منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   متفرقات (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=555)
-   -   مذكرات بهلول.. الحلقة السابعة.. اللقاء مع الشيخ حمدي.. (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33942)

البهلول يوسف 07 / 08 / 2020 29 : 12 AM

مذكرات بهلول.. الحلقة السابعة.. اللقاء مع الشيخ حمدي..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الله يسعد اوقاتكم ويحميكم من كل داء وبلاء.. اشتقت لكم جميعاً، وما صدقت أن معلمي الصواف سمح لي كمِّل نشر مذكراتي الفريدة من نوعها، حتى ركضت للمنتدى وراسي يسبق رجلي لأنشر حلقة جديدة من مذكراتي..
وعندي لكم رجاء، راجعوا حلقاتي الماضية الله يوفقكم حتى تحسنوا تتابعوا حلقاتي الجديدة والله يأخذ بيدكم..


وصلنا للمدينة قريب الظهر، مثل ما حكيت لكم بالحلقة الماضية.. والحقيقة إني رغم تعبي ونعسي، لأني بقيت يومين بلا نوم تقريباً ، كان عندي رغبة كبيرة إني أعمل لي لفتين ثلاث بالمدينة حتى أتعرف عليها قبل أي شيء، لأني كنت خايف ضيع بشوارعها إذا مشيت فيها لحالي.. لكن ما لحقنا نطلع أنا والشيخ عطا من الكراج، حتى التفت عَلَيْ وقال لي:
- احمل بقجتك يا يوسف، وتعال وراي بسرعة لنلحق الشيخ حمدي، قبل ما يُؤذِّن الظهر، حتى نلحق نصليه معه جماعة..
ولأول مرة بحياتي وآخر مرة، ضايقني حكي الشيخ، وشعرت بالنرفزة منه، فركبت راسي وبقيت واقف بمحلِّي مثل عامود الكهرباء، ولما لقاني ما رددت عليه ولا تحركت من محلي، التفت عليّ وقال لي وهو منرفز:
- خير إن شاء الله.. ما تمشي؟!
وبدون تفكير قلت له:
- طوِّل بالك شيخي، خلينا نعمل لنا لفة أو لفَّتين بالمدينة، لاحقين نصل على الجامع..
من كثرة ما انصدم من حكيي وتصرفي، وضع يديه على خواصره، وقال لي:
- كَرِّر أوامرك سيدي..
وبعدها رفع حواجبه، وأمسك راسه بين يديه، وقال لي:
- من أولها يا يوسف، من أولها؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا خسارة تربيتي فيك..
ولما لاقى إنه كلامه ما فاد، لأني ما تحركت ولا خطوة من محلي، صرخ فيني وأمرني كأني عسكري عنده:
- تعال الحقني بلا علاك فاضي..
قال لي ذلك، وما مهلني لحظة واحدة، بل أمسكني من يدي كأني ولد صغير وجرَّني وراه من الكراج على الجامع الموجود فيه صاحبه.. ولما لاحظ إنِّي انزعجت، التفت عليّ وقال لي، كأنه كان يقرأ أفكاري:
- كلها يومين ثلاثة وبعدها رايح تملّ من شوارع المدينة وبناياتها وتحنّ للضيعة حتى تبكي... ومع ذلك يا سيدي، اليوم، وبعد صلاة العصر، وقبل ما أرجع على الكراج، رايح دَوّرك شوارع المدينة كلها..
وصلنا للجامع قبل أذان الظهر بعشر دقائق تقريباً.. وعلى طول توجَّهنا لغرفة الشيخ حمدي إمام الجامع.. وبعد العناق وتقبيل الروس واللحى، رحنا ثلاثتنا إلى الموضأ، لنلحق نتوضأ ونصلي الظهر وراه جماعة..
وبعد الصلاة، رجعنا لغرفة الشيخ حمدي، فقام وحضر لنا لقمة من قريبه.. وبعد ما أكلناها وحمدنا الله، قعدنا لنشرب الشاي، وفتح الشيخان حديث الذكريات، وكل واحد منهما يحكي وينفخ نفخة تطبخ طبخة، من الحسرة على أيام زمان وأصحاب زمان..
وظل هذا يذكر فلان وعلتان وهذا يذكر علَّاك البان وأنا قاعد بين الاثنين مثل الأطرش بالزفة، بدون ما يحاكيني ولا واحد كلمة واحدة، أو يجيب سيرتي بكلمة.. والحقيقة ما كنت متضايق من تطنيشي، لأنه الشيخ حمدي كان مشهور بأنه خفيف دم وصاحب نكتة حاضرة، حبَّبت الناس بدروسه.. لذلك بقيت قريب النصف ساعة وأنا أسمع حكيه وأضحك بدون ما حسّ بأي ملل.. وفجأة، التفت عَلَيِّ الشيخ حمدي، كأنه أول مرة ينتبه لوجودي بغرفته.. بالأول، بَحْلَق قَدَر دقيقتين ثلاثة بوجهي، وبعدها التفت على الشيخ عطا وسأله:
- ابنك البركة؟!
- لا والله..
- قلت لحالي، ما معقول يكون عندك ابن حلو مثله.. لأنه إذا كانت أمه بصلة وأبوه ثوم فكيف ممكن تطلع ريحته حلوة؟
وضحك، وضحك الشيخ عطا معه وهو يقول:
- الله عليك يا حمدي، أنت ومزحك الغليظ.. سيدي.. ما علينا.. صحيح يوسف ما له ابني من صلبي، لكن مثل ابني وأكثر.. أبوه صاحبي من الروح للروح وأخي مثلك.. يعني من لما كنت أنا وإياه صغار.. ويوسف تلميذي علَّمته قراءة القرآن وحفَّظته إياه..
- ما شاء الله.. ما شاء الله...
قال ذلك، وهو يُمسِّد لحيته البيضاء الطويلة بيده اليمين، ويتطلَّع بالشيخ عطا، كأنه يقول له: (فهمت.. لكن ما قصته، وما سبب حضوره معك)؟ وفهم الشيخ عطا من نظرات صديق عمره ما يريد، فأسرع يوضِّح له:
- يوسف، يا أخي يا حمدي، ولد ذكي ومتفوق بدراسته.. رفع راسي بحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ورفع راس الضيعة كلها بنجاحه بالإعدادية بتفوق، حتى كتبوا اسمه بالجريدة مع أسماء الأوائل..
- بالله عليك؟! بسم الله، ما شاء الله.. يخزي العين عنك ويحميك من شر حاسد إذا حسد.
ولما رآني الشيخ عطا ما شكرت الشيخ حمدي ولا بكلمة، نظر إلي نظرة عتاب كأنه يقول لي فيها قل كلمة حلوة للرجل.. فابتسمت وقلت له:
- ربنا يطول بعمرك يا شيخنا..
- بسم الله حوله، ما شاء الله، وبيعرف يحكي كمان.. والله لما لقيته ساكت من أول القعدة، قلت لحالي يمكن الولد أخرس فلا تحاكيه بلا ما تكسر بخاطره، لكن ما شاء الله حوله، يحكي وحكيه حلو..
قال ذلك والتفت للشيخ عطا وسأله:
- وكيف ممكن أخدمك وأخدمه أخي عطا؟
فحكى له الشيخ عطا حكايتي من طق طق للسلام عليكم، وختم حديثه بالقول:
- أتمنى عليك يا شيخ حمدي إنَّك تبيض وجهي أمام أخي أبو يوسف وباقي أهل الضيعة..
فرد عليه الشيخ حمدي بثقة:
- اطمئن تماماً أخي عطا.. يوسف وقع بحضن أمه وأبوه، يعني رايح حطّهُ بعيوني، ومن الصبح رايح معه حتى أسجله بالمدرسة الثانوية الرسمية، وبنفس الوقت، أقوم أنا بتدريسه الفقه والحديث عندي بالجامع، وإذا كان ذكي مثل ما قلت، وأنت مالئ يدك منه، فممكن يأخذ البكالوريا، ويتعلم جزء من الفقه بنفس الوقت..
قال ذلك، والتفت إلي قبل أن يقول الشيخ عطا أي كلمة، وسألني:
- كيف عزمك يا يوسف، ممكن تعمل مثل ما قلت لأخي عطا، وأنا بالمقابل أؤمن لك غرفة مجانية هنا بالجامع، على أساس إنَّك طالب علم؟
وقبل ما جاوب، سبقني الشيخ عطا وقال له:
- أكيد يا أخي يا حمدي.. يوسف قَدْ حاله ويعجبك.. الله يكثر خيرك.. وبالنسبة لمصروفه، لا تحمل هَمّ، المبلغ الذي معي يكفيه مصروف لسنة كاملة، خذ ضعه معك، وأعطه منه مثل ما تراه، وإذا خلص المبلغ لا تأكل هَمّ، في غيره واجد من خير الله وخيرك..
قال له ذلك ومدَّ له يده بكيس المصروف، فأخذه الشيخ حمدي ووضعه في عُبِّه، وقال:
- إن شاء الله سأجعله ما يصرف نصِّ هذا المبلغ.. أنت تعرفني يا عطا وتعرف تدبيري، فاطمئن.. يوسف لن يحتاج أي شيء ما دمت أنا معه..
- إن شاء الله يا حمدي.. والله يجزيك كل خير.. يوسف بأمانتك..
- لا تأكل هَمّ.. يوسف بعيوني..
وبعد ما اتفق الشيخان على رعاية مستقبلي، بقي الشيخ حمدي يحكي لنا عن نهفاته حتى أذّن العصر، فقمنا للصلاة جماعة، وبعد الصلاة استأذن الشيخ عطا حتى يرجع على الضيعة، قبل العشاء.. وطلب من الشيخ حمدي يسمح لي إني أروح معه حتى يعمل لي لفتين بالمدينة ويرجعني على الجامع قبل المغرب، وبعدها وَدَّع الشيخ حمدي، والتفت عَلَي وقال لي:
- الحقني..
لحقته ومشينا مع بعض، وأنا ما لي عرفان ما خبأ لي الزمان، حتى تمنيت بآخر المشوار لو انقطع لساني وما طلبت من الشيخ عطا يعرفني على شوارع المدينة، ولا كان حصل معي ما حصل..


الساعة الآن 25 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية