منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   انتفاضة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=3593)

طلعت سقيرق 16 / 04 / 2008 28 : 09 PM

انتفاضة
 
[frame="10 98"]
[align=justify]
الشارع مطر.. تساءلت وهي تحثّ خطاها مسرعة نحو البيت: "ترى هل سأجده؟؟" وارتسمت في العينين أوراق الحيرة والقلق.. تذكرت كم كان يضحك ويهزّ رأسه باستمرار وهو يستمع إلى أحاديثهما المتنوعة، لم تكن تترك خبراً من أخبار الشارع دون أن تذكره بتفاصيله الصغيرة والكبيرة.. كان يشعر أنّ المخيم عالم مليء بالحكايات، وعندها كان ينظر إلى عيني زوجته ساهماً مفكراً، ويأخذ المخيم شكلاً آخر ترسمه ريشتها التي لا تعرف الهدوء.
"أتعرفين؟؟" سأل، ثم لجأ إلى الصمت.. قالت بكل حيوية وحبّ استطلاع: "ماذا يا عبد الرحمن؟؟" لم يجب.. كان يفكر بأشياء كثيرة.. خاطب نفسه: "بعد أسابيع ستضع فاطمة مولودنا الأول.. سيكون.." قالت فاطمة: "ماذا بك يا عبد الرحمن بماذا تفكر؟؟" كان يعرف أنها ستبقى وحيدة.. قال بصوت مرتفع وكأن الجملة هربت منه: "إذا حدث وغبت فلن أطيل الغياب.." تساءلت بقلق: "أي غياب؟؟" لم يجب.. كان المطر في كل المسافات.. الوجوه ترسم الشوارع والأزقة بالشكل الذي تريد.. "هؤلاء هم..".. فجأة امتلأت الغرفة بالأطفال، أخذوا يضحكون ويمرحون ويركضون ..اتسعت الغرفة بشكل مثير للدهشة.. قال أحد الأطفال: "ابنكَ يا عم عبد الرحمن سيكون معنا.. لا تخف.. سيكبر بسرعة.." قال عبد الرحمن: "في الحقيقة لست خائفاً.. ولكن فاطمة ستكون وحيدة.. هذا ما يشغلني..".. قال طفل آخر: "الولد سيكون معها.. عليك أن تمضي في طريقك".. هزّ رأسه موافقاً فخرج الأطفال فرحين وعادت الغرفة كما كانت..
ألف مرة كانوا يقولون لها: "غداً سيخرج" وكانت تنتظر.. الشارع يضجّ بالنشاط والحركة.. صياح الوليد ملأ المخيم من أوله إلى آخره.. يوم وضعته بارك المخيم كله لها. قالوا: "كم سيفرح عبد الرحمن به" وعبد الرحمن يقطع الأيام غياباً.. قالت تحدث الصغير: "لو كان يملك حريته لطار بجناحين إلينا.. ولكن" تنظر في عينيه فترى الابتسامة والدفء وانتصاب الأشجار.. كأنه هو.. حقاً الولد سرَ أبيه.. وترفرف ابتسامة عريضة على الشفتين الصغيرتين.
قالت: "من حقنا أن نعيش كبقية الناس.. إنهم يصادرون كل شيء.." ضحك عبد الرحمن وهزّ رأسه موافقاً.. قال: "الحرية قادمة يا قاطمة.. خطوات وتشرق شمس الخلاص.." وضع رأسه على بطنها وأخذ يحدث الصغير عن الوطن والصور الجملية والربيع القادم.. قالت: "يا عبد الرحمن.. أتريده أن يفهم وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد؟؟" قال بفرح: "صدقيني إنه يفهم كل شيء.. وأقسم على ذلك.." وراح يقصّ عليه حكايات طويلة.. رائعة..
اتسعت مسافة المطر.. كأنما سمعت صوته وهو يلاعب ابنه الصغير.. تخيلت كم سيكون فرحه كبيراً وجميلاً ستقول له ـ إن وجدته ـ "كان الغياب طويلاً يا عبد الرحمن" سيقول ـ هذا إذا كان موجوداً ـ "الطريق هو الطريق يا فاطمة وعلينا أن نمشيه" وسيضحك بتفاؤل يملأ الدنيا.. اقتربت من البيت أكثر فأكثر.. واتسعت مسافة المطر.. ستقول له: "أليس ابننا رائعاً يا عبد الرحمن؟؟".. سيضحك.. وستمتدّ ابتسامته لتملأ الدنيا كلها.. حمل الصغير بين يديه، قذفه في الهواء.. /شقّ الحجر جبهة الليل/ ضمّه إلى صدره بعد أن تلقاه بحب كبير.. ستروي له أشياء كثيرة.. وسترجوه أن يبقى إلى جانبهما.. سيهزّ رأسه ويضحك.. كان الباب قريباً منها، دفعته بلهفة واندفعت مسرعة إلى الداخل..
[/align]
[/frame]


الساعة الآن 52 : 07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية