![]() |
إلى اللقاء مدام
استيقظت صباحا، أدت فريضتها وراحت تعد الفطور، فغاصت في عالمها الخاص وهي تتحدث إلى نفسها مسترجعة لحظات أمسية ثقافية ممتعة عاشتها أمس، تبتسم عند تذكر الشعراء الذين سعدت بجمال إلقائهم، وقد تبدو للبعض حمقاء إن رأوها وهي تقلد قراءة شاعر بدا في الأمسية كالغارق في سبات، يقرأ بهدوء ورصانة كأنه يقرأ مقالا علميا، وفجأة ضحكت بصوت مرتفع، سمعها زوجها، وهو أعلم بمجنونته حين تحدث نفسها، فسألها:
_ ماذا تذكرت هذه المرة؟ كم أجدك سعيدة وأنت تبحثين عن منافذ عثرة لي أو زلة؟ ماذا تذكرت هذه المرة حتى ضحكت علي بهذا الشكل؟! تابعت ضحكتها الهستيرية، وهي تقول له: * أسأت بي الظن هذه المرة، لو أنك تواضعت أمس وحضرت معي الأمسية الثقافية لعرفت لماذا أضحك؟! طلب منها أن تحكي له قصة ضحكتها هذه، لكنها ظلت تعانده، وتراوغ حتى يساعدها في إعداد مائدة الفطور ، وزادت من تشويقه، وقد حركت لديه شيئا من الغيرة وهي تحاول أن تنشئ زجلية لم تنجح فيها، مزجتها بالفصحى، وصيرتها خاطرة عامية عربية، وتركت زوجها َمتعجبا متسائلا دون جواب، محركة وجدانها، تتوقف عن الإعداد هنيهة، تراقص أناملها، معبرة: قالْ لي "إلى اللقاء مدام" بْحْروف رْقيقة.. بْحْروف قْصيرة قالْ لي.. إلى اللقاء مَدَمْ على قدو وبقياسو ما تْعْلَّا ما عْلّا.. الّليف بعيد وبِحَجْم ضخامةِ ثقافةٍ يدّعيها كان الألف. سأل الزوج مستغربا: _ أي مدام أو مدم وأي ليف؟ * قصدت ألف المد في "مدام" _ أو لستِ مدام؟ * بلى؛ سيدة السينيورات أنا، ولكني استغربت لأننا كنا في لقاء ثقافي عربي، وقد بدأ جملته عربية وأتمها ب"مدم".. كانت مستغربة من استعماله للكلمة، ومن نطقه غير السليم لها، أما زوجها فلم يستغرب من ملاحظتها، فطالما علقت على تفاصيل مشابهة، بل هو نفسه يحتاط كثيرا منها. حاول أن يبين لها أن ما تفعله نميمة، وسوء فعل، وهي تقنعه أنها تتحدث إلى نفسها، وهو الذي دخل بينها وبين نفسها كأنجح فضولي عرفته في حياتها، ثم صاحت غير مبالية بنصيحة الموسيو زوجها: * كان سيكون أكثر شاعرية لو قال"إلى اللقاء سيدتي" ، هذا إن كان فيه شيء من الشاعرية أصلا، أو على الأقل ليحدثني بأكثر الكلمتين استعمالا في بلادنا "اختي" أو "لالة".. وصافي خليني ساكتة، لا أراني إلا أذنب بذكره عفا الله عنا وعنه.. _ الحمد لله، وأخيرا فهمتني. تذكرت كيف رمقت الرجل باستغراب عند قوله" مدم"، وظلت تقاوم ضحكتها. ثم بدأت وزوجها يتناولان الفطور، بعد أن ساعدها في إعداد المائدة، ووعدته بابتسامة مرحة أنها لن تتحدث عن أحد بعد الآن، وأنها ما كانت تنوي فعل ذلك، هي فقط كانت سعيدة باسترجاع أجمل لحظات الأمسية التي فاته حضورها، حتى تذكرت "إلى اللقاء مدم"، ضحك هو هذه المرة، ثم طلب منها أن تنشئ مقالا لجريدته تتحدث فيه عن الأمسية ممازحا إياها بقوله: _ حذار أن تحكي قصة إلى اللقاء مدم. فضحكت وردت: * إذن تريدني أن أتحدث عن الناس، وأحكي شيئا من أخبارهم وما زال يتحدثان حتى رن هاتفها من رقم مجهول، ردت، ثم بدأت تتحدث بجدية مصطنعة، وقد فُهم من كلامها أن المتصل أخذ رقمها من شخص آخر، وأنه يريد سؤالها عن إمكانية حضور لقاء ثقافي جديد. وما إن أقفل خط الاتصال، حتى عادت ضحكاتها تتعالى، سألها عن المتصل فردت: * إلى اللقاء مدم |
رد: إلى اللقاء مدام
سرد مشوق..احداث رغم عفويتها جاءت خفيفة مرحة..معبرة عن شخصية صاحبة السرد الماتع..شكرا لك مدم..ابتسامة...
|
| الساعة الآن 37 : 01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية