![]() |
راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/خاتمة واستنتاجات/صواف
[align=justify]في جملةِ ما تَضَمَّنَهُ هذا الفصل إشاراتٌ واضحة إلى أن التنكُّرَ لمبادئ الإسلام والتحلُّلَ من التزام تعاليمه في السلوكيات الحياتية، كانا السببين الأهم لتشظي المسلمين ثم لضعفهم فتخلفهم، وليس العكس، كما يروِّج كثيرون، عن وعي أو عن غير وعي..
ومن الملاحَظ أن التنكُّر لمبادئ الإسلام والتحلُّل من التزام تعاليمه، لم يَحْدُثَا فجأة، ولا بقفزة واحدة، بل بدأ كلٌّ منهما على شكل انزياح بسيط عن تلك المبادئ والتعاليم، ثم استمرت زاوية هذا الانزياح بالانفراج تدريجياً وببطء، حتى صار انحرافاً، في عصـرنا الراهن.. ولا أدلَّ على صحة هذا المعطى من مقارنة الإسلام السائد في راهننا، بشتى تمظهراته وصوره، مع إسلام القرآن الكريم والسنة النبوية.. ذلك أنَّ النتيجة الواضحة لهذه المقارنة تُؤكِّد أنَّ الصلة بين هذين الإسلامين هي مجرد صلة اسمية فقط، أمَّا جوهراهما فمتناقضين تناقضاً صارخاً. فإسلامُ القرآن والسنة النبوية هو إسلام الوحدة بين المسلمين {إنما المسلمون أخوة}، وإسلام التحذير من الفرقة والتنازع المُفْضِيَين إلى الضعف والتخلف {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وإسلام التمسك بحبل الله الممدود {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}؛ بينما إسلامُ الراهن هو إسلام التشظي والصـراعات البَيْنِيَّة.. إسلام القَبَلِيَّات المتنازعة، والقوميَّات المُتَنابِذَة، والأعراق المختلفة المُتَنَاحِرَة.. وإسلامُ القرآن والسنة هو إسلام المساواة بين المسلمين (الناسُ سواسيةٌ كأسنان المشط)، لا فضل لعربي منهم على أعجمي ولا لأبيضَ على أسود إلا بالتقوى، وإسلامُ الراهن هو إسلام الصراعات الطبقية والحزبية والسياسية، التي يظلمُ الغنيُّ فيها الفقير ويلتهمُه، ويستأثرُ فيها الحزب الأقوى بكلِّ وسائل القوة والغنى وبالحلِّ والعَقد، ويرفعُ أصحابَه فوق سائر الناس، ويَتَفَرَّدُ الحاكمُ فيها بالرأي ويُلزمُ رعاياه بما يرى، رافضاً أيَّ مخالفة له.. وإسلامُ القرآن والسنة هو إسلامُ الحرية... حريةُ المعتقَد {لا إكراه في الدين}، وحريةُ الرأي {لكم دينكم ولي دين}، وحريةُ التعبير في الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر {ولتكن منكم أمةٌ يَدْعُون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ويَنْهَون عن المنكر}، وحريةُ النقد والمساءلة والمحاسبة لأولياء الأمور على اختلاف وظائفهم ودرجاتهم ومسؤولياتهم {من رأى منكم منكراً فَلْيُقَوِّمْهُ بيده فإنْ لم يستطعْ فبِلِسَانِه فإنْ لم يستطعْ فبِقَلْبِهِ وهو أضعفُ الإيمان}؛ أمَّا إسلامُ الراهن فهو إسلامُ العبودية... عبودية التزمُّت التي تجعل صاحبَها لا يرى على جادَّةِ الصواب غيره، ويرفضُ مخالفتَه أيّاً كانت الحجة الدافعة إلى هذه المخالفة ومسوغاتها.. ولذلك فهو يرفضُ الآخرَ المختلِف ويرفضُ مجردَ الاستماعِ لرأيه أو الحوارَ معه.. وعبوديةُ القمعِ واضطهاد أصحابِ الرأيِ المخالِف والدينِ المخالِف والمبدأِ المخالِف والهوى المخالِف.. وعبودية الاستسلام للظالم والخشيةِ من نَقْدِ أخطائه بَلهَ مساءلته ومحاسبته.. وإسلامُ القرآن والسنة هو إسلامُ التقدُّم والعزَّةِ والرِّفْعَةِ للمسلمين {إنَّ العزَّةَ للهِ ورسولهِ والمؤمنين}، بينما إسلامُ الراهن هو إسلامُ الذلِّ والتخلُّف والتبعيةِ للأقوياء من غير المسلمين.. وثمَّة وجوهٌ أخرى كثيرة للمقارنة بين إسلام القرآن والسنة النبوية وإسلام الراهن.. وكلُّها تقودُ إلى حقيقة واحدة ووحيدة هي أنَّ السببَ الرئيسَ لِمَا آَلَ إليه المسلمون المعاصرون من تَشَظٍّ وضَعْفٍ وتخلُّف يكمن في استمرار انزياحهم عن مبادئ إسلامهم وتعاليمه، حتى بلغ هذا الانزياح حدَّ الصيرورةِ انحرافاً فانسلاخاً عن تلك المبادئ والتعاليم، وليس العكس.. وعلى افتراض صحة هذا الاستنتاج، تبرزُ على هامشه مسائلُ في غاية الأهمية، انبثقَتْ جميعُها مما يطرحه رافضو العودة إلى تعاليم الإسلام ومبادئه، من بدائل يزعمون أنَّها وحدها القادرة على انتشال المسلمين من تَشَظِّيهم وضعفهم وتخلُّفهم. بعضُ هذه البدائل قديمٌ كالشيوعية التي ثَبُتَ فشلُها في القرن الماضي، حتى في معاقلِ ظهورها وتطبيقها، أيْ في ما كان يُعرَفُ ببلدان المعسكر الاشتراكي، خلال ذلك القرن. وثمَّة بدائل أخرى مازالت حية نَشِطَة أهمُّها اثنان هما العلمانية والديمقراطية اللتان ما تزال الدعوة إليهما رائجةً في قرننا الحالي، على خلفية زعم أتباعهما وأتباع أمثالهما من التيارات الوضعية بأنَّ تطبيقَ مبادئ هذه التيارات يُعدُّ مُنقِذاً "خارق القدرة" لكلِّ مجتمعات الإنسانية، وليس للمسلمين فحسب، من الظلم والقهر والفقر والتخلف. أمَّا جوهر هذه "القدرة الخارقة" المنسوبة إلى تلك المبادئ وسرُّها الأعظم فهو (فصل الدين عن الدولة)، على خلفية الادعاء بأن هذا الفصل سيؤدِّي، فورَ تطبيقِه على أرض الواقع، إلى نقل المسلمين من حالهم الراهنة إلى أخرى أفضل منها بكثير. وينسـى أصحاب هذا الادعاء، أو يتناسون، أنَّ ادعاءهم هذا تَدْحَضُه معطياتُ الواقع الراهن للعالم الإسلامي وحقائقُه التي أكَّدَت وما تزال، أنَّ إكراهَ غالبية المسلمين، منذ منتصف القرن الماضي، على تركِ مبادئ إسلامهم والتزام غيرها، لم يُجْدِ في انتشالهم من ضعفهم وتخلفهم، ولا في توحيد صفوفهم، أو حتى في الحيلولة دون زيادة تشظيهم.. [/align] |
رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/خاتمة واستنتاجات/صواف
[align=justify]مقارنات في غاية الأهمية والخطورة..فصل آخر من فكر الدكتور الصواف يحتاج إلى أكثر من قراءة!! بوركتَ أيهذا الثاقب النظر والفكر معا..شكرا لك (سجّلت ملاحظاتي ) كما اتفقنا..وأنتظر نهاية فصول الكتاب الشيق المهم والمفيد لنبدأ النفاش الجاد !! مع المحبة والتقدير..[/align]
|
رد: راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/خاتمة واستنتاجات/صواف
[align=justify]أخي محمد الصالح... أسعد الله أوقاتك بكلِّ خير...
بِقَدْرِ ما آسَفُ لبقائكَ المُعلِّق الوحيد على ما أنشره من هذا الكتاب، بِقَدْرِ ما أفخرُ بمتابعتك لي واهتمامكَ به، متمنياً أنْ يكون اهتمامك هذا من النوع المُعدِي (ابتسامة)، عسى أن يَكْثُر المُعلِّقونَ على ما سأستمر بنشره، إن شاء الله، من فصول هذا الكتاب الذي أظنُّه مفيداً.. شكراً، وتقبَّل محبتي وتقديري..[/align] |
الساعة الآن 13 : 08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية