منتديات نور الأدب - رسالة يان و مصباح ديوجين

لم تكن تفصلنا إلا أيام قلائل عن حلول السنة الميلادية الجديدة.
فتحت علبة بريدي الإلكترونية ووجدت رسالة موجهة لكل الزملاء و المرسل زميلنا يان العجوز الذي يعمل في المختبر كمعد لتجارب الكيمياء و الفيزياء و علوم الأحياء.
كانت رسالة يان دعوة للتآزر و التراحم و الرأفة بمن همشم المجتمع و طحنتهم رحى الأيام و الظروف.
استشهد يان بذكريات طفولته مع والده الذي كان يمضي ساعات طويلة في دكانه ينتظر زبونا ليربح في كل مادة يبيعها بضع سنتيمات يحمد الله عليها.
كان الأب صبورا و قنوعا وذا نفس طويل في وقت كان البلد متأزما و يرجو إطلالة فجر ذهبي جديد.
غياب التأمينات و التعويضات الإجتماعية كان يجعل الإنسان أكثر ارتباط و حاجة لغيره من الوقت الراهن.
استشهد يان بقصة مصباح ديوجين الشهيرة و لمن لا يعرفها فإن ديوجين كان يحمل مصباحا و يطوف به في عز ضوء النهار و عندما يسأله مستفسر عن تصرفه هذا يقول:أنا أبحث عن إنسان
الخطاب كان واضحا ; يجب أن لا نصل درجة أن نفقد الإنسان بداخلنا,علينا أن نركل أنانيتنا و نمد أيدينا للمحتاجين و ندرك ضرورة المشاركة و التقاسم و أهمية إنارة درب الآخرين بأمل تمنحه إلتفاتتنا لهم.
و بعيدا عن تأثري بالرسالة فقد فكرت بعناية في وجود شخص مثل يان معنا دون انتباهنا له.
شخص قليل الكلام, يبدو غالبا مشغولا بعمله رغم أنه سيحصل على التقاعد بعد سنتين.
شخص تظهرعليه علامات البساطة و الهدوء و لا ينسى تهنئتنا في أعياد ميلادنا فلا زلت أذكر أنه يوم التاسع نونبر قال لي: أتمنى أن يكون يوم غد أجمل أيامك. قلت له: لماذا?
قال:لأنه عيد ميلادك صغيرتي.
غريب أننا لانركز بعدساتنا على مثل هؤلاء الأشخاص و أن من يسرقون اهتمامنا هم المجعجعون الذين يتحدثون كثيرا عن مواقفهم و تصرفاتهم و أعمالهم و إنجازاتهم و نجاحاتهم.
غريب أن ننتبه لوجود الزميلة التي تحكي عن سفرها أيام عطلة نهاية الأسبوع للتسوق في باريس أو فرانكفورت و التي انزعجت لانقطاع الكهرباء لأنها كانت في صالون المانيكور و لاننتبه لجلوس يان بوزرته البيضاء في مقعد ما و هو يشرب قهوته مبتسما.
أظن ديوجين كان محقا و هو يصدر أصواتا غريبة ,غير مفهومة و يجعل جمعا كبيرا من الناس يلتفون حوله ليقول لهم بعد توقفه :أنظروا يا بني البشر كيف تلتفون و تتجمعون حول التفاهة! لو كنت أقول موعظة أو كلاما معقولا لانصرفتم عني
تجذبنا الجعجعة و المظاهر و نتناسى غالبا أن عمق الإنسان باطن لا ظاهر وأنه بإمكاننا التعرف أفضل عن و بمن حولنا بالتأمل و التقرب والإنصات و ليس بمجرد النظر و السماع و الإنجذاب للجعجعة.
Nassira