![]() |
سائحة
سائحة...
الْحاراتُ العتيقةُ، نبضٌ اِختلف عن الأحياءِ المُستحدثة.. الحاراتُ العتيقةُ عبقٌ لهُ غموضهُ.. غفتْ حِكاياتهُ طيات الياسمين والزهور العطرية غموضٌ ساحِرٌ، جعلها تسترسِلُ طيلة مسيرها.. لم يكن الوقتُ كافياً لِأن تُدون أسماء الأزقةِ والحاراتِ المُتراصة ..كانت تسيرُ على عجل، تُريد تدارُك الوقت، لاتُريد تفويت حارةٍ أو حيّ.. الأزقة الضيقة مُتداخلة، عالمٌ بداخِلهِ عالمٌ آخر، سيكون لديها الكثير من الحكايات عِندما تعود.. توقفت نهاية زقاقٍ ضيقٍ على يمينها تراصت كُتبٌ عتيقة، تربع أعلاها شخصٌ طاعِنٌ في السِن، كان مُنشغلاً عن المارة بقراءة كتابٍ.. حاولت دخول المكتبة لكنها فوجئت بكمٍ كبيرٍ مِن الكُتب، لايمكنها التجوال أبداً بداخِلها.. جلست يمين الباب إلى جانب طفلةٍ اِنشغلت بتصفح مجلةٍ ملونةٍ، استوقفتها الأساطيرُ الأندلُسيةُ المستوحاة من تاريخ الحُكم الإسلامي للأندلس، ما إن بدأت بالغوص في القراءة حتى قُدِم لها كأسٌ من الشاي! ـ شاي ..هذا جيد لمساءٍ خريفي وسط هضابٍ عامرةٍ بالكتب! قالت لنفسها وهي تنظر يميناً ويساراً من قدم لها الشاي.. إنه صاحب المكتبة الذي وجدها سائحةً تود لو التهمت كل ما حولها من آثارٍ ومعلوماتٍ وكُتب.. ـ يأتي إلى هُنا الكثير من السواح يومياً..ينشغلون بالكتب القديمة ..الآثارُ العتيقة.. كما وتُبهِرهم الأزقة الضيقة.. قال لها صاحب المكتبة وهو يبتسمُ لها.. ـ أجل قالت لهً..شكرتهُ على الشاي الذي قدمهُ لها، ثُم مضت في رحلتها لاستكشاف عالم الأحياء القديمة.. بعد مشيها بضع مترات، وجدت نفسها وسط ساحةٍ دائرية اتسعت مساحتها ، اِنتشر وسطها رسامون بشكلٍ أنيقٍ، وانشغل كُلٌ منهم برسمٍ لوجهٍ أبهره ذات صباحٍ، أو لوجوه سَوّاح بمقابِل مادي.. يصطَحِبُ الرسم أصحاب الوجوهِ المرسومة إلى بلادهم كتذكارٍ.. كانت الأنامِل غايةً في الدقة.. رافق الرسمُ عزف على آلة الكمان حيناً لعازِفٍ يافعٍ، أو عزف على الغيتار، أو عزفٌ على آلة الأكورديون.. تقدمت من رسامٍ انفرد برسم الوجوه كياً على الخشب بحرقهِ حرقاً خفيفاً اِقترَبت مِنه تريدُ رسماً لِوجهها تصحب اللوحة معها إلى وطنها لدى عودتها. رَحبَ بها الرسامُ وبَدَأَ الرسم بقلمِ الرصاص، ريثما يسخن جهاز كي الخشب الكهربائي لكيَّ ما جسدهُ بقلم الرصاص!! انتهى العمل سريعاً .. لمهارتهِ وسرعة الجهاز الآلي، ما إن همت بمُحاسبتهِ حتى صُفعت بسرقة نقودها..وكرت البنك الذي وجدته لن تستطيع استعمالهُ خارج بلدها!!.. شعرت بالحرج أمام الرسام الذي فهمها، وحاول مساعدتها لكن عبثاً ً ووسط خجلها، وحيْرتها ماذا تفعل، وَجَدتهُ يُقدِمُ لها اللوحة كهدية ! مُتمنياً لها عَوْدة مُيسرة إلى وطنها.. ومابين رفضها وخجلها أن تقبل اللوحة دون مُقابلٍ، تقدمت الفتاة التي التقت بها في المكتبة، لتُقدم لها النقود التي سقطت سهواً منها بينما كانت تتصفح كتاب الأساطير في مكتبة والدها! كم شعرت بالغبطة والسرور وسط الكم الهائل من الوجوه الغريبة التي أحاطت بها، شكرت الفتاة وسارعت بتقديمٍ هديةٍ لها، كما شكرت الفنان الشاب وقدمت لهُ هدية بدوره.. اِقتربت مِنها ابنةُ صاحِب المكتبة قبلتها مُختصِرةً المشهد إنها تربية وطننا!! **************** |
رد: سائحة
قرأت القصة قراءة متأنية وأشكرك على هذا السرد الإبداعي المتقن , تحياتي أستاذة عروبة شنكار مع باقة ورد .
|
رد: سائحة
اقتباس:
تعليقك يدفعني إلى الأمام، يُشجعني مُضاعفة نصوصي لك حقول ورود تحيتي وتقديري |
رد: سائحة
باقة شكر لك على هذا الوصف الرائع لأحداث وشخوص وأمكنة تتشابه وتتماثل.. وقد نجدها في كل الأوطان
تقبلي مروري وتحيتي |
الساعة الآن 54 : 08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية