منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   لعنة العصر (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33259)

لطيفة الميموني 27 / 06 / 2019 29 : 08 PM

لعنة العصر
 
رن جرس الهاتف، تسابق العجوزان لرفع السماعة التي كانت اليوم من نصيب الأم.
-مرحبا... من معي؟
صمت غريب لف المكان. فجأة، ترنحت السماعة يمنة ويسرة بعدما تلقت الأم خبر وفاة ابنها، فسقطت مغشيا عليها.
سليمان ابن الجيران، محبوب من طرف كل أصدقاء الحي، هاجر إلى فرنسا لاستكمال دراسته، وهناك سقط في بئر الإدمان، والتوت حبالها عليه تدريجيا، وغاص في تياراتها اللعينة إلى أن انتهى به المطاف صريعا في إحدى صالات اللعب حيث يجتمع فيها مع أصدقائه لممارسة عاداتهم السيئة.
في هذا اليوم، فقد سليمان السيطرة على نزوته، فوجد ملقى على أرضية الحمام إثر هبوط حاد في ضربات القلب نتيجة جرعة زائدة من مخدر الهيروين.
كما الشاب سليمان، هناك الآلاف من الشباب دخلوا عالم الإدمان ليسببوا المآسي لذويهم. فلا أحد يمر بهذا الطريق إلا وتنزلق أقدامه في حفرته المظلمة لتكون نهايته دمارا وخرابا له وللمحيطين به.
سليمان وحيد الأسرة، أفنى والداه حياتهما في تربيته وتأمين مستقبله، فرسما له طريقا ورديا في مخيلتهما، حتى بلغت أحلامهما مداها، واليوم تغفو كل أمانيهما وأحلامهما بجوار جثته في تابوت مغلق تنبعث منه بعض همسات الذكرى وتمر سريعا أمام أعينهما.
في يوم المأتم، سمعت آهات الأم وزفراتها، واستشعرت من نبرة صوتها حزنها العميق وهي تحكي لجاراتها لحظة تلقيها الخبر بصوت متقطع وسيل من الدموع.
تأسفت لحال الأم المكلومة وهي تهذي تارة باسم ولدها، وتارة تدخل في نوبة بكاء هستيري ممزوج بغصة في حلقها تعترض خروج الأحرف.
مر على الحادث أكثر من سنة، والتقيت صدفة بأم سليمان في دكان الحي الذي كان مالكه صديقا مقربا من ابنها. سمعتها تبكي من شدة تأثرها، وتحكي له كيف أن النوم أصبح كابوسا مزعجا لها، إذ يطل طيف سليمان كل ليلة عليها من نافذة أحلامها.
كم كان موقفي صعبا، وكم كان تأثري شديدا وأنا ألمس جرحها الغائر وهو ما زال ينزف دما ودمعا وهموما.
غادرت المتجر وصوت نحيبها يلازمني، ولم أستطع امتلاك نفسي، إذ تذكرت شبابا في مقتبل العمر، لكن حالتهم توذن بخريفه: أسمال بالية ووجوه شاحبة متداعية، وهم يجوبون ضواحي المدينة. مدينتي التي أصبحت مرتعا لأباطرة المخدرات وسوقا ضخمة لمروجيها، وكل يوم يسقط بها شباب صرعى، وأمهات ثكلى، وآباء نخر الحزن صدورهم وأصبحت الظاهرة لعنة تعجل بالموت.
كم أنا حزينة لهذا، وبكل لغات العالم أنادي، وبكل لهجات الدنيا أتساءل: هل يملك مروجو المخدرات قلوبا...؟!.
هزمتني حروف أبجديتي ومداد قلمي، ولم أستطع التعبير عما ينتابني من الخوف الشديد في أن يطال يد التخدير وجوها أحببتها ويعشش عقولا عشقتها...!!

خولة السعيد 28 / 06 / 2019 01 : 02 AM

رد: لعنة العصر
 
يملكون قلوبا متحجرة جامدة فلعلها تحيا يوما ...للأسف هم كثيرون فإن ذاب جليد قلب أحدهم تحجرت وجمدت قلوب أخرى...
نرجو لطف الله يا لطيفة

غالب احمد الغول 28 / 06 / 2019 55 : 11 AM

رد: لعنة العصر
 
أشكرك أستاذة لطيفة , وصدق من قال بأن تعاطي المخدرات هي ( لعنة العصر ) لقد أبدعت بالوصف ولك مني أجمل باقات الورد المعطرة , تحياتي

ليلى مرجان 28 / 06 / 2019 07 : 04 PM

رد: لعنة العصر
 
هي آفة ابتلي بها عالمنا وفي عدم إقبارها سياسة تريح من يفزعه ضجيج النضال
شكرا لك عزيزتي لطيفة على حرف ينزف مدادا ليشاركنا وجعا بصيغة مؤثرة
محبتي

لطيفة الميموني 29 / 06 / 2019 35 : 05 PM

رد: لعنة العصر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد (المشاركة 239681)
يملكون قلوبا متحجرة جامدة فلعلها تحيا يوما ...للأسف هم كثيرون فإن ذاب جليد قلب أحدهم تحجرت وجمدت قلوب أخرى...
نرجو لطف الله يا لطيفة

العزيزة خولة السعيد..
سرني مرورك بمتصفحي وزادت بصمتك من ألقه.
نسأل الله السلامة لفلذات أكبادنا من سخط هذه اللعنة.


الساعة الآن 19 : 07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية