![]() |
هل للحروف ذاكرة؟؟..
[frame="6 98"]
[align=justify] قد يبدو السؤال غريباً إلى حد بعيد، إذ كيف يصح القول: هل للحروف ذاكرة؟؟!! وماذا نعني بذلك؟؟ أرى في البدء هنا، أن الحروف تحمل هويتها وخصوصيتها وملامحها في كل حال.. ومن هذا المنطلق، تستطيع الحروف أن تختزن في ثناياها معنى الانتقال من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، ودون ريب، فإن هذا الانتقال يولد شحنة التغير في المؤدى، لينقله إلى الاتساع.. فكثير من المفردات التي كانت تحمل معنى واحداً، أصبحت مع الزمن تحمل عدة معان، وفي كل معنى جديد شيء لم يكن موجوداً من قبل.. من ذلك مفردة »هتف« على سبيل المثال، فإذا أنت فكرت في تطورها وتطور معناها، تلحظ أن الذاكرة الحرفية، اختزنت أشياء لم تكن موجودة من قبل.. وقد نورد الكثير من المفردات التي تصب في هذا الاتجاه، وكلها صارت في تواصلها المفتوح، قادرة على حمل الجديد المتغير.. وباعتقادي، هذا جزء من الذاكرة الحرفية، وهناك أجزاء كثيرة يمكن أن تنفتح على الكثير.. أقف هنا عند احتكاك المفردة بمفردات أخرى في النص، إذ يفرض هذا الاحتكاك التركيبي الكثير من الأبعاد الهامة التي لم تكن موجودة من قبل في سياق المفردة ومسارها وبعدها.. فالتركيب، وبالعودة إلى خصب الإبداع عند المؤلف، يعطي ذاكرة الحرف انفتاحاً على الجديد دون حدود.. فالشاعر على سبيل المثال، حين يورد مفردة »أحبك« في قصيدته يعطي كل حرف شحنة جديدة لم تكن موجودة من قبل.. ولك حين تعايش هذه المفردة أن تدقق في ثنايا كل حرف، لتجد أن الجديد موجود في كل خطوة يخطوها الحرف إلى الأمام، وبمعنى آخر، فالحرف يكون حرفاً آخر في ذاكرته ومبناه ومعناه، حين يلامس عين أو أذن قارئ جديد.. وأيضاً لنا أن نسأل كيف؟؟.. إن الذائقة والإحساس والمشاعر والإدراك تشترك كلها في إعطاء الحرف والمفردة عامة ذاكرة مضافة، أو ذاكرة جديدة لم تكن موجودة من قبل.. في مثل هذه الذاكرة، يكون الانفتاح كبيراً وشاملاً ورائعاً على الجديد.. يحصل هنا، وببساطة شديدة، تصور متحرك فاعل قادر على الانتقال بسرعة متفوقة.. ولك في هذا المجال أن تسأل فلاناً: ماهو شعورك اتجاه هذه المفردة؟؟.. سيقول إنني أشعر بكذا وكذا.. ثم تسأل آخر، لتجد أن الإجابة تختلف.. وكذا مع الثالث.. وهذا دليل على أن الحرف اختزن ذاكرة مضافة، وأنه لم يكن أسير خط مسطح، أو أفق محدود.. وباعتقادي أن الحرف المسطح، يبقى حرفاً بسيطاً غير قابل للنمو.. فهل يوجد مثل هذا الحرف؟؟.. أحياناً تكون المفردات مسكوبة في نص ضعيف ساكن، جراء إبداع بسيط لايرقى لأن يكون متفوقاً أو جيداً على أقل تقدير.. هنا تصبح المفردة جامدة غير قادرة على الارتقاء والارتفاع والسمو.. قد نلحظ مثل ذلك في المقالات الخالية من أي خيال أو صور أو أبعاد.. كما قد نلحظ ذلك في النصوص الإبداعية الفقيرة الساكنة.. فالحرف هنا يدور في دائرة مفرغة، ولايستطيع الفكاك منها.. وكلما ازداد النص فقراً وسكوناً، كلما ضاقت المساحة التي يتحرك فيها الحرف.. وصولاً إلى ضيق خانق لاحد له..!!.. في الشعر الحقيقي، الشعر المحلق، الشعر المليء بالنبض، تنشط ذاكرة الحرف وتأخذ في الغليان وصولاً إلى الأرقى.. في مثل هذا الغليان، يكون الحس مشعاً، وتعمل ذاكرة الحرف بأعلى وتيرة لها.. ولانستغرب بعد زمن طال أو قصر، أن مفردة ما، صارت تحمل معنى مضافاً إلى معناها السابق، من خلال تحركها في قصيدة ذاعت وانتشرت.. فهي بذلك مفردة مفتوحة على الاحتمال، قادرة على الوصول، مسكونة بالنشاط، غنية بمقدرتها على الاتساع.. قد يكون ذلك في الرواية والقصة القصيرة والمسرحية.. وقد يكون في الخاطرة والمقالة.. تختلف النسب، لكن يبقى المؤدى واحداً.. يبقى الوصول إلى الغاية واحداً.. لانريد هنا القول إن الحرف في الشعر يستطيع في حركته أن يكون معبأ بشكل كامل، بينما يقل ذلك في الرواية والقصة والمسرحية.. لكن هناك حقيقة علينا الاعتراف بها.. هذه الحقيقة تشير إلى أن الشعر يستطيع أن يراقص الحرف كما يشاء، يستطيع أن يولد منه وله الكثير.. يستطيع ببساطة أن يبني عالماً واسعاً جميلاً.. كل هذا قد يكون في الأجناس الأخرى.. لكن للشعر خصوصية قد لانجدها في سواه.. إن التعامل مع الحرف يحتاج إلى شحن نفسي عال، وهذا أكثر مانجده يكون في الشعر.. نخلص إلى القول إن للحروف ذاكرة.. ولها الكثير من النبض والجمال.. وكلما خطونا خطوة إلى الأمام، رأينا أن الحرف معبأ بسنابل القمح التي تزداد امتلاء كلما أخذ الحرف مجراه بشكل صحيح ومبدع.. بينما لايكون ذلك، حين يكون النص فقيراً غير قادر على النهوض بشكل صحيح.. [/align] [/frame] |
رد: هل للحروف ذاكرة؟؟..
صدفة جميلة أن أقرأ مقالك هذا و نظرتك كشاعر للحرف وقد كنت قبل أيام قرأت مقالا نال اهتمامي و إعجابي حتى أنني نقلته إلى المنتدى و يتحدث عن الفن التشكيلي العربي وتطوره و تبرز فيه معان جميلة للخط و الحرف حيث جعلني أنا شخصيا وقد ينطبق هذا على آخرين, أنظر إلى الحرف بشكل آخر..
الشيء البديع هن أنني حين قرأت كلماتك تذكرت مقاطع من النص الآخر و أحسست بذلك التشابه بين الفنان و الشاعر, أنقل لك بعض الجمل: "وإذا كان ثمة العديد من الفنانين المفتونين بالخط الصيني الياباني والعربي, فذلك لأنه يغني مخيلتنا الفضائية, مجبرا خطية الكتابة على أن تصير أكثر حركية وأكثر انطلاقا. وقد أصاب كلود ليفي ستراوس بقوله إن الموسيقى والخط يمتلكان خاصية تجريدية رائعة للفضاء/الزمن. " ويتمثل ما تمنحنا إياه هذه الفنون ذات الأشكال القارة أيضا في أوزان الشعر العربي, الذي ما فتئ نبره الغنائي يلهم الشعر الغنائي المتوسطي والأوروبي بدأ من الشعر العذري, وفي الترادف بين الكلمات المنشدة والآلات الموسيقية الأولى المجلوبة من المشرق الخاضع لقاعدة القافية, باعتبار أن ذلك قد شكل كشفا كبيرا بالنسبة للشعر الأوروبي في القرون الوسطى. " ؛يمكننا التمييز في التشكيل الذي يستوحي مادته من اللغة العربية, عدا فن الخط بمعناه الحصري, بين ثلاثة مستويات: * الحرفية الهندسية: حيث يبدو الفنان, انطلاقا من التشذير التشكيلي للحروف, مسكونا بحلم ترجمة تلاوة القرآن إلى صور. هكذا يغدو ما يشبه الأنشودة (أو الصلاة) مرئيا في الخط والحركة (انظر مثلا جزأ هاما من أعمال الإيراني الزندرودي). * تجريد الخط المشكل: أي أن الحرف المتناضد على مساحة الألوان يعيد تخطيط اللوحة, ويمنحها من ثم هويتها الثقافية وسمتها الحضارية المبتك رة للعلامات (انظر أعمال العراقي شاكر حسن, أو أعمال منير, التشكيلي الحفري البنجلاديشي المقيم بلندن). * الحرفية الرمزية: حيث يغدو التشكيل مشهدية مشبعة بالعلامات والكتابات, من حروف عربية وبربرية تيفيناغ, وأرقام سحرية أو طلسمية.كما نجد في أعمال الجزائري رشيد قريشي اهتماما عجيبا بفنون الخطوط الصينية واليابانية. * الحرفية الزخرفية: (وهي الأكثر تداولا), حيث تخضع الكلمة أو الجملة أو النص إلى بناء مقروء يمثل الحرف المخطوط, وذلك استمرارا للتوريق والخط الكوفي بالأخص«. يمكن القول أن نفس الحرف ووضعه في النص الذي رأيته أنت كشاعر "معبأ بسنابل القمح إن أخذ مجراه الصحيح" هو بالنسبة للفن التشكيلي العربي الحديث و من احترفوه أو سحروا به "حكايا ولادة للإبداع" إن امتزج بالألوان الصحيحة و تراتب ورص بالشكل المناسب. أضع هنا لوحات قد توضح ما أقصد بعد أن أقول أجل للحروف ذاكرة و أكثر من ذلك: لها نغم و إيقع و روح. http://pagesperso-orange.fr/hassan.m...es/calli19.gifلوحة للفنان العراقي حسن المسعودي http://www.alriyadh.com/2008/05/16/img/155627.jpgنجا المهداوي تشكيلي تونسي يعتمد على استعمال الحروف في لوحاته و أخيرا قصيدة أمل دنقل: http://www.jehat.com/ar/amal/photo/8.jpg |
رد: هل للحروف ذاكرة؟؟..
كم هي رائعة هذه المقالة
نعم أيها الشاعر الغالي طلعت سقيرق للحروف ذاكرة إن الحرف يعطي سعة للمعنى ويعطي رونق وجمال للقصيدة أعجبتني هذه الفقرة من المقالة إن للحروف ذاكرة.. ولها الكثير من النبض والجمال.. وكلما خطونا خطوة إلى الأمام، رأينا أن الحرف معبأ بسنابل القمح التي تزداد امتلاء كلما أخذ الحرف مجراه بشكل صحيح ومبدع.. بينما لايكون ذلك، حين يكون النص فقيراً غير قادر على النهوض بشكل صحيح.. كم استفدنا منك أيها الشاعر السامق كم استفقدنا لك لكن ستبقى خالداً في قلوبنا وذاكرتنا وحروفنا وكل نبضة فينا |
الساعة الآن 19 : 02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية