منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   أجمل البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=460)
-   -   "رضعة كورونا" (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33592)

Arouba Shankan 14 / 03 / 2020 56 : 11 PM

"رضعة كورونا"
 
"رضعة كورونا"

تماماً كما في الأساطير القديمة يحدث أن تتشابك الأحداث، وتتعقد الأمور، وتبدأ سندريلا الحكايات بالبكاء، ويكفكف دمعها يد الفارس المغوار لتبدأ بسرد مأساتها شهقة شهقة وتختلج في النفس مشاعر الرثاء، فتمتلأ الذاكرة حكمة وعظة، وتعلق بين مفاصل الأمس تفاصيل محنٍ كانت عصيبة، ينفصل الزمان عن المكان لتتشكل هوة واسعة، يلفها ضباب وبضعة جماجم صخرية، كانوا هنا ثم رحلوا، ويختبئ القمر خجولاً، ضياؤه لم يكن كافياً ليشغل عيون الحراس عن أطيافهم، ويحدث أن يختفوا، وتنزوي السندريلا بملابس الحداد، أربعون حكاية وتعصف في الأذهان قصص الطفولة لترويها الشفاه جيلاً بعد جيل بتواتر وحرفية.
"هذا هو قدرك" وينتهي الأمر بزيارة ملك الموت لسرير رضيع، انشغلت أمه عنه لترتيب ثيابه والتحضير لطقوس استحمامه بماء الورد والصندل، وزهر البابونج المعطر بروائح أرض طيبةٍ! تأكدت من جاهزية حوض الاستحمام، ودفء المياه في كانون، وما إن همت بحمل صغيرها شهقت هلعة، كان الموت أسرع في انتزاعه من بين ضلوعها، لم تكن المساحة كافية لاستيعاب الأمر لتبدأ مراسم الوداع والتشييع، وتبدأ عواصف البكاء والحسرات والعويل والنحيب!
تفتح باب الكلمات، لحكايات طويلة لاتنتهي، ربما لو قُدر لطفلها الحياة لما جادت بهذه القصص عن حضوره، وبكائه، وطعامه، ونظراته، عن همساته عن لحظات ضجره، عن شعورها وهو يعانقها، وعن جنونها وهو يهمس ماما..تقودها ثورة البكاء لمرارة كبيرة، تنظر حول الوجوه البائسة، تسافر في المدى تجده مغتاظاً موعد الرضعة وموعد تبديل ملابسه.
ويبتعد المعزون عن الصالة، يقترب الفجر من الانبلاج، تكاد تقتلع بأظافرها عقارب الوقت، تستقبل أبوه العائد من عمله كم كان يشعر بالسعادة وهو يحتضن ابتسامته الندية، ينزع يده عن لحيته باسماً، راضياً بصخب طفله رغم تعبه وضجره.يقترب من سريره متأملاً ألعابه لقد صار نزيل السماء.
يُشارك الملائكة الصغار أغانيها
وتشاركه أمه حسراتها
وتصغر الدنيا كثيراً كثيراً
بين أحضانهما.
يُشاركها حلمها، وتُشاركه حزنه
ويراودهما حلم طفولة جديدة
غير أن اليأس حطم مختلف مشاعر الأمل، والتفاؤل، وتتضاءل مساحات الغرفة، التي ينبعث من أركانها صدى صوته بانتظار رضعة المساء.
ويجلس الوالدين بانتظار أحدا لن يأت، وتشتعل في الصدرين آهات ومشاعر حنين، كلاهما يحتاجان عمراً إضافياً لتقبل تداعيات الفجيعة، وكلاهما يرغبان بالسفر إلى حيث السماء، ومشاركة الملائكة غناء الصباح مع موعد رضعته.
تتجمد المشاعر، والعواطف، وتثقل الهواجس كلا الرأسين، أين هو الآن؟ هل من احد ليجيب؟
ـ الموتى رقدوا، ولم يعد أحداً بانتظار الصباح.
والمشاعر الإنسانية تبدلت، إثر انتشا رفيروس كورونا في الأجواء.
الأمر الذي بدد مشاعر الأمان، لم تعد تجد مشاعر المقاومة، خمدت أنشطة الخلايا، وغابت الابتسامة البريئة، ولن تصحو الام ثانية على صوت طفلها منبها إياها على موعد رضعته، تمدد في اللحد، وغاب تحت ركام التراب، تاركاً لذويه صوراً وبضعة ومضات دافئة جداً، تدغدغ الذاكرة من حين لآخر.

رشيد الميموني 15 / 03 / 2020 02 : 01 PM

رد: "رضعة كورونا"
 
نص مفعم بالأمل والألم .. ينتهي بمأساة غير متوقعة .
تعبيرك عن هذا الألم كان موفقا واخذ مساحة أكبر ليجعلنا نعيش هذه المأساة بكل تفاصيلها .
دمت مبدعة عروبة .
خالص المودة

خولة السعيد 15 / 03 / 2020 42 : 03 PM

رد: "رضعة كورونا"
 
أحسنت عروبة...
فقد عشت النص معك بآلامه وآماله..

Arouba Shankan 16 / 03 / 2020 18 : 02 PM

رد: "رضعة كورونا"
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 243216)
نص مفعم بالأمل والألم .. ينتهي بمأساة غير متوقعة .
تعبيرك عن هذا الألم كان موفقا واخذ مساحة أكبر ليجعلنا نعيش هذه المأساة بكل تفاصيلها .
دمت مبدعة عروبة .
خالص المودة

كل الشكر المرور والتعليق والتقييم، على الألم أن يأخذ المساحة الأكبر ليمنحنا مساحة من الإبداع
تقديري ومودتي

Arouba Shankan 16 / 03 / 2020 19 : 02 PM

رد: "رضعة كورونا"
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد (المشاركة 243220)
أحسنت عروبة...
فقد عشت النص معك بآلامه وآماله..

كل الشكر للمرور والتعليق عزيزتي


الساعة الآن 01 : 09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية