منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=560)
-   -   راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30597)

محمد توفيق الصواف 20 / 08 / 2016 49 : 04 PM

راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
التشظي الديني في العالم الإسلامي الراهن
المقصود بهذا التشظي اختلاف الأديان التي يعتنقها سكان العالم الإسلامي، منذ قديم الأزمان وإلى اليوم. فكما هو معروف، ليسوا جميعاً مسلمين، بل بينهم أتباع ديانات أخرى أكثرهم، بعد المسلمين، عدداً المسيحيون، وأقلّ منهم اليهود، وثمة آخرون ما زالوا يَتَّبِعون ديانات شرقية قديمة، كالصابئة في العراق، والوثنيين وعبّاد الشمس في بعض مناطق بلاد الشام، وعبّاد النار في مناطق من إيران، وثمة ديانات ومعتقدات أخرى، أقل شهرة وأتباعاً، لا مجال هنا لاستقصائها جميعاً. وقد لا يكون خطأً القول إن هؤلاء وأولئك يعدّون أقليات في البلدان الإسلامية التي يعيشون فيها، إلى جانب الأكثرية المسلمة، في كل بلد.
والتعدُّد الديني، في البلدان الإسلامية، أمرٌ مألوف، منذ أن دَخَلَها الإسلام، لأن الذين حملوه إليها، فاتحين أو دعاةً أو تجاراً أو مثقفين أو بأي طريقة أخرى، لم يُكرِهوا أهلها على تغيير دياناتهم، بل اكتفوا بعرض الإسلام عليهم، تاركين لهم حرية الاختيار، إن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا ظلوا على ما يعتقدون. وذلك التزاماً منهم بمنهج الدعوة، كما حدَّده الله سبحانه وتعالى لهم في قرآنه بقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}/البقرة، الآية (256) ، وقوله جلَّ جلاله لرسوله عليه الصلاة والسلام: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}/الغاشية، الآيتان (21 و22)، وقوله سبحانه : {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}/الكافرون، الآية (6)، وقوله عزَّ من قائل: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}/الكهف، الآية (29).
هذا يعني أن غالبية من اعتنقوا الإسلام من السكان الأصليين للبلدان الإسلامية، إنَّما اعتنقوه برغبتهم واختيارهم، بعد وصوله إليهم. وهذه حقيقة تشهد على صحتها وقائع تاريخية كثيرة لا يرقى إليها شك. أما الذين آثروا البقاء على دينهم، من أولئك السكان الذين دخلت بلدانُهم تحت عباءة الحكم الإسلامي، ولاسيما في المراحل الأولى لانتشار الإسلام، فيشهد التاريخ على حُسنِ معاملة المسلمين لهم، ما لم يحاولوا العدوان عليهم أو إيذاءهم أو مناصرة أعدائهم عليهم، وذلك تأسِّياً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، في حسن معاملتهم لمن آثروا البقاء على نصـرانيتهم أو يهوديتهم(1)، في المدينة المنورة وغيرها من البلدان التي فتحها المسلمون.
ولعل من أبرز العوامل التي ساهمت في صياغة المعاملة الإسلامية الحسنة لليهود والنصارى خصوصاً، عدم نفي الإسلام، بوصفه خاتم الأديان السماوية، للديانتين اليهودية والمسيحية اللتين سبقتاه، ودعوة أتباعه إلى الاعتراف بهما والإيمان بما لم يُحرَّف، مما أُنزل على أنبيائهما، كما يؤكد قوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ..}/البقرة، الآية (285)، وقوله جلَّ جلاله: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسـَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}/النحل، الآية (84).
وإلى حدٍّ ما، تُعدُّ علاقات المسلمين بأتباع الديانات الأخرى، في البلدان الإسلامية التي يشاركونهم مواطنتها، علاقات جيدة، في أغلب الأحيان. كانت كذلك قديماً وما تزال، ولا عبرة في الحالات القليلة التي نشبت فيها نزاعات ووقعت صدامات محدودة زمنياً ومكانياً، لأن هذه الحالات تُعدُّ شذوذاً على القاعدة. بل إن من أعظم الأدلة على تسامح المسلمين مع مواطنيهم من أتباع الديانات الأخرى، وصول بعض هؤلاء، إلى مراتب عليا ومراكز حساسة في الدولة الإسلامية، فقد شغل يهودٌ ومسيحيون مناصب رفيعة في الدولتين الأموية والعباسية، وكذلك في الأندلس وفي الدولة العثمانية، ولم يكن الخلفاء المسلمون يتحرَّجون من ذلك.
في ضوء هذا المعطى، وبقراءة محايدة إلى حد كبير، يمكن القول إن الاختلاف الديني بين سكان العالم الإسلامي لم يُشكِّل، في غالبية العصور الماضية، وحتى في عصـرنا الراهن، عاملَ فرقة وتشظٍ، فعَّال ومستمر، يُهدِّد تماسك البنية المجتمعية للبلدان الإسلامية، وذلك لأن غير المسلمين كانوا دائماً أقلية، في تلك البلدان، ومازالوا.
وبالتأكيد، لا ينسحب هذا المعطى على علاقة المسلمين مع الصليبيين الغزاة، ولا مع يهود إسرائيل الصهاينة، لأن خلاف المسلمين مع هؤلاء وأولئك لم يكن يوماً خلافاً دينيَ الطابع، بل خلافاً بين غزاة محتلين وبين مقاوِمِين للاحتلال، بِغضِّ النظر عن ديانة هؤلاء وأولئك. ولا أدلّ على صحة هذه الحقيقة من استهداف الصليبيين للمسلمين والمسيحيين على السواء في بلدان الشـرق الإسلامي، حين غَزَوْها، وكذلك فعَلَ أحفادُهم الذين قادوا حملات الاستعمار الأوروبي الحديث، في القرنين الماضيين، ومثلهم فعَلَ اليهود الإسرائيليون أيضاً وما زالوا يفعلون في فلسطين المحتلة. فأبداً لم يُفرِّق الغزاة يوماً، بين مسلمين ومسيحيين، في ممارساتهم العدوانية التي يطبقونها على الطرفين بلا تمييز.
وبالمقابل، يؤكد تلاحم مسيحيي البلدان الإسلامية مع مسلميها، أثناء العدوان عليها، من قبل الصليبيين والأوروبيين والإسرائيليين وغيرهم، أن المسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى عموماً، لا يعانون اضطهاداً دينياً حقيقياً ضدهم، من قبل الأكثرية المسلمة في البلدان الإسلامية التي يعيشون فيها، إذ لو كانوا يعانون اضطهاداً كهذا، لوجدوا في الغزو الصليبي المسيحي أو الأوروبي مثلاً، فرصة للتخلص من ذلك الاضطهاد، ولكانوا وقفوا مع الغزاة ضد المسلمين من مواطنيهم، لكنهم لم يفعلوا، باستثناء حالات قليلة لا يجوز تعميمها. بل حتى يهود البلدان الإسلامية كانوا آخر من هاجر إلى إسرائيل، وكانت هجرة كثيرين منهم، كرهاً لا طوعاً، بفعل الإرهاب الصهيوني المنظَّم ضدهم، والهادف إلى اقتلاعهم من بلدانهم لتهجيرهم إلى إسرائيل. والمثال الأكثر بروزاً على صحة هذا الطرح، تهجير معظم يهود العراق، في أوائل خمسينيات القرن الماضي، إلى فلسطين المحتلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لم يبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم حربه ضد يهود المدينة المنورة، ثم يهود الجزيرة العربية ككل، إلا بعد أن حاولوا اغتياله أكثر من مرة، وتآمروا مع مشركي قريش وغيرهم ضده وضد أصحابه.

محمد الصالح الجزائري 21 / 08 / 2016 20 : 01 AM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
[align=justify]..ومقعدي المفضّل..أتابع باهتمام وأستمتع وأستفيد وأسجّل ملاحظاتي..شكرا لك دكتورنا الفاضل الأستاذ محمد توفيق الصواف على ما تبذله من جهد كبير..مودتي والياسمين..[/align]

د. رجاء بنحيدا 21 / 08 / 2016 03 : 05 AM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
الدكتور الكريم .. الباحث محمد توفيق الصواف
أسجل مروري ، وكذا اهتمامي الكبير بجميع الفصول والفقرات .. وما سبق ذلك من مقدمة وإطلالة على المنهج ، وتساؤلات..
تقبل سيدي مروري وإعجابي ..

خديجة السويدي 22 / 08 / 2016 36 : 07 PM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
الأستاذ الدكتور محمد توفيق الصواف أعجبني الموضوع الذي أثرتم بخصوص التشدي الديني في العالم الإسلامي وأحب أن أسجل مروري بقولة قالها الكاتب الأمريكي سالسبرجر عن الارهاب والحروب التي أصبحنا نعيش على وقعها الآن باسم الدفاع الدين أو ما شابه ذلك ... يقول " إن من الحقائق المؤلمة أن ما يربو على نصف الحروب المشتعلة في العالم اليوم، قد اندلعت بسبب صراعات دينية! وحيث إن جميع الطوائف المعترف بها تؤمن بإله واحد فذلك يعني أن البعض يقتل البعض الآخر في سبيل نفس الإله وإن اختلفوا على تسميته".
مزيدا من التألق أستاذي الفاضل

علاء زايد فارس 27 / 08 / 2016 57 : 02 AM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
اعتذر جدا عن تأخري في الحضور بسبب مشاغل كثيرة كنت أنجزها
صدقاً ملف رائع ومفيد صدقاً
منذ مدة لاحظت أن البعض اتهم المسلمين بأنهم أسلموا المناطق التي غزوها، وقد كنت مقتنعاً تماماً بأن هذا ظلم، لأن أهل تركيا الأصليين أصبحوا مسلمين، وأهل مصر الأصليين أصبحوا مسلمين، والكثير من أهل الروم أصبحوا مسلمين، وذلك لما رأوه من عدالة الاسلام قياساً بالأقوام التي كانت تحكمهم سابقاً.
لقد تجنى أحد كبار الأقباط في مصر ذات يوم وقال أن المسلمين اضطهدوا الأقباط ، وكنت أعرف تماماً أن كلامه ليس صحيحاً ذلك بأن هناك روايات تتحدث عن أن الأقباط عانوا الاضطهاد في العصر الذي سبق المسلمين، وأن المسلمين لو كانوا يمارسون التطهير العرقي ضدهم لما كان عددهم الآن في مصر يقارب ال 10 ملايين نسمة.

أشكر لك تقسيم الموضوع إلى فصول ، فهذا يسهل علينا القراءة
وصدقاً أنت معلم رائع
معك حتى النهاية أستاذنا القدير

محمد توفيق الصواف 28 / 08 / 2016 29 : 09 PM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
مساء الخير للجميع..
بداية آسف لتأخري في الردّ على تعليقاتكم المُعبِّرة والمُشجِّعة على استكمال نشر ما تبقَّى من هذا الكتاب..
وأقول لأخي الصالح، أنتَ الأول في القلب دائماً، فشكراً لاهتمامك.
وشكراً لاهتمام الدكتورة رجاء التي ما زلتُ أنتظر استكمال رأيها في كامل الكتاب بعد اكتمال نشره.. (جاءت الصياغة هكذا عفو الخاطر، فأعجبتني ولم أشأ تغييرها)/ابتسامة..
كذلك الشكر موصول للأستاذة خديجة السويدي، على اهتمامها رغم جفاف موضوع الكتاب..
وأما الأخ الرائع علاء، فشكري لك لا ينبع من طريقتك المميزة في التعليق على ما يُنشَر في الموقع فحسب، بل من محبتك التي تفيض بها عباراتك أيضاً..
شكراً لكم جميعاً وأتمنى أن أكون عند حُسن ظنكم وظن باقي قراء الموقع..

ريمه الخاني 29 / 08 / 2016 03 : 11 AM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
تسجيل حضور وحجز مقعد.
مع التحية والتقدير، ونتابع

محمد توفيق الصواف 30 / 08 / 2016 23 : 07 PM

رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/الفقرة 1/صواف
 
أهلاً بكِ أستاذة ريمة قارئةً متميِّزة كما أنتِ دائماً،
ويسرني فعلاً أن أعرف رأيك بكتابي هذا، وأن أفتح معك نقاشاً حوله..
أما بالنسبة لحجز المقعد، فأنا موافق شرط ألا تطلبي المقعد الأول، لأنَّ أخي محمد الصالح الجزائري قد سبق الجميع إلى حجزه..
تحياتي..


الساعة الآن 13 : 09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية