منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   الطريق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=3591)

طلعت سقيرق 16 / 04 / 2008 24 : 09 PM

الطريق
 
[frame="10 98"]
[align=justify]
مد خطواته، ورفع رأسه بشموخ.. قال "الأشجار لا تموت إلا واقفة" كان يعرف أن الطريق طويل.. هناك دروب كثيرة عليه أن يقطعها.. أحياناً يبدو الأمر شبه مستحيل.. خطواته تقرع الشوارع معلنة أنه مازال مصراً على المتابعة.. كثيرون حدثهم بالأمر ولم يصدقوا.. أو ربما لم تستطع مداركهم استيعاب تصميمه الغريب على الوصول إلى بيته هناك.. بعضهم شرح له صعوبة المتابعة على القدمين دون توقف.. البعض الآخر أكد له أن رصاصات الجنود الإسرائيليين ستقتله إن استطاع تجاوز الأسلاك الشائكة أو الألغام المبثوثة هنا وهناك.. والبعض ضحكوا حتى انقلبوا على ظهورهم، إذ ظنوا أن ما يحدث مجرد دعابة ستنتهي بعد حين.. لكن هيهات.. فقد كان إصرار الرجل أكبر من أن يخضع لأي يأس.. هناك ـ هكذا قال ـ البيت والشارع والوجوه الدافئة الحبيبة بانتظاره..
حين سمع الأخبار قبل مدة، لم يستطع في البداية استيعاب الأمر.. وهو يعرف تماماً أن بلاده كبيرة رائعة.. فكيف تصبح فجأة هكذا مثل صندوق مغلق.. ركبه الحزن والهم، خلال فترة طويلة لم يترك فيها غرفته.. كان يحدق في الجدران.. ساهماً شارداً كان.. لا يعرف تماماً كيف حدث ما حدث.. ماذا سيقول للأولاد.. للأصدقاء.. للأحبة.. وتخيل في لحظة ذهول أنه يمد يده ليصافح الجندي الذي أطلق الرصاص على أخيه وأرداه قتيلاً.. انتفض جسده كله وشعر بقشعريرة تجتاحه كبركان.. أخذ يمسح يده محاولاً نفض ما علق بها في لحظة ذهوله.. وقفز السؤال إلى ذهنه فجأة: لماذا عليه أن يقبل بما حدث، أليس من حقه أن يسترد بيته الذي سرقوه.. شارعه.. ذكرياته.. ذاكرته..؟؟ عندها ترك الجدران والذهول ومد خطواته على الشوارع والأرصفة والدروب.. البيت بيته هو، والقرار قراره هو، لا حقَّ لأحد بأخذ القرار عنه.. وقد قرر أن يذهب إلى هناك وأن يصل.. سيعود إلى بيته.. سيأخذه.. لا يهم كثيراً ما سيحدث له.. المهم أن يأتي بعده من يتابع المشوار..
حكايات كثيرة رويت عنه.. زمن مضى.. الأسئلة التي دارت في المخيم لم تصل إلى جواب صحيح أو نهائي.. كل واحد يدلي بدلوه ويحكي عن عبد الفتاح ما شاء وما أراد.. تدخل البيوت فتسمع في كل بيت قصة لا تسمعها في البيت الآخر.. يقولون "عبد الفتاح وصل إلى بيته وهو يقيم هناك منشرح البال" ولا تستطيع أن تسأل: كيف والاحتلال احتلال ؟؟.. لأن القصة تأتي هكذا ولا تهتم بالتبرير أو طرح الإجابات.. ويقولون "إنه سقط مضرجاً بدمه قبل أن يخطو خطوات قليلة فوق أرضه.." ويقولون أيضاً: "إن لغماً ضد الأفراد انفجر به وجعله قطعاً صغيرة" ثم تسمع من أحدهم أن عبد الفتاح استطاع أن يسرب رسالة إلى ابن عمه المقيم هنا في المخيم وقد حدثه فيها حديثاً طويلاً عن لذة اللقاء بالوطن والبيت والشارع والأهل.. وعندما تسأل: وأين هي الرسالة التي تتحدثون عنها؟؟ يقولون: ابن العم رحل.. ترك المخيم ومضى.. ربما لحق بابن عمه عبد الفتاح.. فالرسالة طلبت منه أن يأتي.. فكيف له أن يتردد لحظة واحدة؟؟
هل كان عبد الفتاح مجرد قصة ألفها أهل المخيم، أم أنها حقيقة..؟؟ سأل الولد الذي مازال في عمر الزهور.. كان مشغوفاً بقصة هذا الرجل الذي قرر أن يعود.. أراد أن يعرف.. أن يفهم مجريات الحدث الذي قام به عبد الفتاح.. وأتت الإجابات التي تؤكد صحة ما قام به عبد الفتاح.. أخذوا من جديد يحكون عن رجل مد خطواته على الأرصفة والشوارع والدروب.. شرب الولد القصص بتلذذ وكبرت صورة عبد الفتاح في عينيه.. تمنى أن يعرفه.. لكن لماذا لم يره في المخيم من قبل..؟؟ أجابوه: وهل بإمكانك أن تعرف كل أهل المخيم؟؟.. وللحظة كأنها انبثقت نبع ماء ، ظن أنه يعرف عبد الفتاح حق المعرفة.. عندها أخذ يصرح معلناً أن عبد الفتاح قد وصل إلى هناك.. وفي اليوم الثاني.. كان الولد يمد خطواته على الأرصفة والشوارع والدروب..

[/align]
[/frame]


الساعة الآن 00 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية