![]() |
دراسة " شيء كالظل ج2 بقلم د/ رجاء بنحيدا
دراسة " شيء كالظل 2- بقلم د / رجاء بنحيدا
إن اللغة في ديوان " شيء كالظل " مسجونة في قفص شديد الخصوصية ،فأصبحت لغة خاصة ، لغة بكرا تختلف عن اللغة التي ألفنا ها ، وهذا ما يؤكد أن الشاعر يضع بصماته على اللغة التي يستخدمها ، فيشحنها بشحناته الخاصة ، فتصبح - إضافة إلى كونها أداة توصيل - رمزا قابلا للانفجار بالدلالات ذات الأبعاد المتعددة ، فاللغة تدفعنا إلى البحث عن محتمل القصيدة وممكناتها المفتوحة ، يقول الشاعر في قصيدة ليل الليل ": في ليل هذا الليل ياليلي دم ٌ في حلكة الأفلاك نادى ليله : " ياليل طل "( ص 75) نجد لغة تلملم أسئلة الكينونة ، تشير ولاتفصح ، تومئ و لا تسمي ، تضيق في فسح الرؤيا ، وهي إلى هذا كله تنفتح على شعرية اليومي بكلمات ممتلئة وفوارة، تستدعي المهجور والمنسي . والجرح ذاكرة آه، إن المراجع في القلب نابضة والمحبة عصفورة من حريق ........ فلا وقت للذكريات ولا وقت للحزن( من قصيدة لا وقت إلا لهذا السفر -ص 92) هكذا يشكل الشاعر لغته من خلال تذكراته مما مضى من جراح وأحزان ، فاستدعاها دون أن يستطيبها. أما زلت تذكر عفوا ، فلا وقت للذكريات ولا وقت للحزن لا وقت إلا لهذا السفر ( ص 95) سفر وهروب بالكلمة وبالشعرإلى أحاسيس جميلة وبسيطة مشرقة صريحة ، عودة إلى أحاسيس الطفولة البريئة الصادقة ،ولكنها عودة موجعة حزينة لأن يد الغزاة امتدت وتطاولت لتفترس الوجوه ، والأيادي الصغيرة البريئة .بكل وحشية ومأساوية فتتعاطف الطبيعة معه ، وتشاركه أحزانه وأساه وغضبه ، فلم تعد - الطبيعة - وديعة ، سعيدة ، راضية بل لقد تسرب إليها الجرح ، وأصابها ألم ، وصبغتها جراح الشهداء بلون الدم . لكل استدارة وجه صغير رصاصة لكل العيون الصغيرة كل يد رسمت لواءها وتهجَّتْ رصاصة ( قصيدة صفير لأطفال يوم السبت ، ص 68) وشمس حزيران بقعة دم ...... مطر من دمٍ فاملؤوا قدحا ... قدحا ( نفس القصيدة ،ص 14) يصور الشاعر حالة نفسية عميقة ، وتجربة روحية شاملة ، فالحزن تمكن منه ، فانعكس ظله في الطبيعة ، فأصبح يرى اللون الأحمر يصبغ كل شيء في الطبيعة التي شاركته حزنه الممتد ، وأساه العميق . وحدثني عن ليالي القبور وعن جمرة لم تزل في التراب فقلت : القبور هنا في النفوس ( قصيدة الوردة العاشرة ص 54) استخدم الشاعر مجموعة من الكلمات التي تنتمي إلى المعجم الصوفي ، -القبور -الذي يقصد بها نهاية العالم المأساوي ، ومصطلحات أخرى ( البعث - الموت - الجثت - البداية - النهاية .. ) مما يؤكد إيمان الشاعر القوي بيوم البعث وتفكيره الدائم في هذا العالم اللا متناهي ، هذا التمزق الذي يسكن شعرية الديوان ، نجد مداه الاستعاري في عنف الكتابة بما هي أثر دم على صفحة البياض . فجففوا دموع من يبكي لا وقت للبكاء مثلما الوقت للبياض .(قصيدة ليل الليل ص 77) يسجل الشاعر ألمه بل ألمنا ، يكشف جرحا سريا داخلنا ، وهكذا تستبطن الكتابة جراحات الكائن ، تصعدها إلى موضوع عنف وتلذذ . لا وقت إلا للسواد للسواد فسودوا جناح هذه الحمامة ( نفس الصفحة ) سواد وبياض ، في ضوء هذا المدى الاستعاري المتقابل، المتزاوج والمفتوحة ، نجد توالدا عجيبا بين الفضاءات الوضاءة والعاتمة ، حيث تتزين قصائد الديوان بلباس من نور وظلمة ، نهار وليل . كما تنهض النصوص الشعرية في الديوان على تواتر مجموعة من التيمات الشعرية باعتبارها صورا متفردة وملحة ، تُبنيِنُ النص وفق علاقات قرابية تنزع نحو تشكيل مقصدية مهيمنة ، بشكل يحجب الفجوات المتولدة عن مسافات الزمن ، وطرائق التخييل بين القصائد ليتيح بالتالي إمكانية الاهتداء إلى تمظهرات تواطئها. وبهذا المنظور نستدل على تيمات ( الماء - الموت - الريح - الضوء - الليل - الحبر .. ) باعتبارها موظفة عبر تشكلات عنقودية ، فجاءت منفتحة على فضاءات النصوص وخلجانها .... |
الساعة الآن 49 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية