![]() |
الخطاب الانتقائي ضد الإسلام السياسي
[frame="13 90"][align=justify]
الخطاب الانتقائي ضد الإسلام السياسي د. علي محمد فخرو استمعت في أحد بلدان الخليج العربية إلي محاضرة عن الإسلام السياسي، حاضره ومستقبله. ولست معنياً بمناقشة المحاضر فيما أورد من انطباعات وإستنتاجات وإنما مناقشة المنهجية التي استعملت في طرح الموضوع. ذلك أن هذه المنهجية المفجعة في نواقصها قد أصبحت ظاهرة من ظواهر خطاب الكثيرين من مفكري وإعلاميٍّي ومتحدٍّثي هذه الأمة. من أبرز تلك النواقص المنهجية التي جسدتها تلك المحاضرة، والتي تتواجد بكثرة في اللقاءات التلفزيونية والمحاضرات العامة والمؤتمرات الفكرية السياسية عبر الأرض العربية كلِّها، كانت الآتية: أولاً ـ التعميم التبسيطي المخل بالأمانة الفكرية. في تلك المحاضرة أصدر المتحدث حكماً سلبياً جارحاً واحداً علي كل الحركات الإسلامية السياسية. لم يرَ فرقاً بين الحركات المنغلقة الرجعية والحركات المنفتحة التقدمية، بين الحركات السلمية المؤمنة بالتعددية السياسية والحركات الممارسة للعنف والإرهاب الرافضة للديمقراطية، أي أنه أغفل ملاحظة الظلال والأطياف المختلفة في الساحة السياسية الإسلامية. والتعميم، كما يقول أوليفر هولمز، لا يستطيع التعبير عن كامل الحقيقة. ثانيا ـ الانتقائية الفكرية، فالمحاضر إنتقي أقوالاً لعدد محدود جدا من الحركات والأفراد وذلك من أجل إسناد استنتاجاته السلبية المعممة علي جميع الحركات السياسية الإسلامية. والانتقائية الفكرية هي إنحياز وتدمير للخصم تخرج المحاضر من صفته الفكرية العلمية الموضوعية لتجعله خطيباً سياسياً في جمع حاشد انتخابي. هدف الانتقائية الفكرية هو الإقناع وليس الحوار والوصول إلي نتائج متوازنة، ومن هنا خطورتها. ثالثاً ـ إختصار الزمان والمكان. فالمحاضر استشهد بأقوال قالها بعض المؤسسين الأوائل منذ عقود طويلة وأهمل التغيرات الكبيرة والعميقة في الخطاب السياسي الإسلامي والتي ظهرت في السِّنين الأخيرة. والأمر نفسه انطبق علي محدودية المكان. فأن تكون المحاضرة عن الإسلام السياسي بعامة، ثم تركِّز علي مجموعة صغيرة من البلدان العربية الإسلامية التي يتميُّز فيها العمل الإسلامي السياسي بالتخلف أو الانتهازية، وتهمل بلدان أظهرت فيها الحركات السياسية الإسلامية مرونة وقبولاً بقواعد اللعبة الديمقراطية فهذا يجعل من المحاضرة خطاباً إنتقائياً يحتقر عقل المستمع ويشوٍّشه. إختصار الزمان والمكان هو محاولة لإخفاء التغيُّر والتبدٌّل والتقدم في المشهد السياسي الإسلامي علي مستوي الفكر والممارسة. ومن هنا فان استحضار أقوال من ماتوا وتجاهل أقوال من هم أحياء هو محاولة لإغلاق ملف المستقبل والحكم علي أن مستقبل العمل السياسي الإسلامي هو مظلم ومقفل ومحكوم بأقوال وممارسات الماضي فقط. رابعاًً ـ الإغفال المتعمد لأي جوانب مضيئة. فأن يستطيع المحاضر إغفال الجهد المتميٍّز للمقاومة الإسلامية في فلسطين وجنوب لبنان والعراق في مقاومة وإفشال المشروع الأمريكي ـ الصهيوني فهذا خروج عن منطق العدالة الفكرية والحيادية السياسية. والأمر نفسه بالنسبة للقدرة الفائقة للحزب الإسلامي الحاكم في تركيا في تعامله مع منطق العصر وكثير من متطلبات الحداثة مع عدم تفريطه بمبادئه الفكرية الإسلامية الأساسية. إن هذا التهميش للمنجزات النضالية الوطنية وللتضحيات الجسام من قبل المنخرطين في حركات المقاومة في هذا الزمن العربي والإسلامي البائس يعكس الرفض التام لأن تكون الثقافة الإسلامية مكوناً من مكونات الثقافة السياسية، أي عزل وتهميش الثقافة المتجذِّرة في قلوب وعقول الكثرة السًّاحقة من المواطنين العاديين عن أن تكون ذات تأثير في الفعل الاجتماعي التنموي وفي الفعل التحرري الوطني. ليس الهدف من كل ما ذكر المطالبة بأن لا توجد خلافات فكرية سياسية، متضادة وحادة، ولا الهدف أن نسعي لبناء توليفات تلفيقية في الفكر السياسي العربي. المقصود هو أن يكون الخطاب الفكري السياسي خطاب تحاور مع الخصم لا تدميره، خطاب تسامح معه لا إقصاء له، خطاب عدل لاخطاب ظلم. فلقد عاني العمل السياسي العربي، علي المستوي الرسمي والأهلي، مافيه الكفاية بسبب التخندق في مواجهات عبثية لم تجن منها الأمة إلا المرارة وغبار أرض اليباب. عن صحيفة القدس العربي 5/6/2008 [/align][/frame] |
الساعة الآن 58 : 09 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية