![]() |
الكاتب واسيني الأعرج وسيرة المنتهى
الكاتب واسيني الأعرج وسيرة المنتهى “نعم نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظل حيًا ومفتوحًا.. نكتب لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنّا نشتهي قوله.. نكتب بكل بساطة لأننا لا نعرف كيف نكره الآخرين، ولربما لأننا لا نعرف أن نقول شيئًا آخر.” (من رواية طوق الياسمين- واسيني الأعرج) عاش حياته متنقلًا بين الجزائر ودمشق، ليستقر به المطاف في باريس، كاتب تُعشعش في ذاكرته الأماكن واﻷشخاص، من الجزائر حيث جده وجدته وأبوه الشهيد الذي يعتبره أيقونةً ونقطة تحوّل أساسية، وأمه التي تعلم منها قوة الحياة. واسيني الأعرج كاتب جزائري وأستاذ في جامعة السوربون في فرنسا، ويُعدُّ من أهم الروائيين في العالم العربي. وفي حدثٍ مميز حضر الكاتب اليوم إلى لبنان خصيصًا؛ ليوقع سيرة حياته في روايته الموسومة بـ “سيرة المنتهى” والصادرة عن دار الآداب. وهي ليست الرواية الأولى التي يوقعها في بيروت؛ إذ كان له العديد من الروايات الصادرة عن دار الآداب أيضًا نذكر منها ” مملكة الفراشة” و “أصابع لوليتا”. وضمن فعاليات معرض الكتاب في بيروت كان لنا هذا اللقاء الشيّق معه. يقول الكاتب عن روايته “سيرة المنتهى” : “إنها تتناول رحلتي الحياتية، ولكنّي حاولت أن أخرج بها عن السيرة التقليدية بأن أروي حياتي فقط، فأنا أخذت أهم الرموز التي كان لها دور في حياتي ” الجد، الجدة، والوالد، تجربة الحب الأولى، والكاتب سرفانتس في رحلتي الثقافية، وجعلتهم هم من يتكلمون عن علاقتهم بي، لسبب رئيسي وهو: إن تكلمت أنا عن حياتي سأُتهم بالنرجسية، وأنا وددت أن أكسر هذه النرجسية في هذا النوع من الأدب. فتركت للرموز أن تتكلم بالشكل الذي تراه، ولم أمنع نفسي من ذكر كل التفاصيل وكل ما أرغب بقوله”. وعن الجرأة التي يجب أن يتحلى بها الكاتب ليكتب سيرة حياته يجيب، ” لا أحد يجبرنا أن نكتب سيرتنا، وعندما نقرر أن نكتبها علينا أن نتمتع بالقدرة والجرأة، أن نكتب كل ما يجب أن يقال، وإلا فلا نكتب، فنذهب حينها الى الرواية الخيالية. الحقيقة قد تكون قاسية ولكن علينا كتابتها ضمن سيرتنا الذاتية، القسوة هي جزء من كتاباتنا”. ويتحدث واسيني عن” أن اﻷم هي من أكثر الرموز تأثيرا في أدبه، إذ إن استشهاد أبيه عام 1959 في ثورة الجزائر، وهو قيمة نضالية ذات أثر كبير في حياتي، وكيف أن الإنسان يضحي بحياته لأجل وطنه، بالتالي فقد حفظتُ عنه هذه القيمة. أما الوالدة فحفظت عنها قوة المقاومة في الحياة، امرأة تفقد زوجها وتكرس حياتها لتربي ستة أبناء، تقاوم وتعيش وتربي؛ هذا ليس عملًا عاديًا. أما الجدة فكان لها الفضل بتعليمي اللغة العربية رغم أنها كانت أميّة ولكن لأن أصولنا أندلسية كانت تقول لي دائمًا: ليرضى عنك أجدادك عليك إتقان اللغة العربية. وأقنعتني بضرورة تعلم اللغة العربية وتعلمتها بالفعل. فجدي كان فرانكفونيا، وقد كان فرضًا علينا أن نتعلم هذه اللغة في ذلك الوقت، فأنا أحفظ لها الجميل في هذا الجانب. أما بالنسبة إلى الجد الأقدم الأندلسي فهو جد تاريخي، حفظت عنه تاريخ الأندلس، إذ إن لي هوية و تاريخًا أعتز بهما، أما على الصعيد الثقافي فإن سرفنتس هو كاتبي المفضل – الكاتب الإسباني الذي كتب دون كيخوت.” أما عن المشهد الثقافي في ظل الثورات ومشاهد الدماء يقول الكاتب بأن المشهد هو طبيعي ومتناقض وقائمٌ على الصراعات، الناس يتصارعون، المشهد ضائع، إذ تقام الثورات لتحسين الوضع لا العكس، وهنا نطرح السؤال الأهم: لماذا الثورات إذا كانت ستؤثر سلباً على التطور الثقافي؟ إذ ثمة تيارات تقول إن هذا هو ثمن الثورات وعلينا أن ندفعه وفي المقابل تنفي تيارات أخرى هذا الأمر إذ إن الثمن ليس دم الشعوب، وحتى المستقبل غير مضمون، فإذن كيف نغير الأنظمة الدكتاتورية، هذا سؤال آخر. لهذا نرى أن الحركة الثقافية مخترقة من هذه التيارات. لكن كل هذا طبيعي لسبب أن هذه هي حركة التاريخ وطبيعة البشر منذ القِدَم. وعن تشابه الوضع الثوري الراهن بثورة الجزائر، ينفي الكاتب وجود تشابه بين ما يحصل اليوم و بين ثورة الجزائر إذ يشبهها أكثر بما حصل في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، ” أنا استاذ في جامعة سوربون في فرنسا ولديَّ إلمام بالتاريخ الفرنسي، فبعد الحرب العالمية الثانية حصلت حالة تمزق كلي على مستوى النخب الثقافية، حتى التخوين: هذا خائن، هذا كان متعاملاً مع الألمان، متصادق مع النازية. لكن الفرق بين العالم العربي وفرنسا هو أن بلدانهم لم تتمزق، ثقافيًا تمزقوا لكن فرنسا بقيت فرنسا، من يستطيع أن يعرف كيف ستصبح سوريا بعد عشر سنوات وكذلك مصر وليبيا؟؟ إن وضعنا صعب جدًا.” بين الرحيل القسري من الجزائر والتنقل بين دمشق وفرنسا وتأثير ذلك كله في رواياته يقول واسيني: “تجمعني الذاكرة في الجزائر التي أصبحت أزورها مرة كل شهر بسبب ندوة في جامعة الجزائر، وأزور دمشق التي أقمت بها لمدة عشر سنوات ولديَّ ابنان “باسم وريما” وُلدا في الشام، وكتبت عن الشام في رواية “طوق الياسمين” وطبعًا باريس كانت لها فسحة واسعة، فأنا في مجتمع غربي وهذا المجتمع الغربي من المفروض أن نتعلم منه، إذ يمنحنا الفرصة التعرف على عالمٍ ومجتمع مختلِفَيْن وأناس آخرين، وأنا أرى أن هذه التجربة تغني الإنسان أدبيًا وحياتيًا أيضًا. الحنين، الرحيل، والحب هي نبض روايات واسيني الأعرج، ويخبرنا في هذا الصدد: “الحنين مربوط بالمنفى، أي عندما نغادر مكانًا قسرًا، أما عندما نغادر مكانًا بشكل اختياريّ فإن مغادرتنا تكون مبنيةً على قرار مسبق، لكن عندما تجبرنا سوء الأوضاع على المغادرة، يصبح الوضع مختلفًا، فالحنين يرتبط بحداد تجاه الوطن وهو حداد لم أقو على نسيانه، أما عن الحب فهو مرتبط بالفقدان، فهو حالة سامية تتجلى حزنًا عندما نعاني من الفقد، إذ ثمة حركة تزاوج بين الشيء وعكسه، إذا أردت أن تحب فيجب عليك أن تشعر بالفقد، إذا لم تشعر بالفقد فلن تحب. ولا نستطيع التخلي عن هذا الحب بسهولة، نقبل بواقع الفقدان فقط عندما يتدخل العقل أما في الحالات التي تحصل عادة فالفقدان هو نوع من البتر وحتى لو قررنا النسيان فإننا لا نستطيع “. وللمكان في أعمال الروائي واسيني الأعرج مكانة خاصة، وتأثيرٌ خاصٌّ على أبطال روايته، فهو من الأشخاص المفتونين بالأمكنة. إذ يقول ” المكان هو الإنسان، لا يوجد إنسان من دون مكان، إذ ينطبع المكان في أحاسيسه، في حياته، وفي الأشياء التي يختلقها في المكان. المكان ليس له معنى إذ لم نمنحه شيئًا جديدًا، أما المكان الذي يلمسنا فإنه يؤثر بنا كثيرًا. إن المكان له قيمة، أي أنك عندما تضع شخصية في مكان محدد تضفي عليه الكثير من القِيم، مثلًا، إذا ذكرنا شخصية انتقلت الى باريس فهي ستتلبس في هذا المكان وثقافته، فمثلا في رواية “أصابع لوليتا” تدور أحداثها في فرنسا، وموضوع الرواية يدخل في سياق الموضة، وفرنسا تشتهر بأنها بلد الموضة والعطور، إذن فالمكان لا يحتم عليك فقط اختياره بل إضافة الأدوات التي تستخدمها في سياق الرواية، حتى اللغة. هناك الكثير من النصوص لي كُتبتْ باللغة الفرنسية، وحتى إذا اخذنا رواية “طوق الياسمين” كمثال فإن أحداثها تدور في دمشق، إذ تجد في النصوص اللهجة الشامية الدمشقية، لأن المكان لا يفرض فقط الممارسات ولا الأحداث التي تخلقها، إنما يفرض أيضًا شيئًا متعلقًا باللغة، وأنا لا اوافق من يقول إن المكان شيء حيادي، بل هو أمر أساسي في الرواية. ويختم الكاتب شريط ذاكرته عن الجزائر ” الجزائر هي ذاكرة حية وتاريخ، وأنا مرتبط بهذين النمطين: الذاكرة والتاريخ، ولا يمكن أن أنفصل عنهما، حتى لو أقمت بعيدًا، فأنا مرتبط بهاتين القيمتين، فأنا ولدت في الجزائر وأهلي دفنوا فيها، فبالتالي لا نستطيع الانفصال عن هذا المكان، وأنا اقول دائمًا: أجمل الأمكنة التي نحبها هي تلك التي نعشق فيها”. (ناهلة سلامة ) المجلة سكون بتاريخ 7-12-2014 |
رد: الكاتب واسيني الأعرج وسيرة المنتهى
شكرا لك غاليتنا الأستاذة الدكتورة رجاء..من واجبك أن تعرّفي بأدباء المغرب العربي..حتى يمتد جسر التواصل بين ما اصطلح عليه (المشرق والمغرب)...التفاتة طيبة من أديبة طيبة..شكرا لك..
|
الساعة الآن 50 : 12 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية