![]() |
جنازة الإشتراكية؟
[align=justify] وضع المفكرون السياسيون تعاريف عديدة و مترابطة لمفهوم "الدولة" و حددوامقاربات مسهبة الى المفهومحسب ميولاتهم و قناعاتهم، ويربط فريق من الباحثين تطور مفهوم"الدولة" بعصر الأنوار في اوروبا و تحديدا نظرية شارل دو مونتسكيو عن شكل:"الحكومة" و فصل السلط الثلاث الأساسية لكل مجتمع، حيث سعى الفلاسفة الى تنظيم الحياة السياسية عن طريق تنظيف العلاقة بين الحاكم و المحكومين من الإرث التاريخي القاتم، فقد صار مشهورا أن الانسان يتحكم في نزعته الفردانية،( التي أشار اليها القرآن الكريم حين وصف الله سبحانه و تعالى الانسان بالمخلوق الهلوع المائل الى الإيمان المتشدد بأفكاره الخاصة غير المترتبة عن تفاعل جمعي)بسلطة سياسية متماسكة تضمن استيفائه لحقوقه و تنفيذه لمهماته و واجباته.و في سبيل انتاج الدولة المتراصة نظر الفلاسفة الى مذاهب تتجمع في مذهبين أساسيين:المذهب الرأسمالي المتيح للحرية الفردانية التي قاومها الأنواريون و المرتكز على الاستثمار المنتج للطاقة المالية، ثم المذهب الاشتراكي الشيوعي القائم على دينامية الشعب بصفته مصدرا للسلطة و منبعا للشرعية و بصفته أيضا الطرف المستفيد من وجود الدولة و الجيش، فالأولى يجب أن تتحرك لرعاية مصالح الشعب و تحقيق مطالبه الموضوعية، أما الثاني فيدافع عن هذه المطالب و يحصن الهوية و يقي شروط التبادل التجاري و قواعد التفاعل الثقافي للحصول على علاقات خارجية متكافئة تحقق مبدا:"الإفادة و الإستفادة". بروز الأنظمة السياسية الحديثة المتميزة بفصل السلط و توجيه الثروة القومية لخدمة الشعب يعد نتيجة قممية لمظهر الشورى عند المسلمين و التحولات الفكرية التي لامست القطاع السياسي في اوروبا من عصر النهضة الى انطلاق المرحلة الأنوارية التي يعتقد باحثون و مفكرون غربيون أن الغرب لا يزال يعيش تطوراتها. و في نفس السياق يمكن ادماج مفهوم "الديمقراطية" التي تعتبر هدفا ساميا لجميع الأفكار التسييرية السياسية و من ضمنها النظرية الاسلامية القائمة على انتخابات في شكل مشاورات و مفاوضات يعقدها قضاة و مثقفو و علماء الشعب لانتقاء حاكم مناسب. في هذا المفصول أو القاسم المشترك يطفو تشابه تطابقي بين الاسلام و الاشتراكية في اطار يقوي فرضية و جود "اقتباس" متبادل أو أحادي؟ و بعد ميلاد الفكرين الشيوعي و الرأسمالي انقسم العالم المتخلف الى شطرين حسب الموقع الجغرافي و الصلات التاريخية مع قطبي الفكرين المتحاربين، و بعد مرور زمن قصير تعرض الفكر الشيوعي لنكسة عميقة تجسدت في انهيار الاتحاد السوفياتي و التوجه التدريجي لروسيا الاتحادية نحو المنظومة الراسمالية بهدف الاستثمار و توسيع دائرة الحلفاء، خارقة بتطبيق اجراء مماثل مفاد الشيوعية القاضي بقوة الى اشراك الرفاق( أفرادا و دولا و شعوبا) في مناهج التطوير و التحديث دون اعتبار الدين أو القومية أو القيمة الدولية، هكذا انتهت بتصاعد البيروسترويكيين الشيوعيةالمقاربة للأطروحة الماركسية. و ليس مصرع الشيوعية مصفدا بتوقيت سقوط السوفييت، بل ان موقف غرباتشوف رئيس الاتحاد السوفياتي من حرب الخليج الثانية التي قادها النادي الراسمالي ضد صدام حسين كان ايذانا بانتهاء الممارسة الشيوعية الأممية، و بداية دخول مرحلة توظيف الشيوعيةمظهريا للحفاظ على مجد التاريخ بالنسبة للروس و تكريسا للحق في الاختلاف بالنسبة للاشتراكيين العرب الذين خسروا الحصانة السوفياتية التي عززت جمال عبد الناصر حينما هدد السوفياتيون بقصف باريس بالسلاح النووي اذا تزعمت فرنسا حربا ضد مصر، و اذا كان السوفييت قد دافعوا عن مصالحهم ضمن هذا الحدث التاريخي، إلا أنهم في الوقت نفسه برهنوا على تجذر قيم الشيوعية في عقولهم و دواليب ادارتهم، و موقف مشابه يعتبر حجة على توازن الرعب و تراص كلا المتنافسين-الرأسمال و الشيوعية- مما يحدث بيئة ملائمة لتحرير الحكومات المساندة للشيوعيين نسبيا و فتح المجال أمام صناعتها لقرارها السياسي و تمكينها من هامش حرية من أجل اقرار نمط السياسة المطابق لمعتقدها و تقاليدها و معطياتها الاجتماعية. و بالنظر الى المضمون الجوهري للفكرة الشيوعية المتأسسة على القوات الشعبية و وضع وسائل الانتاج تحت مراقبتها، عبر الانتخابات التي تعد ظاهرة سياسية حساسة و معبرا دقيقا يصنع عبره الشعب دولته المنتجة بشرط أن يوجه الانتاج لخدمة المواطن، و في الحقيقة فان الشعب الثائر لاسترداد انتاجه و ممتلكاته يجعل من الشيوعية أفكارا ثورية لا تقبل الا السلطة العادلة الصارمة، و بالاستعاضة عن مفهوم "الشعب" بكلمة "الرعية" فان النتيجة الحتمية أو الحاصل سيكون بروز نقاط تقاطع جلية بين الإسلام و العقلية الشيوعية من حيث ارتكازها على الشعب و ضمان عيش لائق لأفراده، فالاسلام دعا الى احترام و طاعة أولياء الأمور و مساندتهم ما داموا في المسار السوي ،أما الحكام غير الشرعيون فالإطاحة المبرمجة(تفاديا لخطر الفراغ السياسي بعد اسقاط الطاغية، إذ من الضروري أن ينتخب الثوار حكومتهم قبل البدء في المخطط الميداني)بهم فرض رباني، لست مفتيا دينيا لكن هكذا هو اعتقادي. و يمكن أن نقول ان التقارب الحيوي بين الشيوعية و الاسلام يقودنا الى صوغ فرضية وجود تبادل معرفة ناتج عن بحث علمي بين الفكر الماركسي و الإسلام. أما الاحزاب الاشتراكية الحالية فهي تماثيل فارغة و نظم جوفاء استخدمت الغطاء الاشتراكي لتسويق الفكر الراسمالي و ترسيخه، و جميع المضطهدين مدركون لسقوط و انهيار الاشتراكية في الزمن الراهن، و السبب الوجيه هو تفسخ العلاقة بين روسيا و الاشتراكيين العرب، الذين فقدوا الحماية منذ الحرب الخليجية الثانية، بل منذ نشوء "البيروسترويكا" حيث سار غورباتشوف بنفسه في موكب جنازة الاشتراكية و حضر مراسيم دفنها. [/align] |
الساعة الآن 14 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية