منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   يوم دافئ (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=5386)

طلعت سقيرق 30 / 06 / 2008 21 : 08 AM

يوم دافئ
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/15.gif');border:4px groove green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
كان الصباح طرياً طازجاً، رائع الملامح.. وكانت الانتفاضة في أوجِ اشتعالها.. أخذت أراقبُ خطواتي بكثير من النشوة.. عقارب الساعة تصطاد الوقت وتتجاوز كل صور الماضي.. طفلة سمراء ملأت عيني وهي تقطع الشارع راكضة.. كان بودّي أن أضمَّها إلى صدري بكلّ حنان الدنيا.. ارتفعَ الحجر في الفضاء وكأنه عصفور يفرد جناحيه.. كان بودي أن أضحك، أن أقفز متجاوزاً سنواتي السبعين… الأشياء رائعة وقريبة إلى القلب بشكل مثير… قلت في نفسي متنهداً: “من الأفضل أن أركضَ.. أن أقطع المسافات كلها دون توقف..” انتابتني أحاسيس لا أستطيع تفسيرها. تناولت حجراً وأخذت أقلِّبه.. كان حجراً ككل الأحجار التي في الدنيا.. لا أظن.. هناك شيء مختلف.. الحجر في فلسطين لا يشبه أي حجر آخر.. كأنني أسمع صوت حفيدي وهو يصرخ: “أحجارنا يا جدي مدافع.. ولا يوجد في الدنيا مثل هذه الأحجار”.. نقلته إلى اليد الأخرى… رفعت يدي وقذفته بكل ما لديّ من قوة، فلم يبتعد كثيراً، ولكنه على كل حال، استطاع أن يشعرني بالدفء.. استوقفني جارنا عبد الرحيم، مدّ يده بحب، وضغط على كفي مسلّماً، قال: “إلى أين يا عم.. أراك مسرعاً؟؟” قلت: “إلى هناك” وأشرت برأسي إلى الأمام.. ضحك وضحكت.. وتابع كل منا طريقه.. كان بودّي أن أقول أشياء كثيرة.. تطلعت إلى الوجوه.. كانت تحمل الكثير من الدفء والحب.. وهناك بلا شك هذا الهدوء الغريب الذي يرتسم طابعاً كل الملامح وكأن شيئاً لا يحدث.. لا بد أنها ملامح مخادعة إلى حد ما وهي تأخذ هذا الشكل.. ولكن ربما تعوّد الناس ما يحدث فتوافقوا معه.. التفتُّ إلى الوراء.. أصبح عبد الرحيم بعيداً.. كنت أتوقع أن يلتفت في ذات الوقت لأناديه، ولكنه لم يفعل.. هززت رأسي وتبسمت..
فجأة امتلأ الشارع بالدخان والحركة وصوت زخات الرصاص.. كانت لوحة استثنائية فريدة بالنسبة لي حين أصبحت وسط الحدث.. تساءلت: “هل أركض مع الراكضين” وكانت الإجابة “هل أساعدك يا جدّي؟؟” سيطرت على نفسي وصحت: “لا يا ولدي اركض.. سأتدبر أمري..” أخذت أقيس المسافة بيني وبين جنود الاحتلال، كانت تضيق وتضيق.. صحت: “وبعد يا أبا أحمد ماذا ستفعل؟؟” وقبل أن تضيق المسافة أكثر. قفز أحد الأولاد ورماهم بحجر، وصاح “اهرب يا جدي” الجنود التفتوا إليه وتركوني بعد أن أصاب أحدهم.. شكرته بكل جوارحي واعترفت بأنه أنقذني.. ولكن أيكفي ذلك.. أيعرِّض حياته للخطر من أجلي ولا أفعل شيئاً.. كانت المسافة بيني وبينهم تكبر.. الولد يركض وهم يركضون، والرصاص يركض.. صحت: “يا أبا أحمد عليك أن تفعلها” وفعلتها: رفعت الحجر.. صوبت.. وقذفت بكل ما لدي من قوة.. طار الحجر وابتعد.. كأنَّ الشباب قد عاد.. صدم رأسَ أحدهم.. استدار: استداروا.. لم هرب.. تراكض الرصاص.. وكنت أشعر بدفء لم أعرفه خلال حياتي الطويلة كلِّها..

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]


الساعة الآن 19 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية