منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   نقد أدبي (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=60)
-   -   الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=28515)

د انور غني الموسوي 10 / 01 / 2015 03 : 08 AM

الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب
 
الشعرية العالية في (نشيد الماء ) للشاعر عيسى ابو راغب

د انور غني الموسوي

المقدمة
وظيفة النقد معاينة النص و بيان مواطن الابداع فيه ، انه رسالة صادقة تحليلية للجمال الخارجي في العمل الفني و للاستجابة الجمالية الداخلية في نفس الانسان . من المعروف ان الفنية عالية المستوى في ادب اديب معين تكون في الغالب بشكل تموجي ، بحيث تتباين النصوص من حيث المستوى الفني في مقاطعها ، و عادة ما تجد بعض مقاطع النص يحتفظ بالفنية المطلوبة متخليا عن المستوى العالي منها ، بمعنى اخر ان المقاطع عالية الفنية في النص تكون منثورة كالدر بين باقي المقاطع ، لكن في الحقيقة مقاطع نصوص ( تشيد الماء ) كلها تحافظ على مستوها العالي الفني ، فتجد النفس تنبهر و تنشد و تستمتع بكل مقطع كتب ، و مع ان ( نشيد الماء) كان فرصة شعرية لأجل عمل نقدي و تطوير فكرة الشعر، فانه تجربة ممتعة يشكر الكاتب عليها .
مواطن الابداع في كل عمل فني يمكن ان ينظر اليها من جهات ثلاث ، الجهة الفنية ، الجهة الجمالية و الجهة الرسالية ، حسب منهجنا في تبين عناصر الابداع اعتمادا على الاستقراء لما غلب على كلمات المختصين في الابحاث النقدية ، و اعتماد مبدأ الشيوع اي شيوع ذلك العنصر المعين لدى النقاد ، المصدق بما لدى العرف من معارف و مرتكزات وما هو ظاهر للوجدان . هذه المنهجية و التشدد انما كان لأجل تحصين المعرفة النقدية من التكلف و الوهم ، لان المعرفة النقدية معرفة حقائقية في عالم التذوق و الامتاع ،و تستند في مظاهرها الخارجية الى عوامل واقعية و حقيقية على التحليل النقدي تتبعها و الاسترشاد بضيائها لأجل الوصول الى عوالم التفرد و الانجاز الاستثنائي للمبدع ، و انكشاف جوهر التجربة قيد الدرس . ان اعتماد قاعدة قوية من الانظمة التحليلية النقدية مع جهات ثابتة و جوانب صلبة انما هي الطريق لفتح ابواب النص المبحوث ، و اكتشاف عوالم الابداع و الجمال فيه ، و تلمس التفرد الذي يشتمل عليه .
سيكون البحث في هذا المقال في ابحاث العناصر الفنية في ديوان نشيد الماء . و حسب الاستقراء و الشائع في الابحاث و مراجعة العرف المصدق بالوجدان فعناصر الفنية ترجع الى الاصالة و المعاصرة وان لم يعبر عنهما بالصراحة انما يمكن تلمسهما في مطاوي الابحاث . و الاصالة الفنية تتجسد في العمق الفني أي المقدرة و الاتقان و تحقيق درجات عالية في الفنية ، اما المعاصرة فتتمثل بالابتكار و المواكبة و التفرد و الاقناع بالانسيابية و السلاسة و التشويق .

الموضع الاول : الاصالة الفنية

اولا : العمق الفني

الاثارة و الابهار على طول خط القراءة امر سائد في نصوص الديوان ، فلا تنفك من الخروج من اثارة و ابهار الا و واجهك غيره ، ففي ( نحن لم نمت )( تعال نقيس المسافة بين الانحناءة ومدى تقوس الظهر فينا ونعيد ترتيب قوانين الرياضيات \ ها نحن لم نمت كما قالوا / كنا فقط في نومة هانئة وحلم قلق . ) و في (الشتاء )( ورغم حبي لحبات المطر إلا أننا نتشاجر مرة ادفعها بعيدا خوفا من الغرق ومرة اجذبها ابلل روحي العطشى واراقصها في الشوارع العارية من المارة)
و هكذا جميع مقاطع النصوص تكون شواهد لذلك . و في ( ظلي و البلاد )( ما زلت أزاحم طريقي للعبور إلى الموت /واضرب أضلاعي بجنون ما ألقته الأيام القاسية /هذه فتنة أرختها الأيام على جسدي) و في النشيد الاول من نشيد الماء (ارتعاش القرنفل في الماء\أي لون للماء بعد الذي يسيل\جداول تتغنج مع الريح\ولا ترحل إلا عميقا).

و اما المجاز و التوهج و الصور ، فلا تكاد تترك مساحة او نفسا للأفكار و التوصيل ، فأما المجازية فمن اول كلمة حتى اخر سطر ، تدفق هائل و نادر من الانزياحات و التعابير المشعة و الصور الموازية المفعمة بالبوح بلغة ثانية و تعبير اخر ، ففي نحن لم نمت (اذكر / انه حينما التقينا في منتصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة الأرض الحزينة طلبت منك أن تعتلي سقف الروح والسماء ) و في نهايتها في نهاية النشيد الحادي عشر من نشيد الماء (واسقيني شهقتك التالية\ عرفت الآن من نكون\أنا النبي وأنت المرسلة تعالي نقرا صحائف التكوين من جديد ) و في النشيد الثاني (لا أراك إلا قتيلا يدخل جنة خالدة \أيها الموت القليل\انتظرني أعيد إلى وجهي ملامحه الهاربة ) انها نصوص عالية الفنية بكل معنى الكلمة .





ثانيا : الاتقان
المجاز العالي و التوهج الشديد و التصوير البديع من سمات هذه النصوص ، ففي ( نحن لمن نمت )( اذكر / انه حينما التقينا في منتصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة الأرض الحزينة طلبت منك أن تعتلي سقف الروح والسماء / أن نشيح بوجهنا عن كل الخداع الكوني ) انه المجاز العالي و التوهج الشديد و التصوير البديع بحق . و في (صلاة العاشقين )( كنت كلما دق باب الليل وتعالت أصوات شواء الكستناء \راقصتني مبتهجة وأعادت لي ذاكرة ووصايا الليل \وتساقط شالها الأسود عن كتفيها داعية جنوني أن أقشر كتف الغرام ) و في النشيد الحادي عشر (رسمت علي الغيمة شفتي فنزل المطر قبلاً حارقة\ وقلت التقطها واحدة واحدة كي تغني العصافير الربيع\ويستريح الصمت في عينيك بحنان غريب \ويكتب لغة عصرية جديدة وتكبر الحكايات بنا ) هنا المجازية و التوهجية و التصويرية في اعلى مستوياتها ، و على هذا المنوال باقي نصوص الديوان .



الموضع الثاني : المعاصرة
اولا : الابتكار الفني

في ( لم نمت بعد ) تتجسد المواكبة في (اذكر / انه حينما التقينا في منتصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة الأرض الحزينة طلبت منك أن تعتلي سقف الروح والسماء / أن نشيح بوجهنا عن كل الخداع الكوني /فهذا النفاق قد استيقظ من نومه ) بالتحرر من الزمان و المكان ،و الاتجاه نحو الكونية و اللامحدودية . و في النشيد الثاني (اعرف من تكون قالت له
وكلماتنا في المجاز\والتشبيه\والاستعارة\اعرف عندما تولد منك العبارة
قال لها ومن أكون؟؟؟غير فلاح فقير يحرث الأرض إعارة ) بالاتجاه نحو الحوار و الحكاية ، انه الشعر الحواري الحكائي .

ما يتفرد به نشيد الماء او شعر عيسى ابو راغب عموما هو الاعتماد على قوة الفكرة و التعبير ، فتاتي العبارة عميقة جدا من الوهلة الاولى تخترق العمق مع الاحتفاظ بفنيتها العالية ، ان هذا التزاوج بين فكرة عميقة و لغة عالية يعطي للكتابة نكهة مميزة ،و تكون منتمية الى اللغة القوية المؤثرة في النفس مع المحافظة الى الفنية العالية ، و كل النصوص شواهد على ذلك و منها النشيد السادس ( ففي في تلك اللحظة تماماً\شيء ما يشبه رفرفة الحمام \يتلف الوقت وفي تلك الفحة الحارة التي تخترق الروح \ الجسد\أنت.....\أنت..................\تقرر لحظة ميلادي في الشبق\وأنت تقرر نوع القبل\ولي أن اعلق بعشبك كالوردة\ولي أن أموت واحيا\ستكون في كامل عريك جميلاً) و في النشيد الحادي عشر (أنا عيسى المصلوب بين القبلتين \هنا أزهرت بتلات من دمي\وهناك زيتون يقرأني السلام\ هنا أرى بحري قريب \وهناك بحر في القصيدة من هوانا )

ثانيا : الاقناع

اللغة الشعرية الحكائية المقومة لقصيدة النثر بصورته الحقيقة تخلق شدا و تشويقا و انسيابية و وحدة ظاهرة وهو امر اتسمت به نصوص نشيد الماء ، فمنها مثلا ما في (الشتاء)( كلما أتى الشتاء ركضت إلى أمي سريعاَ لتصنع لي جوارب من صوف ثخين إني أخاف البرد ....ورغم حبي لحبات المطر إلا أننا نتشاجر مرة ادفعها بعيدا خوفا من الغرق ومرة اجذبها ابلل روحي العطشى واراقصها في الشوارع العارية من المارة ) و في رسائل لا تموت (إلى أبي الذي يتنفس أخر أنفاس الحياة \ ما زلت أنا يا أبي ذاك الطفل الذي يحمل صدى الوطن وغيم السماء بكفي ...سلام لك ) و ذروة التشويق و الشد في ( نحن ام نمت )( اذكر / انه حينما التقينا في منتصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة الأرض الحزينة طلبت منك أن تعتلي سقف الروح والسماء / أن نشيح بوجهنا عن كل الخداع الكوني /فهذا النفاق قد استيقظ من نومه ) .
ان نصوص نشيد الماء تقدم لنا نموذجا عالي المستوى في قصيدة النثر ، و يشير الى بلوغ قصيدة النثر العربية مستويات عالية و انها تختط لها تأريخا مشرقا . ان تكامل الفنية و الثراء الذي اشتملت عليه نصوص ديوان نشيد الماء يمكننا من القول انها تحتل مكانة مرموقة في الكتابات العربية الابداعية المعاصرة .

د. رجاء بنحيدا 10 / 01 / 2015 50 : 08 PM

رد: الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب
 
الأديب د . أنور غني الموساوي أولا مرحباً بك في نور الأدب قلما إبداعيا ناقدا ومحللا..
وهي إطلالة نقدية بقلم متمكن يحلل ويعلِّل... وهذا مايسمى " الصدق المنهجي "
تحيتي واحترامي .

د انور غني الموسوي 11 / 01 / 2015 05 : 12 AM

رد: الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب
 
الله يحفظك دكتورة رجاء بنحيدا شكرا جزيلا لك

نصيرة تختوخ 11 / 01 / 2015 41 : 05 PM

رد: الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب
 
شكرا لأنك لفت انتباهنا لديوان جدير بالقراءة على مايبدو من خلال ما قلت عنه وما اقتطفت منه من مقاطع.
تحيتي د.أنور غني الموسوي

د انور غني الموسوي 11 / 01 / 2015 33 : 08 PM

رد: الشعرية العالية في ديوان نشيد الماء للشاعر عيسى ابو راغب
 
الله يسلمك استاذة نصيرة تختوخ


الساعة الآن 05 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية