منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   المقــالـة الأدبية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=62)
-   -   أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30155)

نصيرة تختوخ 10 / 05 / 2016 27 : 10 PM

أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 

هناك مساحة حرجة ومُتَحدِّيَة يجتمع فيها المبدع والمتلقي تضع على كاهل الاثنين مسؤولية العملية الجمالية وانتصارها في المجتمع. الإحساس بالتموضع فيها يستشعره المرء أكثر عندما يدرك أن أحد أساسيات المُنْجَزِ الإبداعيّ هو دفع الخيال نحو حدوده القصوى والزّج بالمنطق خارج حصانته لتعريضه لصدمة الجمال المبتكر.
مجلة الجديد -نصيرة تختوخ [نُشر في 01/05/2016، العدد: 16، ص(145)]
http://store2.up-00.com/2016-05/1462904392331.jpg

ما تستقبله الحواس من الفن ويُحدث ارتباكا داخليا ويدعو إلى إعادة ترتيب الوعي والإجابة عن أسئلة من قبيل: لمَ؟ ولماذا؟ وكيف؟ يُشير، غالباً، إلى وجود رهانٍ يتجاوز مجرد محاكاة الجمال أو صناعته إلى حمل الفكرة الجمالية والتعبيرية، شاقّة كانت أو ثقيلة، ومواجهة الواقع بانعكاسه أو قلق انعكاسه وتطوره معًا.
الأمر هنا ليس متعلقا بالحداثة أو رهانات الفن الحديث فقط، بل هو حديث عن خاصّية متأصلّة في الاشتغال الإبداعي منذ القدم. وقد يكفي تأمل بعض المنحوتات التي توصف بالبدائية لشعوب ومجتمعات توزّعت على القارات الخمس لإحالتنا إلى حقيقة تعقيد مستويات التفكير والخيال والإتقان عند الإنسان رغم بدائيّته. وإذا كانت محدودية أدواته ورصيده المعرفيّ يزيدان من تقديرنا أو إعجابنا بصنيعه الفني، إلاّ أنّهما ليسا ضروريين لإدراك مدى قدرته على التجريد واللجوء إلى مساعدة الخيال للخروج بما يناسب واقعه.
الاستغراب الذي قد يعترينا ونحن نشاهد بعض التماثيل أو الأقنعة أو حتّى الرّقصات المركّبة للشعوب البدائية قد ينتفي جزئيًّا أو كليًّا إذا ما فهمنا الرمزية الكامنة خلفها أو التناغم المنشود منها.
المبدع المعاصر مؤهل بالتقنيات الحديثة وتراكم المعرفة للتوجّه نحو آفاق جديدة والمتاح له أكثر من سابقيه دمجُ أشكال فنية متعدّدة في آن واحد. المتلقي المزامنُ له من المفترض أن يكون مزوَّدًا بما يكفي من اتساع وانفتاح وفضول لاستقبال الجديد، من دون رفض أو قمع مسبقين.
استعداد المتلقي للنقد والتقييم يقع ضمن حقّه في التفاعل مع ما يُعْرَضُ عليه ويُناسب طبيعة التشارك التي تجعل من المولود الإبداعي مستباحا حسّيًا من جانب جمهور واسع لا يقتصر على مُبْدِعِه أو عائلة فنيّة صغيرة. لكنه يكون ظالمًا ومقصّرًا في أدائه عندما ينضمّ إلى المعمِّمين أو المتسرّعين في أحكامهم، الذين ينفضون عبارات يائسة من الفن الذي ترى أنه تبعثر في الفوضى.
من طبيعة الأشياء أن أصحاب الموهبة الذكيّة يبقون ذوي رؤية متميزة غير محتاجين للتقليد ومجاراة الشائع سبيلاً؛ قد يصمّون آذانهم عن أشياء كثيرة لكنهم يستمعون بطريقتهم لإرشادات إلهامهم وخيالهم ويسعون في طريقهم الإبداعيّ بالإيقاع الذي يناسبهم ويرضيهم وهم لا ينقرضون كما لا يستسلمون بسهولة. وإن كان عدم الانتباه لهم أو عدم منحهم فرصتهم المستحقّة يسبّب أذى لهم، فإنّ الأذى الأكبر، من حيث عدد المشتركين فيه والمتضررين به، هو ذاك الذي يحدث عندما يسود الاستياء من المشهد الثقافي وطغيان اللاّمبالاة بوضعه أو مفاقمة حالته عوض معالجتها.
بيكاسو، الذي يحبّ البعض أعماله ويتهكّم عليها البعض الآخر، أنجز ما بين عام 1903 و1904 لوحته عازف القيثارة العجوز فألهمت والاس ستيفانس لقصيدته “الرجل ذو القيثارة الزرقاء” وكان من ضمن ما كتبه فيها “قالوا، عندك قيثارة زرقاء، لن تعزف الأشياء كما هي/ردّ الرجل: الأشياء كما هي تتغير على القيثارة الزرقاء/وقالوا عندئذ: لكن اعزف/، عليك أن تبدع/ لحنا يتجاوزنا، لكنه نحن/لحناً على القيثارة الزرقاء/عن الأشياء كما هي بالضبط”.
تفاعل المتلقي الشاعر هنا خرج من أزرق الفنان إلى أزرقٍ عميق آخر يرفع الفنّ ليعبّر عن الأشياء ويغيّر واقعيتها على طريقته التي يقبلها الآخرون ويقبلون عليها. وهم يحتاجونها ويزيدون عليها لو تفاعلوا معها بما يجعل تناسل الإبداع وتحليقه ممكنا. في المساحة المشتركة بين المبدع والمتلقي ليس مطلوباً أجمل من هذا.

محمد الصالح الجزائري 10 / 05 / 2016 22 : 11 PM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
[align=justify]مقالة بمقاسات جمالية تمتدّ على مسافات من الألوان والألحان..مزجتِ بين الأزرق اللوني والأزرق الفني والأزرق اللحني والازرق الأدبي..شكرا لك على متعة الحرف...[/align]

نصيرة تختوخ 11 / 05 / 2016 04 : 12 AM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
يسعدني رأيك أستاذ محمد وأن تجد في رأيي ما يناسبك.
تحيتي

علاء زايد فارس 11 / 05 / 2016 09 : 12 PM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
حقاً مقال رائع، نجحت في تشويقنا
نجحت في ايصال رسالتك
نجحت في اصطيادنا بأول فقرة قبل بداية المقال...
وتلك اللوحة المعبرة الرائعة التي تحولت إلى قصيدة لشاعر، مما يدل على أن الإبداع يفجر الإبداع..
أعجبتني هذه الفقرة جداً

من طبيعة الأشياء أن أصحاب الموهبة الذكيّة يبقون ذوي رؤية متميزة غير محتاجين للتقليد ومجاراة الشائع سبيلاً؛ قد يصمّون آذانهم عن أشياء كثيرة لكنهم يستمعون بطريقتهم لإرشادات إلهامهم وخيالهم ويسعون في طريقهم الإبداعيّ بالإيقاع الذي يناسبهم ويرضيهم وهم لا ينقرضون كما لا يستسلمون بسهولة. وإن كان عدم الانتباه لهم أو عدم منحهم فرصتهم المستحقّة يسبّب أذى لهم، فإنّ الأذى الأكبر، من حيث عدد المشتركين فيه والمتضررين به، هو ذاك الذي يحدث عندما يسود الاستياء من المشهد الثقافي وطغيان اللاّمبالاة بوضعه أو مفاقمة حالته عوض معالجتها.

أحيانا يكون النظام الثقافي يرفض فكرة معينة ويحاول طمسها جاهداً تحقيقاً لرغبة من يدير هذا النظام وخدمة لمن يتبع له هذا النظام...
وقد يكون هذا الشيء في صالح الفنان أو الأديب إذا استمر في رسالته بلا كلل أو ملل، وأستذكر في هذه اللحظات الشاعر أحمد مطر، رغم محاولات طمسه انتشر في قلوب كل مظلوم يرفض الظلم في العالم الثالث..!

تحياتي لك


نصيرة تختوخ 11 / 05 / 2016 30 : 10 PM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
يسعدني أن تجد في مقالي ما يوافق رأيك ويخاطب ذوقك وعقلك أستاذ علاء.
تحيتي لك وتقديري.

ليلى مرجان 12 / 05 / 2016 24 : 10 AM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
تفاعل المتلقي الشاعر هنا خرج من أزرق الفنان إلى أزرق آخر عميق يرفع الفن
هذا التفاعل هو نفسه الذي تناسل منه هذا النص الأدبي المتميز
والذي أثارتني فيه هذه الفقرة

الاستغراب الذي قد يعترينا ونحن نشاهد بعض التماثيل أو الأقنعة أو حتّى الرّقصات المركّبة للشعوب البدائية قد ينتفي جزئيًّا أو كليًّا إذا ما فهمنا الرمزية الكامنة خلفها أو التناغم المنشود منها.


عاش الإنسان منذ القدم في بيئة محملة بالرموز؛ فهو كائن مسكون بها، خلقها وتعايش معها فسكنت وجدانه وذاكرته، وعششت في اللاوعيه.
ومهما اختلف لسان الإنسان وفرقته اللغة فإن الرموز توحده لأنه هو الآخر ليس إلا رمزا من رموز الكون الفسيح.

شكرا لك أستاذة نصيرة على هذه المتعة الأدبية
تقديري واحترامي

نصيرة تختوخ 12 / 05 / 2016 24 : 11 PM

رد: أزرق الفنان وقيثارة الشاعر- نصيرة تختوخ
 
جميل أن أتعرف على هذا الاختلاف في القراءة والاستكشاف لمقاطع النص الذي كتبت.
يسعدني وجودك في نور الأدب أستاذة ليلى.
دمت.


الساعة الآن 03 : 11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية