداء الشاعري الميثولوجي إلا عندما نتأكد من طول استيطان الأسى الفلسطيني لواقعنا. من كل المواقف التي يسجلها الجمهور العربي و المسلم في الشأن الفلسطيني، نلمس استشراء قناعة استحالة تحرير الوطن، بل إن مثل هذه العبارات:"الجرح المستمر"، "جرحنا النازف على الدوام"...الخ، التي نفهم فقط أنها تعكس الانتماء الوطني الصادق، تثبت أن الحرية أصبحت مطلبا طوباويا. كثير من الطوباويات تحققت، إنها مطلب مستحيل. في مثل هذه الأوقات و بالتحديد قبل العام 2003، كان العراق يطمح إلى بناء محطة للخروج إلى الفضاء الخارجي و مفاعل نووي، و كان يطالب بالأرض كاملة، من البحر إلى النهر، و أصر على إمكانية التوحد. كلها مجازفات داهمة استلزمت أكثر من ربع قرن من الزمان للتكيف معها، و في غضون ثلاث سنوات فقط حدث الانهيار المرعب. مراتب الانجاز لدينا تتناقص بالتتالي، و لم تعد إلى الوراء خطوة لكسب خطوتين إلى المقدمة على الأقل. بدأ يتضح أن الوجدان رغم طهره يراه قريبا فيخفف قتامة العقل الذي يراه بعيدا. ما أتعس أن ننجز مقارنة بين طريقتنا في التوحد و الطريقة الأوروبية، من السهل أن نستشف أن الأوروبية ظهرت بعد أن تخطى التعامل مع المشكلات أشواطا لا يستهان بأهميتها، أما نحن فقد تزامنت أطروحة الوحدة مع اندلاع مشكلاتنا. في هذا الاختلاف يتبين أن تلك المقارنة غير جائزة و أن الضروري لا يساوي المستحب، و أن استمرار التنازل فضيلة. تماهيا مع سلسلة التنازلات القصيرة، انطلقت نظرية السلام. قوبلت بالرفض المتأجج لدى ولادتها، فقد كانت الموافقة على السلام إيذانا بسقوط ماهية فلسطين المتلخصة في الجغرافيا الثقافية. هب العالم العربي بأسره ليدين أوسلو و جماعة المتآمرين في إبرامه. في كل التنظيمات اليسارية الغربية يلاحظ أن مطلب إقامة السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين مطلب مشترك و ملح، يسم الخطاب اليساري في كل البلدان الغربية و بخاصة التي تملك استطاعة التأثير في فلسطين. و قبل إبداء أي ملاحظة تتصل بالسلام، فإن ياسر عرفات، عراب توجه السلام في الاصطفاف الفلسطيني، حوصر و عزل في بناية متهالكة، و لم يحتضنه شعب الجبارين مجددا بعد العزل الخانق إلا جثة هامدة. و قد جرى تغييبه في ظروف ضبابية، و قبل أن يموت ياسر عرفات، السيرة و الحلم، دفن السلام الإيجابي، السلام المؤمن بانتهازية المبادئ رغم كل الانتكاسات التي تعترضها. كان واضحا أن إسرائيل تتوخى استبدال معاداة المقاومة المسلحة بمعاداة السلام المقاوم، انسجاما مع جدلية و خطة إخضاع الأرض الفلسطينية بواسطة سوءاتها القسرية. المخرجان الوحيدان: الموت السريع، أو الانتحار على مهل و هو الأفضل إذ يتيح حياة أطول. إن عبارة "تهديد النظام العراقي لجيرانه" التي رفعتها الولايات المتحدة ذريعة طارئة لغزو العراق، تؤكد أن السلام حل غير مجد في المنظور الاستراتيجي، و أن إنشاء دولتين متعايشتين يتناقض مع ارتباطات الدولة العبرية و موقعها الجوهري في مسائل النفط العربي و الهلال الشيعي و ووجود الأنظمة المتجردة من أدنى نسب الشرعية الجماهيرية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها المبرر المركزي في التسرب الخاطئ لإيران الثورية عبر موقفها غير المتجانس من مكونات الداخل الفلسطيني، لتكون أحد عوامل تعقيد المشكلة، ليس في فلسطين فحسب، و إنما في العراق و لبنان و كل الدول العربية و السنية، فكما استعملت الطائفة الشيعية و القومية الكردية لدس الالتهاب الطائفي إلى العراق و لبنان و انتزاع الدور العربي القومي من نظام سوريا، فإننا لن نتفاجأ بعلاقة طهران بجماعة:"أنصار المهدي" و بعض التشكيلات الإسلامية التي تفضل المصلحة السياسية على المرجعية الدينية في المغرب. تلقى السلام دون فرصة الكشف عن مخطط اشتغاله التنديد الصاخب، لم يكن سوى مرحلة مهادنة عابرة، رفضها الإسرائيليون قبل فصائل المقاومة الفلسطينية و معها الشعوب العربية. الباعث على إعلان السخط قبل العام 2003 و الذي تأسس على الدعوة القومية حشد الاصطفاف العربي لحروب عصيبة، و جمع العرب و المسلمين حول المناهضة الشاملة و العملية لجرائم الاحتلال و بطشه الشنيع و المستمر بالأشقاء الفلسطينيين، و في الزمن الحالي الذي تميز بسطوة آصرة العقيدة عم صمت الخيانة كل أصقاع المنطقة الإسلامية. شعب يذبح و يجوع و كل الاستنكارات الشاعرية فضلت الرداء الافتراضي. أشرق في الأذهان اليوم أن آصرة العقيدة عتيقة، و أن الدم و الثقافة انتشلاها من كبوة سحيقة تحيا اليوم مجددا. |
رد: حفلة الشواء...
الأستاذ الكريم هشام البرجاوي غزة هي اول مؤشرات فشل عملية السلام طبعا ً منذ البداية لم نكن كشعوب مؤمنين وولا مقتنعين بهذا السلام غير المتكافيء وغير العادل لكن أصر البعض انه سيكون سلام وها هي غزة تبرهن عمق هذا السلام شكرا استاذي هشام سررت جدا بزيارة صفحة الكريمة والقراءة لك ودمت بالف خير وعافية . |
الساعة الآن 12 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية