منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   نقد أدبي (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=60)
-   -   قراءة في رواية (ليل مزنر بالنجوم للروائي د/ منذر أبو شعر )) بقلم د / رجاء بنحيدا (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=29186)

د. رجاء بنحيدا 15 / 05 / 2015 15 : 04 AM

قراءة في رواية (ليل مزنر بالنجوم للروائي د/ منذر أبو شعر )) بقلم د / رجاء بنحيدا
 
((......وتناسيت أن الأشياء الجميلة مبدؤها بداخلك ،وليست في الأحداث التي تصنعها، وجمال إبداعاتك مقرون بجمال آفاق روحك، وأنك عندما تمتلك عيناً جميلة سترى كل شيء جميلاً، وعندما تملك نفساً راضية سترضى بالقليل، فغياب ما تحبه، كغياب اللون عن الصورة ! هو لا يفقدك الحياة إنما يفقدك طعم الحياة.))
-
- قراءة في رواية ((ليل مزنر بالنجوم ... للروائي د/ منذر أبو شعر ))
بقلم د / رجاء بنحيدا



"ليل مزنر بالنجوم " رواية قصيرة للروائي الكاتب د منذر أبو شعر، هي رواية للتعبير بصيغة سردية عن تلك الغلالة الزائفة التي تسربل المظاهر الخارجية ، وخاصة مظهر الإنسان ، الذي قد يبدو على حالة البهجة والثراء النفسي والترف الجسدي المثخن بالفخامة والذوق الرفيع والأناقة (شأنه كشأن فضاء مسكنه وحياته .. ترف داخله فراغ ،، وصحراء وجدب .. )) ولكن في العمق قلق وتوتر وفراغ بل تصدعات كبيرة وعميقة ،..
إذ يمكن من خلال تتبعنا حركية الوقائع والأحداث ، لمس ذاك الضوء الخافت الذي يعارك الذبول والاستسلام بصك - أمل - في ليل بهيم شديد السواد ، هو صك يوقعه الراوي في بداية الرواية وفي نهايتها ،" صك بداية "ليل مزنر بالنجوم و" صك نهاية " إصباحات شروق ..
الشيء الذي يفتح لكل التفاصيل والأحداث بشخوصها لهذا القارئ للاقتراب أكثر من أعماق الراوي ومتاهاته، التي تتيح التأمل في تفاصيل أخرى قد تبدو متشابهة ، متناقضة متداخلة ..
لتحدد الحركات والأحداث في سياق موحد مترابط، ولتدعم حركة الفعل الروائي بتلك المفارقات الاجتماعية الفكرية الثقافية ، وكل تلك التناقضات .. التي نسجلها كلما تقدمنا في قراءة الرواية ،
فالشخصية الرئيسية تبرز في مقدمة الأحداث ، متعبة منهكة حائرة ، وهي على أعتاب الستين ،
تكاد تختفي وراء مسحة من حزن دفين مصدره الإحساس .. بالذبول .. مع إصرارالذاكرة على الاستمرار في الزمن في الحياة بل الاستمرار .. في اقتحام ..الأحداث.
إنه اقتحام إلى قلب الأحداث، بإشارات لتفاصيل ، تمهد لوقائع تبدأ بغزل خيوطها على القارئ حتى لا يتمكن من الإفلات عن الرواية ..بنسيج محكم من قياسات لهذا الارتخاء والبروز ولهذا الانسياب والانصهار " ولهذا البعد و" القرب " بين الأمل والإحباط بصوت ذكوري - منهك - وبعين-آملة - تقيس الأشياء وتصفها انطلاقا من أزمتها ..وشعورها .. بالانطفاء في الإحساس .. والبرودة في الجسد.. تجسدها ذاكرة مستمرة (( ساعاتٌ رخوة، أرهقتها دقّات الزَّمن المتتالية باستمرار، فانصهرتْ وارتختْ وضيَّعتْ شكلها عمداً، وسالت اعتباطاً، ومع ذلك تُصرُّ الذاكرة على الاستمرار، رغم أن كلَّ ما حولها في حالة سيلان وانسياب وانصهار.))
..........
وهل ثمة ذاكرة تتذكر، وذاكرة تنسى، وذاكرة لا تصلح إلاَّ للذكرى الباهتة بعد زوال الحدث ؟
....
وهذه الأضواء الذاوية في أرواحك، لم انطفأت ولم اشتعلت، وكيف اشتعلت وكيف انطفأت ؟ هل كانت وهْماً، أم حلماً، أم مجرد خيال، أم صورَ رغبة خيالِ ذاكرة ؟))




إنه انطفاء من جهة ، و اشتعال أضاف وهجا لهذا الفعل السردي في سيرورته وسكونه بضمائر نحوية تنوع وجهات النظر ، وتنوع حضور شخصية المؤلف كصوت سردي بين باقي الأصوات ، وكصوت الفرد ..الذي قد يتعارض مع باقي الشخصيات (( ...... )) والذي قد يبرز ظاهريا نوعا من التعاطف والاندماج - ولو مرغما - مع طبقة متفاوتة الانتماء المادي .. و التكوين الفكري..
((لكنك لا تزال تقول في نفسك: سأذهب لأرى آخرتها.))
((وأخرجتَ الموبايل من جيبك وأنت تبتسم: ـ ألو.. أبو أحمد، اشتري لي ماكينة خياطة آلية منزلية من الحريقة، اكتب: سنجر أو براذر، واشتري لعبة (فلة) وملابسها من محل سبيس تون، مواجه حديقة المدفع. واتصل بي عندما تنتهي.))
في علاقة تجعل الشخصية الرئيسية -مراد -.كائنا إنسانيا لا كائنا ورقيا ، .. كائنا يؤكد وجوده الواقعي يرتبط بالراوي - وقد يحمل بعضا منه - فيصعب أن نفرق بينه وبين الكاتب الضمني -((يذكرني..وحدي مع سكون المدى.. أشعر... على أعتاب الستين صرتُ......أفتح شاشة العرض الأنيقة، ...أذرَعُ واسع صالون منزلي... *
إنه إعلان عن هذا الكاتب الضمني ، كصوت داخلي متكلم في النص ، يقوم باستحضار الشخصية الرئيسية و بتوجيه الخطاب لها عن طريق ضمير المفرد المخاطب..
أخي سَتبيد جيوش الظلام
ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها
ترى الفجر يرمقنا من بعيد
تذْرَعُ الصالون جيئة وذهوباً، وأنت تدمدم بأغنية قديمة، وتستغرب من اضطراب
أفكارك ومسيرها كإبل هيم، تريد الماء والماء تحمله ولا تصل إليه ..
**تقف لحظة، تلتفت يميناً وشمالاً.. تهرش رأسك ثانية وثالثة.. كل شيء عندك منظم،
**وأنك عندما تمتلك عيناً جميلة سترى كل شيء جميلاً، وعندما تملك نفساً راضية سترضى بالقليل، فغياب ما تحبه، كغياب اللون عن الصورة ! هو لا يفقدك الحياة إنما يفقدك طعم الحياة................ .. ))
* فتتداخل الضمائر النحوية في التحام ليتهدم ذاك الحاجز بينهما ، وتخلق للقارئ لحظة إرباك بين هذا المتخيل وذاك الواقعي ، بين المتخيل الذي يخرج إلى الواقع على لسان الراوي ومن تأملات وأزمة .. البطل (( مراد )) -لتبدو أحداث الرواية تتأرجح بين حقيقية وواقعية / متخيلة ، وطابعا مشوشا يثير التساؤل أثناء تقليب أوجه التداخلات بينهما ، رغم أن الأبحاث اللسانية تؤكد أن للضمائر الشخصية موقعا غير قار في البنية الخطابية ، يجعلها مكونا فارغا" يحتاج لمن يمنحه دلالاته ((إذ أن استعمال ضمير المتكلم لا يعني بالضرورة أن السارد متماثل حكائيا، إذ يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون أحد شخصيات عالم السرد ... وعلى العكس من ذلك ، فإن تبني ضمير الغائب لا يعني أن السارد ليس شخصية .)).. 1
'وبعبارة أخرى ، فصوت السارد الحاضر الغائب ، لا يستطيع أن يخفي صوت مراد وتصوره وآلامه وآماله ، كواقع أو حلم ، كوهم أو حقيقة ..فكل فعل سردي يدرك انطلاقا من حضور باقي الشخصيات وفق تقسيم ثنائي / ذكر أنثى ، بورجوازي / بسيط ، شاب / كهل ... تاريخي / خيالي .. ديني / دنيوي انطلاقا كذلك من مجموعة من القيم .....والصفات .. .




وهذا كله يفند مهارة الراوي /د منذر أبو شعر وقدرته على التحكم في الشخصيات حتى يوصل ما يريد قوله .. وما يريد سرده من أحداث ، عن طريق الإخبار بالحدث تارة ، وأخرى بالتأمل والمونولوج الداخلي ((، كل الناس تسمع صوتي إلاَّ أنت تسمع خفق قلبي. ورغم أن أرواحنا تئن في محبسها فقد نسينا أن مفاتيحها فيها.. فهل لا بد لنا من الصمت بعض الوقت حتى نتعلم طرق الكلام )) وأخرى بعرض السؤال والاستفسار (( متى تعرف أن مقامها ليس في هذا الثوب الفاني ؟! وهذا العشق الذي يتوالد فيك من نبع لا تدرك مصدره، لماذا يجذبك لتسير معه فتسلم له قلبك وروحك، فتستمتع به أذنك، ولا تمل شفاهك وهي تردد همس عباراته، لماذا يفتح لك عوالم يقين الأمل، فتصير شرارة تبدأ منها النار ؟))
مما جعل كل هذه التفاصيل في مسرح الأحداث - السردية - تدب فيها حياة الصدق .. وأنفاس أصوات الحياة المتنوعة .. التي يبحث عنها الراوي في كل هذه الجزئيات .. بمقدرة سردية .. فنية موسومة بميسم إنساني .. يأمل إصباحات شروق .. ونجوما تزنر هذا الليل البهيم .
((أنت داخل المعنى ولستَ ظاهر الكلمات))- جلال الدين الرومي ..
************************************************** ****************************************
1- واين بوث : نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير ( مؤلف جماعي ) ت . مصطفى ناجي ط1 -1989ص 103




الساعة الآن 14 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية