منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   مكارم الأخلاق (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=37)
-   -   أنوار الحكمة والمعرفة من علم لا يتناهى (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=29790)

عمر الريسوني 13 / 01 / 2016 34 : 06 AM

أنوار الحكمة والمعرفة من علم لا يتناهى
 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وكافة المرسلين وعباده الصالحين

هناك غاية من المعرفة وغاية متحققة بالعلم لمن أراد التدبر والتبحر في آيات الكتاب
الذي أنزله الله بعلمه ، فالله تعالى عظيم الصفات ومعرفته سبحانه هي معرفة
صفاته والله عز وجل ما خلق الجن والانس الا ليعبدونه ويعرفونه ، والله تعالى أنزل كتابه بالعلم وأمر عباده بالتدبر والحكمة لتحصيل الفهم الذي يقربنا من علم لا يتناهى وذلك من أجل غاية سامية وحكيمة

فلما نقرأ قوله تعالى في محكم كتابه العزيز

(قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء )

فقوله سبحانه تعالى : عذابي أصيب به من أشاء متعلقة بالارادة ، والارادة لا تتعلق بالقديم
لأن العذاب من صفة الفعل المحدث فعلقه بالمشيئة ( من أشاء) وهذا يعني أنه معلق بمشيئة الله
وفيه اشارة أن أفعاله غير معللة بأكساب الخلق ، ولم يقل سبحانه عذابي أصيب به العصاة
بل قال سبحانه : (من أشاء ) ، وفي ذلك اشارة الى جواز الغفران لمن أراد ، فأحكامه سبحانه
ليست معللة بأكساب الخلق ، لذا فعندما انتهى سبحانه الى الرحمة قال سبحانه وتعالى
( ورحمتي وسعت كل شيء ) فلم يعلق رحمته بالمشيئة لأن الرحمة من صفات الذات ، لذا وجب التمييز بعلم بين صفات الذات وصفات الفعل ، فالله تعالى نسب لنفسه في كتابه من صفات رحمته وغفرانه ورضوانه ولم ينسب لنفسه سبحانه كونه المعذب أو ما شابه ، والمشيئة تعني أن الله تعالى قادر على منع العباد عن ما يريدون فعله و هم غير قاهرون لله تعالى ، بمعنى أن إرادتهم غير خارجة عن نطاق القدرة الإلهية بل محدودة ضمن المشيئة الإلهية
ولا ننسى في هذا الباب دعاء الملائكة الكرام بعلو علمهم بربهم بقولهم على لسان الله في محكم كتابه العزيز

( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. ) الآية ،

فكيف يعرف العبد ربه وهو ليس له علم بصفات ربه العظيمة وليس له العلم بأن الله تعالى لهو الأرحم بعباده وخلقه ، وكيف
يود العبد القرب من ربه ويبتغي الوسيلة وهو لا يعرف ما يقدم وما يؤخر لأن هذا العلم أكبر من أن نحيط به ببساطة ، وقوله تعالى ( وما قدروا الله حق قدره) في ثلاث آيات تنبئ بهذه الحقيقة ، أو قوله
سبحانه لنبيه نوح عليه السلام ( اني أعظك أن تكون من الجاهلين ) الآية ، لئلا يسأله ماليس له به
علم وهنا تتجلى الحكمة الظاهرة من علو شأن المعرفة به سبحانه وبصفاته ، فالعباد اذا لم يعرفوا الله فهم بذلك لا يقدروا الله حق قدره ثم أنهم لم يقدروا عظمة الله بعظيم صفاته ومنه أنه سبحانه وتعالى
أنه أرحم الراحمين والأرحم بعباده وخلقه وهو الأرحم من كل رحيم ،
ثم أنه كيف يسعى العبد الى الفوز بالجنة ومعرفته بربه قاصرة
لذا فالجنة والنار ليستا غايتين في حد ذاتهما رغم أنهما مخلوقتان ، فالمعرفة بالله تعالى هي التي تجعل العبد المؤمن أشد حبا لله معرفة بقدره سبحانه ، ولا ننسى في هذا المقام المرأة من بني اسرائيل التي قصدت نبي الله موسى ليرزقها الله الولد ، فأوحى الله لنبيه موسى أنه كتبها عقيم ، وبعد شهور عادت المرأة لموسى وهي تحمل وليدها بين يديها ، فتعجب موسى لأمرها فأوحى الله له : يا موسى : لقد كتبتها عقيم وهي تدعوني يا رحيم ، فغلب دعاءها قضائي ، فماذا يعني هذا ؟ أليس معرفة بقدر من ندعوه معرفة بصفاته المثلى العظيمة الذي لا يخيب رجاء العابدين والمبتهلين اليه بصدق الدعاء
لذا فانها مسألة معرفة فمعرفته سبحانه نور، وأنوار محبته رحمة ورضوان للقلوب الضمآى الوجلة التي هي معدن الاسرار للقرب والانس والتلذذ بحبه واشتياقه .
وهذه المعرفة معرفة سامية ومحققة ،فالمؤمن أخلص نيته وهذب ملكاته نوازعه وطهر جسمه بالماء الطهور فخشعت اعضاءه واقبل على الله الطاهر القدوس مناجيا اياه بهمة وخشوع في ذكره ودعاءه في ركوعه وهو قريب منه تعالى في سجوده، والعبد الخائف الوجل يدعوه بخوف وتضرع ووجل وبكاء ، فما اعظم هذا السجود والخنوع له سبحانه لأن هذا العبد شعر بالحضور والقرب فخشعت ملكاته وجوارحه لله علما وحضورا مع الله القريب من عباده وخلقه ، قال تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) الآية


الساعة الآن 27 : 03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية