![]() |
صدام حسين و شاترين
[align=justify]
اهتم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالرواية الممتزجة بالشجون السياسية، قد يرجع اختياره لأحد أصناف الأدب السياسي إلى إيمانه بأفضلية الرأي المتأسس على أولوية ارتباط الإبداعات الفنية بالواقع الثقافي و العلائقي الذي يعيشه المجتمع. أطوار حياته النضالية تثبت أنه آمن بالواقعية المنتجة، التي ترمي إلى تغيير الواقع و بنائه فوق دعامات متماسكة تسمح للإنسان باستشراف مستقبل مشرق. تأتي هذه الخاصية المميزة لفكر الشهيد على النقيض من موقف الواقعية الثلجية التي يهتف من أجلها النظام الرسمي العربي، و ترتكز على الإنخراط المباشر في الواقع و التكيف من خلال أي طريقة ممكنة باسثناء المقاومة لأن كل دول العالم الإسلامي اكتسبت استقلالاتها منذ أواسط القرن الماضي. و بالرغم من أن حالات استثنائية واردة في الخريطة العربية الممزقة، فإن عامل كثرة البلدان الحرة يرجح أسلوب الدبلوماسية الهادئة التي أظهر اخفاقها الجسيم اتفاقات هشة تلاشت مخلفة بقايا تاريخية منسية تنعت بالإتفاقات القومية. في طليعتها اتفاق الجزائر الذي احضتنه الرئيس الجزائري هواري بومدين و انتهى إلى الموت بعد وفاة بومدين و اسقاط القوى الغربية لشاه إيران و أخيرا إعدام صدام حسين. و بعد سنوات ولد اتفاق الطائف في أعقاب حرب أهلية دموية بين الطوائف اللبنانية، و هو نفس الإتفاق الذي أجهز عليه اغتيال الحريري و اشعال حزب الله لحرب2006. و اختتمت سلسلة الاتفاقات الفاشلة باتفاق مكة المكرمة و اتفاق الدوحة الذي يبدو أن ارهاصات انهياره بدأت تتبادر إلى الساحة اللبنانية. و إذا لاقت الاتفاقات العربية مصير السقوط، فإن المعاهدات التي تسللت اليها أطراف غربية ظلت صامدة و أبرز نموذج كامب ديفيد إذ اغتيل أنور السادات و بقي الأتفاق منفذا. [/align][align=justify]المعاهدات الخفيفة، و مشروع تشييد كانتونات متناحرة في مختلف أنحاء الوطن العربي بدءا بالقضية الكردية و القومية المزيفة و المقاومة الميكانيكية، كلها كوارث تتناوب على الشعوب العربية، لكنها نبوءات فحصها و حذر منها الرئيس العراقي صدام حسين. لقد عرفت الجماهير العربية صدام حسين رجل الدولة و المجاهد القومي البار، لكن كثيرين يجهلون صدام حسين الأديب و المفكر العبقري و الإنسان الذي أقام علاقة حميمة مع كل ملامح الحياة العراقية. في رواية:"القلعة الحصينة" تفاجىء القارىء و تفتح أمامه أسراب الاحتمالات، شخصية غريبة:"شاترين". هل من المحتمل أن يدمج قائد عروبي اسما كرديا في رواية أدبية عربية؟ نصوص و وثائق الحضارة و الأنثروبولوجيا الكردية تذكر أن:"شاترين" ليس اسما كرديا، كما أكدت نفس الرأي معلومات ثقيلة أدلى بها كبار شيوخ العشائر الكردية. لم يترك الرئيس فسحة لاختراع تفسيرات أخرى، هو وحده من يتحكم في الشرح الحقيقي و المنصف. أدرك الرئيس أن اسم شاترين أثار استفهامات متشابكة، فانطلقت رحلة الإفصاح. يورد في إحدى زوايا القصة الجذابة أنه على العكس من أغلب المدخنين، فإنه لا يدخن إلا في الأوقات التي يشعر فيها بالراحة و الهدوء، لكشف سر شاترين، يذكر في الرواية مقطعا شعريا ترنم به بطلها صباح: أطلال تنبىء ما تنبىء لمقبلها حزنا و سقما على أسرار غاديها استشرف الرئيس مصير ثورة العراق، ليس بسبب سياسة الوحدة الوطنية الحديدية التي تزعمها حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي و إنما بوصف العراق منطلقا للمقاومة العربية النظيفة، المنفصلة عن التأثير الإيراني أو التأثير الأمريكي اللذين يتقاسمان الآن نفوذ الممانعة العربية الضالة. شاترين، في الفصل الأخير من :"القلعة الحصينة" التي ترمز للعراق، تطلب من فرقائها تقسيم القلعة و أن يلوذ كل واحد منهم بحصته و يغلق الباب عليه. في هذا الطور من القراءة المتمعنة، يلمس القارىء حرص الرئيس على الوحدة العراقية إلى مستوى اطلاق اسم غير كردي على أي كردي يطالب بتشتيت الفسيفساء العراقية. أعتقد أن العراق يشبه قوس قزح يختزن جماله في كونه ظاهرة تجمع ألوانا مختلفة، إذا عزلنا كل لون بمفرده فلن نحصل على قوس قزح الساحر الذي نعرفه. مع الحرص على الوحدة صلبة و وامضة إلى الأبد، أراد صدام أن يلقن لشعبه كل جزئية تتصل بتاريخه و امتيازيته الثقافية، فتحدث متحمسا عن نبوخذ نصر مثلما تحدث عن هارون الرشيد و تحدث باسهاب عن آشور بانيبال كما تحدث عن علي بن أبي طالب. كان مخلصا لضرورة شعور كل طائفة و كل قومية بامتلاكها لدور فعال و خالد في خلق الريادة العلمية العراقية، العرب وحدهم لم يمجدوا صورة العراق العالمية، يشتركون في هذه الميزة مع الكرد و الآشوريين و التركمان..العراقيين جميعا. لقد توقع نهاية مأساوية للنسيج العراقي المتناغم الذي ساهم في تقويته، و سعى إلى محاكاة قسوة القدر بتدوين رؤيته في سياق نص أدبي مفتوح. شاترين تمثل كل كردي عراقي انفصالي، و إذا كان الإنتماء يستوجب نبذ الفرقة، فإن هناك كردا عراقيين يفضلون التمزيق. هكذا أراد صدام حسين تمرير خطابه التحسيسي و الإحيائي، بتؤدة و سلام، يحافظ عبره على التقدم الذي أحرزته سياسة الوحدة و يعطل التغلغل الطائفي الذي تصدره دولة ظلامية مجاورة. لم تقتصر التربية الصدامية على شرح و توضيح القضايا الوطنية الكبرى، بل انتقلت الى مائدة الطعام، الى قواعد النظافة، شملت مقومات الحوار العائلي. ففي رواية:"القلعة الحصينة" يدرج الرئيس تفاصيل تتعلق برهانات نجاح المؤسسة الأسرية، الحوار الوسطي بين الجدية و الفكاهة داخل البيت بين الأبناء و الآباء، التأهب للتضحية من أجل استمرار اللحمة العائلية لدى جميع أفرادها، الإلتفات الى الواجبات الدينية الأساسية. و يتحدث الرئيس أيضا عن أنواع الطعام المعبرة عن التقاليد العراقية دون اغفال أهمية ايراد نصائح عملية للإستفادة الجسمانية و الفكرية من الغذاء. هكذا كان الرئيس، أبا لا دكتاتورا، مصلحا لا متسلطا، رجلا في وطن و وطنا في رجل. قائد ارتبط بأبسط نشاطات حياة شعبه. و ليس غريبا أو باعثا على الدهشة، فقد أنبتته القرية و أخلاق الإنسان المزارع الذي يمتلىء بعد كل يوم يقضيه في الحقل حبا لأرضه.و كخاتمة، أقول إنني أكرهك يا شاترين بقدر حب المزارع لأرضه. [/align] |
رد: صدام حسين و شاترين
كان سبق لي أن قرأت عن هذه الرواية مع أنه لم تتح لي فرصة الإطلاع عليها شخصيا و قد استغربت أن لا يكون كتاب للزعيم فرض شهرته أثناء حياته فغريب أن صدام رحمه الله الذي يعد اكثر المتهمين بالديكتاتورية لم يحط "القلعة الحصينة" بنوع من الإشهار و الفرض و الزخم لتصير القلعة الحصينة محفورة في ذاكرة المواطنين كالكتاب"الأخضر".
أكيد أنني سأبحث عن الرواية وأكتشف بورتريه شاترين الذي لم يراه الرئيس الراحل إلا نموذجا دخيلا على العراق لايستحق أن ينسب اليه اسم عراقي أصيل. تحياتي لك أستاذ هشام. http://www.up4vip.com/up/uploads/90038f19a0.jpg |
الساعة الآن 48 : 02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية