منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   الانتظار (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=5383)

طلعت سقيرق 30 / 06 / 2008 13 : 08 AM

الانتظار
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/3.gif');border:4px ridge green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
عقارب الساعة تتحرك ببطء شديد، كأنَّ الغرفة أضيق.. أبدأ بالبحث عن أي شيء يبعد عني القلق، دون جدوى.. أحاول أن أرسم ابتسامة على شفتيّ.. أتطلع في المرآة القريبة، فأرى وجهي غريباً وهو يضيع بين ظلّ ابتسامة وقلق يصبغ الملامح بانفعال حاد.. كنت أعرف أنهم لن يأتوا الآن.. فالعقارب تشير إلى بقية من وقت.. هذه العقارب التي تزحف.. قلت “ربما ساعة يدي لا تعمل.. يحدث أحياناً” نظرت إلى ساعة الجدار.. كان التطابق بينهما مثيراً للأعصاب.
كنت أتمنى أن أشارك في هذه العملية.. ولكن عبد الكريم أصرّ على بقائي في حالة انتظار.. قال بوضوح “والآن دورك.. عليك أن تنتظر” قلت “في المرة القادمة.. ولكن” قال “يا صاحبي.. وهو يحب استعمال صاحبي هذه.. يجب أن يبقى واحد منا.. اليوم دورك” نظر في عينيّ ثم أردف بصرامة:
“سنعود في السابعة.. أو هكذا يفترض.. بعد السابعة إذا لم نعد.. عليك أن تنتظر ساعة كاملة.. في الثامنة تماماً عليك أن تتحرك، عندما تصل إلى هناك عليك أن تتلف كل شيء.. إياك أن تتردد لحظة” وكانت “هناك” تعني بالنسبة لنا مكاناً تعودنا أن نخبئ فيه الأشياء الهامة.. ولم نذكر مرة واحدة هذا المكان بالاسم.
التصق بعقارب الساعة.. أقرِّبها من أذني.. دقاتها الرتيبة الهادئة على حالها.. “إذا تأخروا” قلت بانزعاج وبصوت مرتفع “لا سمح الله”.. ولكن “ربما.. كل شيء جائز.. ربما تأخروا.. السابعة.. الثامنة وعندها كان علي أن أقطع مسافة لا بأس بها.. ثم أبدأ في إتلاف الكثير من الأوراق والأشياء الأخرى.. سأقطع المسافة ركضاً.. قلت “لن يحدث ذلك.. سيعودون بعد نجاح العملية.. أعرف تماماً أنهم سيعودون” نظرت إلى عقارب الساعة من جديد.. هناك بقية من وقت.. لأول مرة ينتابني هذا الإحساس الخانق إلى هذا الحدّ بمرور الوقت.. تذكرت جملة لا أدري أين سمعتها أو قرأتها “الوقت هو شعورك الخاص” هذا حقيقي تماماً..
عندما استشهد أخي أحمد في بداية الانتفاضة،شعرت بفراغ قاتل ضاغط.. وقتها كنت بعيداً عن كل شيء.. كان أخي أحمد من مجموعة عبد الكريم.. كنت أعرف الشباب حق المعرفة، ولكنني بقيت بعيداً.. بعد فترة من استشهاد أخي، أصبحت واحداً منهم.. شاركت في كل عملية.. كنت أعرف أنني أتابع طريق أخي أحمد.. وكان هذا يشعرني بالكثير من الفرح والغبطة..
الدقائق المتبقية أقل من قليلة.. العقارب تزحف.. أخذت أتطابق مع عقرب الثواني.. كأنني أخذت أدور معه.. ابتسمت للفكرة رغم قلقي.. بدأت أتنفس باضطراب.. صوت أنفاسي يضغط أعصابي..الآن بدأ العد التنازلي كما يقال.. عليّ أن أحصي دقائق ساعة كاملة لعينة.. كل دقيقة تشكل عالماً مليئاً بنمل يزحف نحو أعصابي.. أغمضت عيني.. تعالى صوت أنفاسي.. أخذتُ أسحب الهواء ثم أزفره بانفعال.. مرت خمس دقائق بعد السابعة.. الآن أريد أن تتباطأ هذه العقارب اللعينة.. دون جدوى.. عشر دقائق.. عشرون.. هذا غير ممكن.. صحت “توقف أيها الزمن” نظرت إلى وجهي في المرآة.. كان شاحباً.. أخذت أدور في الغرفة.. الدقائق تهرب.. كأنَّ الهواء يحمل شيئاً.. أنصتُّ.. الأصوات بعيدة.. اقتربتُ من الباب.. أخذتْ الأصوات تتضح شيئاً فشيئاً.. تنفست بعمق.. التفت إلى ساعة الجدار.. ولأول مرة في حياتي أرى عقارب تبتسم..

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]


الساعة الآن 16 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية