![]() |
الصورة والظل
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/16.gif');border:4px groove green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
كان يعرف أنه في سنّ لا تمكنه من بلوغ مقصده.. تمنى أن يكبر بسرعة مذهلة كما في الحكايات.. ولكن عليه الآن أن يفعلها وهو في هذه العاشرة من عمره.. حدّق في البعيد.. تساءل بشيء من الحيرة: أيمكن أن يحمل عبوة الغاز إلى المعسكر ليقوم بتفجيرها؟؟ لم يستطع أن يجيب… سطعت الصورة أمام عينيه: كان أبوه مليئاً بالحيوية والشباب حين أصابوه في رأسه بطلقة غادرة لم تترك له فسحة من الحياة… يومها لم يصدق أنّ أباه قد مات.. قالوا له: والدك شهيد.. لم يكن الفرق كبيراً بالنسبة له.. فأبوه قد فارق الحياة، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى البيت محملاً بالحنان والتفاؤل والضحكة الرائعة كالعادة… ويومها لم تكن الانتفاضة قد بدأت.. أحياناً كانت أمه تحاول أن تبعده عن التفكير في مثل هذه الأمور… لكنّ الاحتلال بقي مسيطراً على جزء كبير من تفكيره وهو يرى جنوده يقتلون ويخربون في كل حين… كان يسأل المعلم في الصف.. كان يسأل الأصدقاء.. ويذهب بالأسئلة إلى الجيران في المخيم.. ودائماً تأتي الإجابة لتؤكد إحساسه القوي بأن الاحتلال يجب أن يزول.. ومرة فكَّرَ بشكل جدي: أيمكن أن يرجع أبوه إذا “انقلع” الاحتلال..؟ قال له أحد أصدقائه: “هذا ممكن.. قالت لي أمي قبل فترة أن أخي الشهيد يمكن أن يعود حينما تتخلص البلاد من هذا الاحتلال البغيض”. لكن عبوة الغاز ثقيلة ومن الصعب أن يحملها إلى المعسكر… “ربّما إذا تفجر المعسكر سيرحل الاحتلال إلى غير رجعة”.. كان أبوه يضمه بحنان يملأ الدنيا.. وكثيراً ما علّقت أمه “دلالك لهذا الولد مبالغ فيه” وكان الأب يضحك ويقول: “عدنان حبيبي”.. يومها لم تكن الانتفاضة قد بدأت.. لو كانت الانتفاضة موجودة وقتها لكان الوالد موجوداً الآن.. هكذا فكر…. يتذكر كيف رسم طائرة على دفتره.. وعندما شاهد والده الرسم تساءل: وماذا ستفعل بهذه الطائرة يا عدنان؟؟ قال: سأطرد الأعداء من أرضنا… قال أبوه: وكيف ستطردهم بهذه الطائرة.. أجاب ببساطة: “سأضعهم في الطائرة وسأرسلهم إلى البعيد” يومها ضحك الوالد كثيراً وضرب كفاً بكف.. منذ مدة لم يذهب إلى المدرسة.. كان يعرف أنهم أغلقوها.. ولأول مرة لا يشعر بالسرور.. من قبل كان يطير فرحاً عندما يجد سبباً مناسباً لبقائه في البيت.. وكان لا يستطيع البقاء إلا بشق الأنفس…. ولكنه الآن لا يشعر بالسرور.. يشتاق للمدرسة بعشق… ولكنهم أغلقوها “هل ستفتح المدرسة أبوابها إذا رحل الاحتلال..؟؟” قالت أمه: طبعاً…. يا ولدي عندما نتخلص من الاحتلال.. سيعود كل شيء إلى طبيعته.. ورغم أنه لم يفهم “إلى طبيعته” هذه.. ولكنه عرف بأن الاحتلال يقف في وجه كل شيء.. اجتاحته رغبة جامحة بأن يفعلها..عليه أن يطرد الاحتلال بأسرع وقت ممكن.. لن يكلفه الأمر أكثر من عبوة الغاز يحملها من البيت إلى هناك، ويفتحها، ثم يقرب عود ثقاب بعد أن يشعله.. قال أحد الأصدقاء: “ولكنك ستكون أول من يحترق” لم يفكر كثيراً بالأمر.. فالمهم أن يرحل الاحتلال.. أن يعود أبوه.. أن تفتح المدرسة أبوابها.. أن تبتسم الوجوه من جديد… كان المعسكر بعيداً.. وعبوة الغاز ثقيلة.. وكان عليه أن يفعلها.. [/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN] |
الساعة الآن 46 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية