منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   تاكسي (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=34704)

خولة السعيد 14 / 02 / 2022 36 : 04 PM

تاكسي
 
جميل..!! المكان خلف سائق الطاكسي فارغ... هنا على الأقل أفضل من المقعد الخلفي الأخير، جلست راضية منتظرة أن يأتي بقية الركاب المتجهين إلى حي حمرية، تترقب الساعة ، لا بأس ؛ فراضية اعتادت الخروج باكرا حتى تصل عملها وتأخذ نفسا ترتاح به قبل أن تبدأ جدية العمل ،الوقت إذن يبدو كافيا وإن كانت ما تزال تنتظر الآن راكبا واحدا بعد أن صعد اثنان وجلسا معا بالمقعد الخلفي.. تتأمل الركاب ، تلك التي بجوار السائق، تقلب صفحات هاتفها، وتنتقل في صمت من الواتساب إلى الفايسبوك، ومنه إلى محادثة عبر الميسانجر، ثم فكرت راضية في أن هذا قد يسمى تجسسا، لن تنظر الآن إلا ناحية النافذة حتى لا تكون من الجواسيس ، ولكن شيئا منها يتحسس، فإن كانت شغلت عينيها بالنظر إلى الشارع فإن أذنيها انتقلتا انتقالا كليا إلى الرفيقين خلفها:
_ زيت الزيتون التي تذوقتها عندك ، فيها حلاوة لذيذة، لم أذق زيتا بهذه الروعة قبل اليوم ..
_ وأنا أيضا أعجبتني؛ اشتريتها من شخص ذكره لي أناس كثر، لكن يبدو أني سآخذ منه مرة أخرى..
_ سأذهب معك حينها إذن.. فبعد ارتفاع ثمن الزيت النباتية، ربما لن نستعمل غير زيت الزيتون وذلك أفضل لصحتنا أيضا، فقط نرجو الله لطفه ورحمته.
ويقول الآخر: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. وهي تسمع حديثهما انتبهت إلى السائق يحرك مقود السيارة أخيرا، التفتت يمينها، فإذا برجل بجانبها ،وعادت لترى الشوارع تتحرك خلف زجاج النافذة، والسيارات والحافلات تتسابق، السائق شغل المذياع ولكن صوت الرجلين يفوق الأخبار بالمذياع الذي تتناثر منه إلى أسماعها فقط بعض كلمات..(رئيس الحكومة... الرباط.. اقتصادية..) لم تفهم شيئا من تلك الكلمات المتناثرة كشظايا عبر أثير الإذاعة الوطنية، فانتقلت بأسماعها مجددا إلى الركاب، يأخذ الذي بجانبها هاتفه، يتصل بابنه، يسأله إن كان تغذى ، وإن كانت أمه ذهبت عند أختها أم أنها ما تزال بالبيت، ثم يتفق معه أن يلتقيا بعد نهاية المباراة التي سيذهب لمشاهدتها بمقهى النخيل رفقة أصدقائه، وألا ينسى شيئا من أغراض الحمام في الحقيبة التي عليه أن يأخذها معه للقائه أمام حمام الأسرة الساعة السابعة مساء.
وما يزال صاحبانا بالخلف يتحدثان في مختلف المواضيع فبعد زيت الزيتون يتفقان على صيام أيام من شهر رجب الذي يطرق أبواب جمادى الآخرة، وينتقل الحديث إلى أنواع السيارات وأثمان بعضها مستعملة وغير مستعملة، وراضية تتأمل زحمة الطريق أيضا خاصة من حي زين العابدين إلى روامزين مرورا بساحة الهديم، وتقول في نفسها لو أنها اختارت المشي بدل التاكسي لكان أفضل ؛ رياضة واستنشاق هواء، وربح ثمن أجرة التاكسي. وعلى مسامع الراديو فجأة تصدح موسيقى خفيفة ،فيهمس صاحب سيارة الأجرة مرددا كلمات " يا لطف الخافي الطف بنا فيما جرات به القدار" ، لكن صوتا من الخلف يأتيه : هذه قصيدة " الغزال فاطمة" وليست " يا لطف الله الخافي" ، ويؤكد ذلك راكب آخر طالبا من صاحب سيارة الأجرة أن يضاعف صوت الراديو، تتأمل راضية ملامح الفتاة الأمامية فإذا بها تخفي ابتسامة، وتلحظ فرحة سماع الموسيقى الجميلة على نبرات أصوات الراكبين المؤكدين اسم " القصيدة" ، أما صاحبتنا فتكاد تطير فرحا وهي تسمع أنغام الملحون بعد أن ملت الطرقات العامرة ، والتاكسي الذي بالكاد يتحرك في هذه الأجواء المكتظة والمزدحمة، وشعرت بأن هذا الطرب الأصيل ما زال يحتفظ لنفسه بعشاق ، ومع صوت الحسين التولالي ، ترددت بهمس جميل أصوات الركاب :أ رحمي يا راحة لعقل ترحامي من جفاك طال سقامي .......................................كيف نبقى حاير وانت مسليا....................................... روفي يا لغزال فاطمة**********************************أمولاتي الحب والهوى والعشق ونار الغرام من حالت الصبا فعضايا قاموا كل واحد دار مقامو" وقبل أن يقول الحسين التولالي :
"فمهجتي وضحى بحسامو مع سهامو" قال الصديقان بالخلف: " هنا سننزل رحم الله والديك" ، فتوقف صاحب السيارة لثواني معدودات فالمناسبة كانت أيضا إشارة المرور الحمراء أمام السوق المركزي حمرية، وقبل أن يغلق الصديقان الباب نزل الذي بجانب راضية كذلك، وصعدت فتاة دون أن تستأذن صاحب التاكسي أو تسأله عن اتجاهه، تعجبت صاحبتنا، ونظرت إلى هذه الوافدة باستغراب وقررت أن تكمل استمتاعها بالملحون، وإذا بالسائق يسألها: " إلى أين أنت ذاهبة يا آنسة؟" فردت باسمة: " حي قدماء المحاربين" _ ولكني لست ذاهبا إلى هناك، لن أتجاوز فندق وليلي بحمرية، أ ليس لك لسان تسألين به قبل صعودك يا فتاة؟ .._ بلى ، ولكني لم أعد قادرة على الكلام... _ وهل هذا يفسر أنك قد تركبين مع أي شخص قد يقف أمامك بسيارته، ما تزالين شابة يا صبية ، حاولي ألا تفقدي همتك وحيويتك" ، ولكن الفتاة تزيد الطين بلة بكلماتها، خذني إلى حيث أنت ذاهب المهم ألا أبقى هناك، تعبت وأنا واقفة بالمكان ذاته منذ مدة أنتظر حافلة أو سيارة أجرة طريقها قدماء المحاربين ، لكن دون جدوى...أوقف السائق فرامل السيارة ثم قال لها: " انزلي هنا إذن، ها قد غيرت مكان وقوفك، ومرة أخرى حاولي أن تسألي قبل الصعود " ، نزلت المسكينة من التاكسي، وانفجرت راضية والفتاة الأمامية بالضحك، والسائق يتحدث وحده، و يتساءل كيف أن فتيات اليوم أصبحن عاجزات عن كل شيء حتى عن الكلام، أو السير خطوات إلى الأمام، وتسمع راضية صوت الفتاة أول مرة وهي تقول : " لا تعمم يا سيدي أرجوك، لسنا كلنا كذلك" وإذا باتصال هاتفي يأتيها ترد عليه، فتخبر المتصلة أنها قريبة، فقط عليها الانتظار أمام مطعم حراء، يبتسم السائق ثم يقول بلهجة تأكيد: " أ لم أقل إنكن عاجزات عن كل شيء؟! لم تعدي غذاءك لا أنت ولا صديقتك، ستتغذيان بمطعم" وراضية دمعت عيناها من الضحك الخفي رغم محاولاتها كتمانه، وإذا بالسائق يحاول سؤالها أيضا لتؤكد له كسل بنات اليوم، لكنها سارعت وقالت: " أرجو أن تجد لي مكانا أمام ساحة نيم سهل الله أمورك " فقال لها: تتهربين إذن..ابتسمت نزلت من السيارة وأصداء الضحكات المكتومة تداعب وجنتيها ولحن " أرحمي يا راحة يتغزل بابتسامتها"

عزة عامر 14 / 02 / 2022 11 : 11 PM

رد: تاكسي
 
وكانني أمام مشهد إجتماعي يحدث كل لحظة من أيامنا ، وجاء لحن ارحمي يا راحة ليثبته ، رغم أنه بواد ورحى الأحداث بواد أخر ، أو هكذا مازجت بينهما ..
جميل خولة ! ذكرتني بمرحلة من حياتي كنت أكتب تفاصيل يومي لحظة بلحظة ، ثم انتبهت أنني أسجل لوحي المفعول مرة ثانية خوفا أن تنسيني الأيام سابقتها ، ولا أعلم لو أنني أكملت منذ كنت بالخامسة عشر من عمري ، واستمر تدويني ، أي أوراق كانت ستكفني ؟!

خولة السعيد 15 / 02 / 2022 52 : 03 AM

رد: تاكسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزة عامر (المشاركة 265245)
وكانني أمام مشهد إجتماعي يحدث كل لحظة من أيامنا ، وجاء لحن ارحمي يا راحة ليثبته ، رغم أنه بواد ورحى الأحداث بواد أخر ، أو هكذا مازجت بينهما ..
جميل خولة ! ذكرتني بمرحلة من حياتي كنت أكتب تفاصيل يومي لحظة بلحظة ، ثم انتبهت أنني أسجل لوحي المفعول مرة ثانية خوفا أن تنسيني الأيام سابقتها ، ولا أعلم لو أنني أكملت منذ كنت بالخامسة عشر من عمري ، واستمر تدويني ، أي أوراق كانت ستكفني ؟!

تظل تلك الذكريات جميلة،وقصة تاكسي تمزج بين حقيقة وواقع متخيل

خولة السعيد 15 / 02 / 2022 57 : 03 AM

رد: تاكسي
 
قصيدة الغزال فاطمة هي من تراث طرب الملحون الذي اشتهر بعدة مدن مغربية خاصة مكناس ويعد الحسين التولالي من أبرز فناني الملحون.. لك رابط الأغنية بصوته:
https://youtu.be/WAR6d7pYDaQ
ويمكنك البحث في يوتيوب حيث قد تعجبك بأصوات اخرى ك نبيلة معن.. ماجدة اليحياوي.. سناء مرحتي .....

عزة عامر 19 / 02 / 2022 43 : 05 AM

رد: تاكسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد (المشاركة 265261)
قصيدة الغزال فاطمة هي من تراث طرب الملحون الذي اشتهر بعدة مدن مغربية خاصة مكناس ويعد الحسين التولالي من أبرز فناني الملحون.. لك رابط الأغنية بصوته:
https://youtu.be/war6d7pydaq
ويمكنك البحث في يوتيوب حيث قد تعجبك بأصوات اخرى ك نبيلة معن.. ماجدة اليحياوي.. سناء مرحتي .....

سمعت الأغنية .. ارحمي ياراحة جميلة أشعر أني فهمتها بعض الشيء بالإستنباط لما يلي ما تعرفت عليه أو ما يسببه .. شكرا لك خولتي الجميلة ..

Arouba Shankan 19 / 02 / 2022 50 : 03 PM

رد: تاكسي
 
هي لوحة واقعية تحدث يوميا في حياتنا، استمتعنا بهذا السرد ياخولة، رسمت مشهداً واقعياً ببراعة وصدق
تحيتي وتقديري

رشيد الميموني 22 / 02 / 2022 54 : 02 AM

رد: تاكسي
 
سرد تلقائي لم يبتعد عن الواقع .. بل صوره لنا تصويرا حيا ممتعا ..
أحيي في حرفك عفويته وبساطته التي تجعله جذابا .
تابعي خولة .. فلسردك نكهة خاصة

خولة السعيد 28 / 02 / 2022 07 : 02 PM

رد: تاكسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزة عامر (المشاركة 265311)
سمعت الأغنية .. ارحمي ياراحة جميلة أشعر أني فهمتها بعض الشيء بالإستنباط لما يلي ما تعرفت عليه أو ما يسببه .. شكرا لك خولتي الجميلة ..

تفهمينها أكثر إن وجدت رابطا به سجلت الكلمات مكتوبة أيضا... هي من أمتع قصائد الملحون وإن كنت أرى أنها جميعا جميلة ( ابتسامة)

خولة السعيد 28 / 02 / 2022 12 : 02 PM

رد: تاكسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 265312)
هي لوحة واقعية تحدث يوميا في حياتنا، استمتعنا بهذا السرد ياخولة، رسمت مشهداً واقعياً ببراعة وصدق
تحيتي وتقديري

شكرا على مرورك الجميل عروبة... أجمل ما يروقني في سيارات الأجرة هو ما يجري فيها من أحداث وقصص لدقائق قليلة، وأحيانا أغبط السائقين إذ يعيشون قصصا كثيرة في اليوم الواحد ، وأحيانا أرأف لحالهم، إذ يسمعون مشاكل هذا ويشاجرون ذاك ويتلقون أذى من هذا، وإنسانيتهم لا تمنعهم مع كل ما يعيشونه من مساعدة زبائنهم، والابتسامة في وجوههم .. فشكرا لكل سائقي سيارات الأجرة وشكرا لكل من له مهنة يمارسها بحب

خولة السعيد 28 / 02 / 2022 14 : 02 PM

رد: تاكسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 265324)
سرد تلقائي لم يبتعد عن الواقع .. بل صوره لنا تصويرا حيا ممتعا ..
أحيي في حرفك عفويته وبساطته التي تجعله جذابا .
تابعي خولة .. فلسردك نكهة خاصة

القصة فيها شيء من الحقيقة وشيء من الواقع ، ومن حقيقتها ما جرى للفتاة التي كانت تريد الذهاب لحي قدماء المحاربين ( ابتسامة)


الساعة الآن 51 : 03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية