منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   فنجان قهوة ومساحة من البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=274)
-   -   رسوم على الجدار (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=29645)

د.مرتضى بابكر الفاضلابي 17 / 11 / 2015 40 : 03 PM

رسوم على الجدار
 
بعض المداد
د. مرتضى بابكر الفاضلابي
رسوم على الجدار
شاخصة أبصارهم ينظرون إلى السماء فلا سقف يحجب عنهم الرؤية ولا جدار يغيهم برد الشتاء تضاءلت أحلامهم وتقازمت أمام حرارة الواقع أمنياتهم يحلمون برغيف خبز وثوب يستر عوراتهم . كثيرا ما تصطادهم نظرات الناس وكثيرا ما تصك أسماعهم عباراة من لا يرحمون : " أذهبوا أيها المتسولون المتشرديين " أكتظت بهم الشوارع والأسواق فحملوا أجسادهم المتعبة المتهالكة بحثا عن الأرواح النقية الطاهرة فتوسدوا رصيف المساجد ناموا وعلى خدودهم بقايا أدمع وسؤال حائر عن غد مجهول ربما يحمل في طياته الكثير عشقوا صوت الأذان فما أن يصيح الأذان حتى يصيحو مهللين " الأذان أذان " وينطلق كل واحد منهم نحو مكان اختاره بعناية مادا يده مرددا عبارات يستجدي بها الناس فالأذان وبيت الله مكان للرزق بالنسبة لهم لا دار للعبادة .
تغشى أحلامهم أمنيات التعليم وأن يحتلوا مكانهم بين أفراد المجتمع .
  • في إحدى المناطق النائية وفي مدرسة خالية من الأسوار يزورها الطلاب صباحا وتغشاها الوحوش واللصوص ليلا ، رأيته يجلس خلف نافذة الفصل صبي لا يتعدى عمره العاشرة حافي القدمين متسخ الثياب كان صامتا ينظر للبعيد تشع من عينيه نظرات الذكاء اقتربت في صمت منه حاول الهرب فامسكت به فأجابني " اتركني فانا احب حصص الاناشيد " جاءت كلماته كالصاعقة اطلقته فاطلق ساقيه للريح . أدركت حينها حجم تلك المأساة التي يعيشها ابناء الطبيعة المساكين حجم تلك الأحلام التي تضج بها دواخلهم دون أمل ، حجم تلك الرغبة الملحة في التعليم والتي تؤرق مضاجعهم في ظل حياة الفقر التي يعيشونها وعدم اهتمام أسرهم بالتعليم ، وفي ظل غياب تام لدور المجتمع والدولة تجاههم .
  • مازلت أذكر تلك الرسومات الجميلة في حيطان سوق تلك المدينة والتي كانت تحمل اللون الأسود حزن الدواخل ولون الفحم الذي استخدمه ذلك الصبي الذي ينتمي لتلك الشريحة الفقيرة من المجتمع تلك الشريحة التي اختارت ارصفة الجوامع مقاما لها ومن الاسواق مسرحا لحكاياتها وأحلامها ، رسوم غاية في الروعة والجمال كانت تلك الرسوم عبارة عن صور للأسد في أوضاع مختلفة ، وصور لجندي يحمل بيده بندقيته ، أهي ثقافة العنف والحرب التي اكتسبها ذلك الصبي واستشفها من واقعه ؟ أم أنه بحث عن السيادة والمكانة الرفيعة فاختار رمز الأسد عشقا له ؟ أسئلة كثيرة داهمتني لحظة تدفق المداد وانسكابه أحرفا :
  • أليس من حق هؤلاء أن يعيشوا حياة كريمة في مكانا آمن يحجب عنهم حرارة الشمس ويغيهم برد الشتاء ؟
  • أليس من حقهم أن ينالوا حظهم من التعليم دون مطالبتهم بالرسوم ؟
  • أعجزت الدولة عن توفير دار تئويهم ومدارس تقبل وجودهم بين طلابها ؟
  • لماذا لا يتكفل ديوان الزكاة بعلاج هؤلاء الطبقة الصغيرة من المجتمع واستخراج بطاقات علاجية لهم فهم أحق الناس بهذا التكافل الاجتماعي الذي يدعو له الصندوق القومي للتامين الصحي ومن قبله ديننا الحنيف .
  • لا تقنطوا من رحمة الله ابناء الطبيعة المساكين فما زالت قلوبكم وقلوبنا تنبض .


الساعة الآن 31 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية