![]() |
المشاهدة عند الكمل العارفين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وكافة المرسلين وعباده الصالحين الرحمن اسم من أسماء الله تعالى باعتبار إفاضة أصول النعم كلها من الأعيان وكمالاتها الأولية بحسب البداية ، وإنما أوردها هنا لعموم وصفيته الشاملة للأوصاف التي تحت معناه في المبدئية ليسند إليه الأصول المختلفة الواردة بعده يقول الحق جلّ جلاله : (الرحمنُ*علَّمَ القرآنَ ) الرحمن ، الآيتان 1، 2 ، عدّد سبحانه ما أفاض على كافة الآنام من فنون نِعمه الدينية والدنيوية ، الأنفسية والآفاقية، وأنكر عليهم إثر كل منها إخلالهم بموجب شكرها، وبدأ بتعليم القرآن ، لأنه أعظمها شأناً، وأرفعها مكاناً، كيف لا وهو مدار السعادة الدينية والدنيوية وإسناد تعليم القرآن إلى اسم ٱلرَّحْمَـٰن للإيذان بأنه من آثار الرحمة الواسعة وأحكامها فالله الرحمن هو العطوف على العباد بالايجاد ثم بالهداية الى الايمان ثم أسباب السعادة والاسعاد بالآخرة ثم الانعام بالنظر الى وجهه الكريم ( علَّم القرآن ) وتعني الاستعداد الكامل الإنساني المسمى بالعقل القرآني الجامع للأشياء كلها ، حقائقها وأوصافها وأحكامها ، إلى غير ذلك مما يمكن وجوده ويمتنع بإبداعه في الفطرة الإنسانية وركزه فيها ، ولأن ظهوره وبروزه إلى الفعل بتفصيل ما جمع فيه وصيرورته فرقاناً إنما تكون بحسب النهاية ما ذكر الفرقان كما ذكره في قوله تعالى ( تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ ) الفرقان ، الآية1 ، لأنه من باب الرحمة الرحيمية لا الرحمانية وكذلك شموس المعارف ، وأقمار العلوم في طلوعها في أوْج القلوبِ والأسرار في حكم الله تعالى وتقديره حسابٌ معلومٌ، يُجْريهما على ما سبق به الحُكْمُ فنور هذه الصفة مستمد من رحمانية الرحمن التي غمرت الوجود بهذا الفيض الإلهي، المتدفق من بحر الجلال والجمال والجبروت، وسماء نعيم الأرواح، والذات المحيطة بعموم الأعيان بالرحمة العامة الواسعة ، وبمقتضى سعة رحمته ، ووفور لطفه ورأفته فالذى علم آدم الأسماء وفضله بها على الملائكة هو الذى علمكم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم ، فقيل له متى علمهم حقيقة فى الأزل وأظهر لهم تعليمه وقت الايجاد ، فالتعليم حيث كان فى جملة العلم ، فلما كشف العلم عن الايجاد أظهر عليهم آثار التعليم فتبين ههنا فضل سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم على آدم عليه الصلاة والسلام حيث علم آدم أسماءه ، وعلم محمداً صلى الله عليه وسلم صفاته اذ الصفات لا تخلو من الأسماء ، والأسماء تنبئ عن الصفات والذات ، وفيه بيان أنه بذاته سبحانه خاطبه بالقرآن شفاها عند كشف لقائه له وليس من يعلم منه بلا واسطة كمن تعلم بواسطة ، فاذا أراد تعليم أرواح الأنبياء والأولياء حين أوجدها ألبسها نوراً من نوره وبصراً من ابصاره وسمعا من أسماعه وعقلا من علمه ثم علمها صفاته بما خاطبها من كلامه الأزلى حيث لا وسائل ولا وسائط ، وليس من علمه الحق برسم الأرواح كمن علمه المعلمون برسم الأشباح ، فكان خطابا بنعت ظهور الصفة وسماعا بلا واسطة فهموا من كلامه ما استتر من حقائقه على فهوم أهل الرسوم فيا طالب علم الرحمن في القرآن اعلم أن الله تعالى يقول ( ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ ) الرحمن ، الآيتان 1-2، يعني الرحمن علم القرآن للأرواح الطيبة بما نقش بالقلم الخفي على ألواحهم الساذجة من علم الله القديم ، فلما تصاعد غبار عالم الحدوث ووقع على ألواحهم خفي النقش ، وما هم بقادرين على بقي الغبار ولا على غسل الألواح فجمع لهم فيه المفردات الرحمانية الجلالية الملكوتية ليحصل لهم استعداد أن يزيل الغبار عن وجه الألواح ، فيغسل الصور المنقوشة ليلوح فيها المعاني وافاضاتها الرحيمية قال موسى عليه السلام : أين أجدك يارب ؟ قال ياموسى اذا قصدت الي فقد وصلت فهو معكم أحبابي لا بالمعية المفهومية بل معكم بحسب مراتب شهوداتكم ان كنتم فى مشهد الفعل والعلم والتحقق فهو معكم بالتجلى الذاتى ما يتقدم ولا يتأخر عنكم فالمعية ليست هى مثل ما يتصور بالعقل حسا أو ذهنا أو خيالا أو وهما ، تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا ، انما هى معية تفرد الحق سبحانه بعينها وتحققها وعلمها لايعلم سرها الا الله ومن اطلعه عليه من الكمل ويحرم كشفها ترحما على العقول القاصرة عن درك الأسرار الخفية كما قال ابن عباس رضى الله عنهما أبهموا ماأبهم الله وبينوا مابين الله فهذه الآية مقتضية البشارة الحقة للمؤمنين بهجة للمحبين حيث معهم أينما كانوا وتوثيق للمتوكلين وسكينة للعارفين ويقين للمراقبين ورعاية للمقبلين فالأكوان تتصاغر وتتلاشى فى عزة الرحمن بسطوات عظمته وجلاله حتى لا يبقى أثرها وأزالها بحيث لا افتراق بين فعله وقهر قدرته ومن حيث الجمع باشر نور الصفة نور الفعل ونور الصفة قائم بالذات يتجلى بنوره لفعله من ذاته وصفته ثم يتجلى من الفعل فترى جميع الوجود مرآة وجوده وهو ظاهر بكل شئ من كل شئ للعموم بالفعل وللخصوص بالاسم والنعت ولخصوص الخصوص بالصفة وللقائمين بمشاهدة ذاته بالذات وهو تعالى منزه عن البينونة والحلول والافتراق والاجتماع انما هو ذوق مكنون ولا يعلم تأويله الا المحبون الهائمون فما فارق الأكوان الرحمن ولا قارنها فكيف يفارقها وهو موجدها وحافظها وكيف يقارن الحدث القدم الذي به قوام الكل وهو بائن عن الكل ألا تروا أنه يقول وهو معكم أينما كنتم |
رد: المشاهدة عند الكمل العارفين
شكرا لكم أستاذنا الفاضل .... جميل ماقرأته هنا ,,,, فكأن نور الرحمان يتجلى في هذا النص بالمشاهدة حفظك الرحمان لك الود والإحترام والتقدير |
الساعة الآن 08 : 01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية