![]() |
صراع الظلال...
خاطرة.. [align=justify]في ذلك العصر المُوغِل في الآنيَّة، خرج علينا قزماً يسحبُ خلفه ظلاً بطول تاريخنا المكتوبة أمجاده بحروف من سراب... دقَّقتُ النظر في وجهه طويلاً، فألفيتُ ملامح أليفة وابتسامة متسامحة لا تكاد تغيب، تَرِفُّ على شفتين تقطران عسلاً ودفئاً وحناناً... اطمأن قلبي، وهدأَتْ حناجر القلق في هواجسي... لكنَّني حين التفَتُّ إلى ظلِّه الطويل مُستطلعاً مدى تطابق ملامحه مع ملامح صاحبه، راعني التناقض الصارخ بين الظلِّ وصاحبه... دقَّقتُ ثانية باحثاً في نقطة التقائهما عن فاصل يفصل الظلَّ عن صاحبه، فلم أجد، فاتسعَتْ عيناي دهشة، وغاص القلب في الوحل صرخةً بلا صدى... تركتُه يرتع ويلعب، ورحلتُ مُيَمِّماً شاطئ البحر... وهناك، على طول الشاطئ الممتدِّ من الهزيمة إلى الهزيمة، ومن الإحباط إلى الإحباط، وجدتُ الأجساد تتوالد دون توقف، ثم تستلقي على الرمال الذائبة بتكاسل، وتتثاءب ببلادة قبل أن تغطَّ في سبات الصمت واللامبالاة، تاركةً نبضَ الحركة والفعل لظلالها التي احتلت كلَّ مساحة الشاطئ... غادرتُ شاطئَ الظلال ناشداً المدن الواسعة، حيث الحركة مازالت، كما توهَّمتُ، لسكانها وليس لظلالهم.. فإذا بي أجدُهم وقد حلَّ بهم ما حلَّ بالذين على الشاطئ... لقد نام سكان المدن أيضاً، ماتوا أحياءً، وتركوا ظلالهم تمارس الحياة بدلاً عنهم... في كلِّ الأمكنة التي ذهبتُ إليها، كانت الظاهرة نفسها تصفع قدرتي على الاستيعاب... فكَّرتُ في الأمر طويلاً... ما الذي حدث لأناس هذا العصر؟ وجوهُ هادئةٌ وكلام حلو يَقْطُرُ من الشفاه المُطْبَقَة.. تستمع لحديث أيٍّ منهم، إذا أيقظته، فيُدهشُك أن تجدَ الفضيلةَ محورَ أحاديثهم جميعاً، وأن تجدَ الدعوةَ إلى التزام الإنسانية في السلوك عُرْفَهم ودينهم الذي يتعصبون له، والخُلُقَ السامي النبيل أغنيتَهم الوحيدة التي تسمعها أينما سرتَ واتجهت... فتبتهج نفسك وتطيب، وتصبح عواطفك بحراً متلاطم الأمواج انفعالاً وسعادة وإعجاباً.. لكن، ما إن تُغادر أولئك المتحدثين عن الفضيلة والخلق والإنسانية، حتى يصمتوا ويعودوا ليغطُّوا في سبات لامبالاتهم من جديد، تاركين لظلالِهم أن تفعلَ، على أرض الواقع كلَّ ما يُناقض الفضيلةَ والإنسانية، لقهر كل مَن لا زال يرفض الاستسلام لطغيان تلك الظلال ويصرُّ على البقاء إنساناً!.. [/align] |
رد: صراع الظلال...
[align=justify]هذه أكبر من كونها خاطرة!! أصبت الهدف بنصف رمية ! أنتَ تفضحنا وتعرّي غباءنا حين ألبستنا ثوبا من حرير..أبدعتَ أيهذا الرّجل الرّجل..شكرا لك..
[/align] همسة: هل قصدتَ : خرج علينا قزمٌ يسحبُ خلفه ظلاً ؟ |
رد: صراع الظلال...
اقتباس:
أخي الحبيب محمد الصالح.. أشكرك على هذه القراءة العميقة والمتذوقة للنص، القراءة التي عودتني عليها لنصوصي ونصوص الآخرين من مبدعي المنتدى.. بالنسبة لكلمة (قزم)، لا قصدت أن تكون منصوبة وأن يكون فاعل (خرج)مستترا، وبهذا تكون الحال (قزما) وصفا له، وفهمك كفاية، أكتفي بهذا القدر من الشرح لأترك لك متعة تذوق العبارة يلاغيا! مرة أخرى تقبل جزيل شكري مع محبتي، وأرجو أن أعرف رأيك أيضا في قصة (اعتراف) التي نشرتها البارحة أيضا ولم تبق على شريط المشاركات العشر أكثر من ساعة لغزارة المواد التي أخرجتها من ذلك الشريط.. وشكرا.[/align]. |
رد: صراع الظلال...
نعم سيدي هو زمن الظلال ، لا تتنقل كثيراً بين البلاد ، فكلنا عبيد لظلٍ عبدناه وقدسناه وقاتلنا لأجله ، ولن تجد إلا القلة القليلة في كل مكان من تحررت من ظلها ....
تحية لكَ من الأعماق أستاذي الدكتور الصواف ، فأنا قارئ نهم لكل ما تكتبه وإن كنت أكتفي أحياناً بالصمت وأخيراً وعلى هامش الموضوع مازلت أنتظر تتمة كتابك راهن العالم الإسلامي فإن كنت قد نشرته هنا أرسل لي الروابط فأنا بشوق لتتمة قرائته وشكراً |
رد: صراع الظلال...
اقتباس:
قرأتَ ما بين السطور ببراعة.. أنت قارئ ذواقة وهذا ما يجعلني أرغب بمعرفة رأيك في كل ما أكتب.. بالنسبة لكتاب راهن العالم الإسلامي، توقفتُ عن متابعة نشره لأنني لم أجد له قراء غير قلة قليلة جداً، فأحبطني إعراض أعضاء الموقع عنه، فأوقفتُ متابعة نشره.. لو تجد له ناشراً أخبرني لأرسل لك نسخته كاملة.. شكراً لمتابعتك صامتاً ومُعلِّقاً.. مع محبتي وتقديري..[/align] |
الساعة الآن 19 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية