![]() |
فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
1 مرفق
اتصلت به سكرتيرة مدير المجلة التي يدير أحد أقسامها ويكتب فيها عموداً، وأخبرته أن المدير العام يود الاجتماع به في الساعة الثانية بعد ظهر اليوم التالي.
كان هناك في الموعد المحدد بالكاد جرّ جسده وتلمس طريق خطواته مع ذلك الصداع المرير الذي كان يلازمه دخل واستقبله الرجل بحميمية وترحيب وطلب له قهوته السادة استهل المدير بسؤال ودي: - أينك يا صديقي لا أراك ولا تسأل عن أحد ولا ترد على جوالك ولا تذهب للمقهى؟ • هناك أنا.. تحت الأشلاء وبين الركام ومع الأفواه الجائعة بعيداً عن مدن النفوس الجائعة وأشلاء الضمائر وركام الإنسانية - هل أنت بخير يا ماجد؟ • الحمد لله.. لست بخير مع هذا الزمن - نعم .. نعيش حداً من الألم لا يطاق ولا يحتمل.. يمهل ولا يهمل وله سبحانه حكمة لا نعلمها • ممم .. لله الأمر من قبل ومن بعد.. سبحانه - أردت من هذا اللقاء أن نتحدث على انفراد.. ما بيننا ليس زمالة عمل بل صداقة امتدت لأكثر من عشرين عاما • بالتأكيد عماد - لماذا لا أقرأ لك إلا نادراً وحين تكتب لا أجدك فيما تكتب ولا أرى بصمتك الإبداعية ولا مفرداتك؟ • هذا حقيقي.. عاجز تماماً عن الكتابة، وإن كتبت فمن باب الواجب ليس إلاّ.. وكأني فقدت لغتي..! - أنت من كان يقول أن الأحزان مصنع الإبداع، والآلام تخرج أجمل وأصدق الكتابة.. • اللهم لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به - الحد الفاصل بين الممكن والمستحيل - حين يبلغ الألم مرحلة تفوق الاحتمال يفقد الكائن الحي وعيه.. الأحزان النبيلة في فقد حبيب قريب.. مرض.. خسارة مال.. صدمة بصديق.. وكسة .. نكسة.. خسارة معركة في حرب خاضها جيش الوطن المغوار!.. حادثة.. كل هذا وأمثاله يمكن التعامل والتعايش معه مهما اشتد الألم لاستخراج المعادن الثمينة للكتابة التي صهرتها الأحزان ولكن..!! - آخ.. أكمل يا صديقي .. • حين ينهار أساس البنيان وينهار الأمن القومي.. حين يباد شعب منّا قتلاً وتجويعاً وتدنّس وتهدم مقدسات الأمّة بأموالنا.. حين يتواطأ حكام يفترض بهم الحماية ونحن رابع قوة في العالم ، ويزودون العدو بكل ما يلزمه ويحاصرون أطفالنا وشيوخنا ويمنعون عنهم الماء والدواء والغذاء ويتآمرون عليهم، ويقدمون لهذا العدو وداعميه فروض الطاعة والولاء ويتبرعون بالمليارات.. حين يصرّح العدو وداعميه عن توسيع دولتهم المزعومة الكرتونية لتبتلع المزيد والمزيد.. حين نهوي إلى وادي سحيق.. نذهب إلى الفناء والاندثار بين الخيانة والصمت.. حين تتضخم كروش حماة الوطن ومدخراتهم ويسكنون القصور الفارهة ويتقاضون الأموال من الأعداء ولا يوجهون أسلحتهم إلا للداخل ولا يهتموا بالأمن القومي.... • هوّن عليك يا ماجد فقد انتفخ وجهك.. - حين يمنع ويصادَر الإعلام الوطني والثقافة الهادفة • ارحم نفسك يا صديقي ولا تستطرد أكثر فالجرح واحد والألم مشترك هذا الوضع لن يستمر طويلاً وشعوبنا لن تسكت أكثر - لا تخدع نفسك يا صديقي.. قالها الصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه: ((كما تكونوا يُولّى عليكم)) • لا تظلم الناس، لا أحد راض عما يجري.. الكل يغلي ويتألم ويشعر بالذل والمهانة - لا يا عماد.. ادخل مواقع التواصل الاجتماعي التي حلّت مكان المقاهي والنوادي والمنابر والتجمعات • أراهم.. معظمهم يشجب ويدعو لأهل الأرض المحتلة ويتألم و.. - قلة قليلة يكتبون بصدق ويحاولون إيقاظ الناس، وهم محبطون يتألمون بلا شك.. أما السواد الأعظم، يدعون ويشجبون لإراحة ضمائرهم (قاموا بما عليهم).. يخرجون من مشاهد الإبادة وأشلاء الأطفال، يمسحون دمعة ادّعوا ذرفها (الاكسسوار الإنساني) ليدخلوا مباشرة للهرج والمرج والتسالي على درب مسلخهم.. انظر جيداً.. لقطات بليدة لكنها كالخناجر المسمومة.. • دعني أقيس لك ضغطك - هل هؤلاء من سيغيرون المعادلة ويعزلون الخونة وينقذون إخوانهم ويحررون البلاد من الضباع التي تتهيأ لابتلاعها؟؟!! • ما رأيك أن نذهب الليلة إلى المقهى؟ - أريد أن أنام يا صاحبي.. دعني أوقّع لك استقالتي فأنا لم أعد أصلح للكتابة • لا تقل شيئا كهذا أرجوك.. سترتاح وتكتب وتبدع **** الشيخ يقرأ وصوت القرآن يصدح بآياتٍ بينات من سورة المائدة• يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَه أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَفِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِم ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) يقف كلما دخل أحد المعزين، ثم يعود لشريط الذكريات ورحلة طويلة جمعتهما ولصوته يصدح مبحوحاً في رأسه ليتكرر السؤال بلا توقف: ((هل هؤلاء من سيغيرون المعادلة ويعزلون الخونة وينقذون إخوانهم ويحررون البلاد من الضباع التي تتهيأ لابتلاعها؟؟!!)) رحمك الله يا صديقي، لعلّ الله سبحانه أرادك مع الشهداء رفيقاً لهم.. أما نحن فيا ويلنا من مصيرنا الدنيوي الذي يكتبه ضباع العالم والأخروي على صمتنا وتخاذلنا. هدى نورالدين الخطيب 19/ 04 / 2025 |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
قصة أكثر من واقعية ! ما يعيشه هذا الكاتب أعيشه بكل تفاصيله..الالم اكبر من الكلمات..الالم أعمق من المعاني..مبدعتنا الغالية الأستاذة الأديبة اختي هدى نور الدين الخطيب شكرا لك على إيقاد جذوة الكتابة فيك..شكرا لك مرة أخرى على صدق الحرف..
|
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
الأديبة الأريبة هدى الخطيب
قد يمر أي كاتب بفترات من الصمت والتأمل والألم ، ثم يعود بقوة أكبر ليكتب ويفضح ويشجب، مستفيدا من تجربته في فهم الواقع بعمق أكبر وتقديم رؤى أكثر نضجا. الأهم هو ألا تنطفئ جذوة الإبداع في داخل الكاتب ، وأن يظل مؤمنا بقوة الكلمة وأهمية دوره كصوت للعقل والضمير في مجتمعه. شكرا على هذا الإبداع من ألم واقع ظالم ، وعلى هذا الوصف وهذه النظرة المتمعنة الفاحصة! |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
اقتباس:
هكذا عرفتك منذ اليوم الأول وهكذا أنت ، فكلما ازداد عدد السنوات على معرفتنا وأخوتنا كلما زاد احترامي وتقديري لأخلاق قلّ مثيلها .. ووالله أنت كنز إنساني نادر في زمن فيصل بيّن بين المعادن النفيسة والأحجار الكريمة من جهة وبين القشور والطوب المطلي البرّاق من جهة أخرى .. هنيئاً لنا بك وبأخ مثلك وهنيئاً لك ولأسرتك برجل حقيقي صاحب مبدأ وفضيلة وأخلاق وقيّم.. لعلي فيما كتبت ، كنت أعبر عن نفسي وعنك وعن كل صاحب ضمير حي وانتماء صادق وإنسانية عصية على الاختراق والتشويه الحمد والشكر لله أن جذورنا متجذرة في عمق الأرض وإنسانيتنا غير قابلة للتبديل وعنفواننا أقوى من كل الرياح .. مثلنا يتألم ويعاني لأن كينونته أكبر كثيراً من الأنا الذاتية.. أنت تتألم لذا تجد أن ما في روحك ونفسك وسط كل هذه الأعاصير أكبر من كل ما يُكتب ، لكنك تبقى الشاعر المبدع واللغوي المتمكن والأستاذ الذي أعطى الكثير ولا يبخل بالنصح والتحفيز.. أحياناً يكون الصمت أقوى مما يكتب وأبغ أثراً ، والحزن صمتٌ نبيل يرفع له القبعة صاحب كل ضمير حي.. ما أمرّ الكلمات في زمنٍ يحكم العبيد أحراراً ويقود الخونة الشرفاء دمت وسلمت ودام إبداعك |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
اقتباس:
أناي غريبة في زمنٍ أضحينا فيه غرباء يا صديقتي؟! فقدنا ملامحنا وبصمات أصابعنا .. حتى أوراق تواريخنا الثبوتية تناثرت خلف الرياح التي تحاول اقتلاعنا من جذورنا الغربة ترتدينا كفنا ونسكنها توابيت تكتم أنفاسنا لا أعرف يا صديقتي لماذا اخترت من الأسماء ماجد وعماد ؟! انتبهت لاحقا وبعد النشر للأسماء التي اخترتها ماجد وعماد رحمهما الله شقيقان كانا جيراناً لنا، نشأنا ولعبنا معاً في طفولتنا أسبوع واحد فقط بين استشهاد ماجد واستشهاد عماد بتفجيرات حافظ الأسد في طرابلس عماد الحنطي اللون خفيف الظل الذي يشبه معظم الناس، وماجد الوسيم الهادئ صاحب العينان الخضراوان الناعستان واللدغة المحببة التي تحول حرف الراء إلى غين ما الذي أخرج الشهيدان الشقيقان ماجد وعماد من قبعة ذاكرتي وما صلتهما بهذا القصة؟!.. غريبة النفس الإنسانية وخباياها وما تفاجئنا به ذاكرتنا دون سابق إنذار أو صلة ماجد وعماد وصدمة ألم قديمة وأم وأب تهاويا .. ونحن الضحايا في كل زمان واتجاه .. ربما هو صوت العقل والضمير الذي نوهت عنه في مداخلتك أدخل الماضي في الحاضر عميق تقديري ومحبتي |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
[size="6"]• الحمد لله.. لست بخير مع هذا الزمن[/si
تعبير له حمولة دلالية ثقيلة تعبر عن انصهار الألم المتجذر على صحراء القلب الحزين؛ الذي أفقد الورد الذبيح عطره البهيج، آسر ذراعيه عن طوق الفرحة وعناق السرور، بين الركام والدمار صعدت عيناه من صدف المحار، خارت قواه من حصاد الجوع وتيهان النزوح؛ لم يبق له لنا إلا أمل مرغوب بين مشيئة الأيام وحضن القدر يرويه ابتهال السجود. سررت أديبتنا الغالية بعودة حرفك الذي يعانق عذاب صبرنا المذاب على أطلال القدس السليبة وأخواتها. |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
سيناريو دقيق.. تعرفين أستاذة هدى، قبل أيام أخذت قلمي وسجلت بضع كلمات قريبة جدا من كلمات الكاتب الذي صار عاجزا عن الكتابة فاقدا لغته، كنت سأنقله هنا، لكن.. لم يحن الأوان بعد ربما..فالصمت ما زال أبلغ من أي كلام.
الهم واحد والله يلطف بنا |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
اقتباس:
معبرة ومتميزة جداً قراءتك وما عبرت عنه في مداخلتك حقيقة.. ما في دواخلنا أتون من نار تأكلنا وتحيلنا رماداً .. بين الكوابيس التي مهما اشتدت وديعة أمام الواقع المرعب الذي قُدَِر علينا حمله جبال من الوجع تنوء بحمله صخورها ..!! ماذا نفعل وكيف نكمل المسير ؟!.. هل يحق لنا أن تستقيل أرواحنا ونترجل ، أم نستمر مهما خفت الصوت في مقاومة هذا الانحدار الرهيب ووحشية الشر؟؟!!.. فعلا.. اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ويبقى أن نحاول ونحاول حتى آخر نفس عميق محبتي وتقديري لك يا غالية |
رد: فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
اقتباس:
جرح الشرفاء في هذا الوطن الكبير الذي قسم للابتلاء على مبدأ القضبان التي تفك حزمتها ليسهل كسرها - ومقدمة لابتلاع الضباع لترابنا وخيرات بلادنا- شخصان لا قيمة لهما / سايكس وبيكو / لكن الوطن فينا لم يزل واحداً لا يقسم ولا يتجزأ ديدن الشرفاء واحد هل فعلاً الصمت اليوم أبلغ من الكلام؟! ربما هو العجز أمام ما يحصل لكن بلا شك ، ولكوننا لا نجيد سوى الكتابة، ألا نستقيل ونستمر ونلح فأوطاننا وإنساناً المثقل يحتاج من يأخذ بيده / أيدينا ، لننقذ من الوقوع في الهاوية السحيقة والاندثار.. الكلمة سلاح ، علينا ألا نتوانى عن حمل سلاحنا الذي نجيد استعماله مهما غلبنا الصمت بين الحين والآخر .. ربّ كلمة أنقذت أمّة وربّ كلمة أودت بشعوب نحن أمّة تستحق الحياة وتستحق ألا تنهار أمام شرذمة من اللصوص اللقطاء الدنيا دار ابتلاء وحرب دائمة بين الحق والباطل .. تشتد حيناً وتخف حيناً ، وقدرنا أن نعيش زمن الابتلاء العظيم اكتبي غاليتي واذرفي دمع الأحرف ورسخي حرف الضاد إلى أن نتمكن ذات يوم من استعادة أمجاده وترسخ بقاءه عميق محبتي وتقديري |
الساعة الآن 21 : 02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية