![]() |
قصة معاناة ورعب فلسطيني العراق : الهروب وولادة مخيم الوليد
قصة معاناة ورعب فلسطيني العراق: الهروب وولادة مخيم الوليد على الحدود السورية السنوات الخمس الاخيرة اكدت لنا استحالة استمرار العيش في العراق فكلمة جحيم هي اقل ما يصف حياتنا هناك الامريكيون بذلوا جهودا كبيرة لادخالنا سورية .. العراقيون سبونا في رحلة الاهوال.. وكل الحكومات العربية رفضت استقبالنا مخيم الوليد: أقيم هذا المخيم مع بداية العام 2007 بـ(32) لاجئاً، واليوم يصل عدد اللاجئين إلي (1130) لاجئاً، ويعد هذا المخيم من أسوأ مخيمات اللاجئين من العراق من الناحية الأمنية والصحية والبيئية والاجتماعية، ويقع في منطقة الأنبار العراقية. سنتعرف في هذا التقرير الذي أعده عدد من اللاجئين، عن بداية النزوح من العاصمة العراقية بغداد والأسباب والدوافع وما تعرض له اللاجئون خلال نزوحهم، واللحظات الأولي لوصولهم منطقة الوليد، ورحلة العذاب اليومي الذي يقاسونه في هذا المخيم في ظل تجاهل أطراف عديدة لمعاناتهم، وخدمات انسانية شحيحة تزيد من مآساتهم. اليكم نص التقرير كما ورد الينا دون تعديل يذكر. ماهر حجازي المنسق الإعلامي للاجئين أسباب الهجرة الى الحدود نحن اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في بغداد منذ عام 1948. كنا نعيش في هذا البلد حياة طبيعية جدا كسائر أقراننا من الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدان العربية الاخرى، وكنا نتمتع بالحقوق والواجبات ولم يكن هناك أحد منا له أي اتجاه سياسي يخص أو يتعارض مع الوضع الأمني في العراق لا من قريب ولا من بعيد، بحيث كنا نعمل معاً مع الشعب العراقي ونجاور اهله ولدينا معهم صلة نسب، وكانت هناك حالة إيجابية بحيث أن المواطن العراقي لم يشعر بأن المواطن الفلسطيني غريب عنه لأننا نعيش معه والعراقيين منذ 56 عاماً. وكانت الحياة طبيعية جداً .وبعد التغيير السياسي في البلد وعند سقوط نظام الحكم في العراق بدأت حياتنا تتحول شيئاً فشيئاً للأسوأ بحيث أصبحنا نحارب من قبل جهات لا نعلم مصدرها وبدأت تسد علينا منافذ العيش وأصبحنا حبيسي منازلنا وبدأ الحال يتصاعد تدريجياً بعد عدة شهور من سقوط النظام وبدأ اختطاف الشباب ومن ثم قتلهم وكان السبب الرئيسي أنهم يحملون الجنسية الفلسطينيية، وتخيل بأن تكون جنسيتك هي تهمه قائمة بحد ذاتها. نحن نتساءل جميعنا ما الذي حدث؟ من المعلوم لدى الشعب العراقي بأن الجالية الفلسطينية هي الجالية الوحيدة التي تعايشت معه ولأطول مدة بالنسبة للجاليات الاخرى وكانت توصف هذه الجالية دائماً من أخواننا العراقيين بأن هذه الجالية لم يصدر منها ما يعكر صفو وأمان البلد وعلى حين غرة أصبحت الجالية الفلسطينيية تلفق لها أشد التهم وتوصف بأنها مساندة للإرهاب. اختطاف وقتل وتعذر الدفن والكفن سنذكر بعضاً من الأحداث التي مر بها أبناء شعب فلسطين في العراق. في البداية كان يخطف الشخص الفلسطيني ومن ثم يتصل الخاطفون بأهله لدفع فدية ذات قيمة عالية وبعد الدفع وذلك يكون فيه صعوبة بالغة يتصل المختطف ثانية بعد استلامه الفدية ليخبرهم بأن يستلموا جثة ولدهم من مشرحة الطب العدلي، وهيهات للفلسطيني الذهاب الي ذلك المكان لأنه مقتول لا محالة بدلاً من أن يستلم جثة إبنه أو أخيه أو إبن عمه، ويجب على أهالي المغدور دفع مبلغ ضخم وذلك لاستلام جثة إبنهم وبعد ذلك يتوجب دفع مبلغ مشابه لاستلام شهادة الوفاة. ومن هنا تبدأ مجازفة أخرى. لقد شرحنا كيف يسلب الفلسطيني ويحرم من ولده ويخسر كل ما يملكه من مال ومن ثم تبدأ المشكلة الكبرى المتمثلة في كيفية الدفن، وإن وجدت طريقة لذلك فمن النادر نجاة المشيعين لكونهم فلسطينيي الجنسية. صار لنا، نحن الوحيدين في العالم، دورة حياة كاملة للموت. نحن مسلمون ونؤمن بأن الأقدار بيد الله ، وشاءت الأقدار بأن ينجو بعض الناس من أيدي القتلة المأجورين ولكن كيف نجوا ؟ سؤال يستوجب أن نتوقف عنده. شخص يعذب بأحدث أنواع التعذيب التي لم يمارسها أبشع طغاة العصور. استخدمت بهذا التعذيب المواد الكيمياوية بحيث تحرق الأوصال السفلى من الجسم، والأيدي وهذا الشخص لا يزال علي قيد الحياة ويثقب بآلة (الدريل) لقد بلغت من العمر 42 عاما وقرأت الكثير من الكتب وقرأت عن هتلر وقرأت عن موسيليني وعن كل القادة ولم أجد مقارنة تصف بدقة ما مورس علي شعبنا في العراق، كل هذا والعالم ينظر الينا، ولم يحرك ساكناً كأن العالم بأسره ينتظر إبادتنا جميعاً وإن هذه هي الفرصة السانحة لذلك. أود أن أسأل لماذا قامت الحرب الأخيرة ضد العراق أليس من أجل محاربة الإرهاب في العالم ؟ لماذا لا يعتبر العالم ما مورس ضد أبناء شعبي من ضمن الأعمال الإرهابية وترك هذه الوحوش الكاسرة تنهش لحومنا؟ نحن أناس نتصف بنبذ الإرهاب، نطالب بالسلام، لم نشترك في أي تنظيمات تتعامل مع الإرهاب، وعلى أثره نود أن نعلمكم بأننا نتمتع بصبغة واضخة واضحة لكل عادل وكل أمين، نحن أناس مثقفون. يوجد فينا الطبيب و المهندس و المعلم والعامل ونعيش حياة مدنية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. إن هذا شرح بسيط جداً لما مورس بحقنا داخل العراق في الخمس السنوات الآخيرة وأصبح لدينا القناعة الكاملة بأننا لا نستطيع العيش، وهناك استحالة للعيش في العراق ومن هنا بدأنا نفكر جدياً بالخروج، من هذا الجحيم وأود أن يصدق القارئ بأن كلمة جحيم هي أقل ما توصف به حياتنا داخل هذا البلد. وسأبدأ برواية ما حدث بالتفصيل وعن الرحلة المريرة التي أدت لولادة (مخيم الوليد ). بداية المخيم بدأنا نسمع بأن أقراننا من الفلسطينيين بدأوا بترك العراق، بعضهم ذهب الى الحدود الأردنية والبعض الاخر ذهب الى الحدود السورية فتوجه تفكيري في الذهاب الى الحدود السورية أنا وعائلتي وكان يصاحبني في ذلك أحد أصدقائي هو وعائلته وكانت أول عقبة واجهتنا هي الحصول علي وسيلة نقل لنقلنا الى ذلك المكان، ذلك أن السائق حين كان يعلم بأننا نحمل الجنسية الفلسطينية كان يصاب بهلع شديد ويرفض رفضاً قاطعا نقلنا معه في ذلك الباص خوفا على نفسه من هذه الجنسية أي الفلسطينية، حيث كان يُعتبر في حينه حمل مجموعة من الفلسطينيين بالنسبة للسائق مشكلة كبيرة كان أقل عقوبة لها هي الموت. كيفية الخروج وعن طرق الصدفة سمعنا أن أحد أصحاب الباصات تعطلت حافلته منذ زمن وكانت مركونة ولا تعمل. وكان السائق يحمل الجنسية الفلسطينية، فتم إقناعه بأعجوبة بإصلاح تلك الحافلة علي شرط أن يقلنا الى الحدود، ولله الحمد وافق هذا الشخص وبدأنا بالعمل على إصلاح الباص، وأخذ العمل منا من الجهد ما يعادل ما نحن نعانيه. وحين سمعت العائلات بأننا وجدنا وسيلة لنقلنا الى الحدود بدأت تأتي إلينا لتسجيل أسمائها، وقد أصبح عدد الأفراد الذين حجزوا في قائمة السفر اكثر من 80 شخصاً ،وكان الباص لا يتسع لأكثر من 40 شخصاً، وتم نقل البقية في الأسبوع التالي من ذلك التاريخ، وقد يعجب القارئ حين أقول بأن الرحلة من بغداد الى الحدود السورية تصلح أن تكون من أجود أنواع أفلام الرعب العالمية وسنوافيكم بتفاصيلها لاحقاً. تم الخروج من بغداد في تمام الساعه السادسة صباحا في تاريخ 3/12/2006 وكان بصحبتنا سبعة عشر طفلا وأكثر من عشر نساء وعدد من كبار السن وأكثر من ثمانية شباب يافعين. أود أن أتوقف لأصف لكم حالة ، تخيل بأنك تعيش في مدينة لا تستطيع فيها مغادرة بيتك لأكثر من مئة متر، خوفاً من أن يسألك أحدهم عن جنسيتك ( فلسطيني ). وذكرنا سابقاً بأن هذه الجنسية في العراق تربط بالارهاب، حتى لو كان حاملها طفلاً في الثامنة من عمره أو كان شيخاً في السبعين من عمره وبدون استثناء، وكان هناك أكثر من عشرين نقطة تفتيش على طول الطريق الذي يقدر طوله بأكثر من 600 كيلو متر. وكل نقطة تقف عندها يتم استجوابك بطريقة لا إنسانية بحيث يتم التفتيش في حقائب المسافرين واللجوء الى الأسئلة المحرجة وكان الناس يسمعون الكلام اللاذع والشتائم اللاأخلاقية، وكان الجنود يشكرون الله بأنهم قد تخلصوا منا. بداية المعاناة داخل المخيم وبعد كل هذه الحالة النفسية والشد العصبي الذي كنا فيه وصلنا الى الحدود العراقية السورية، في تمام الساعة التاسعة ليلاً في منطقة تسمى قرية الوليد ولم يكن لنا حين وصلنا أي هدف نهتدي اليه حيث أن الحدود كانت مغلقة حين وصولنا الى البوابة، وقدمنا أنفسنا للحرس المناوبين في تلك الليلة وحين ذاك أبلغت الإدارة بذلك. وعندها أرسل إلينا أحد ضباط الشرطة المناوبين وبصحبته أحد شيوخ القرية المجاورة للحدود وتم الترحيب من قبل ذلك الشيخ واستقبلنا بالحفاوة والتكريم وطلب منا الدخول الى المضيف لتستريح العوائل والأطفال ، وعلى حين غرة لم نجد المذكور بجوارنا (الشيخ ) ولا نعلم ما سر اختفائه في تلك اللحظة مما اضطرنا للوقوف قرب دار استراحة يجاورها جامع صغير ، ومن الأقدار التي قدرها لنا الله سبحانه وتعالى تعطل الباص في تلك الليلة مما اضطر السائق أن يبقى معنا ووجدنا للرجال مكاناً للمبيت داخل الباص، وكان مبيت النساء والأطفال داخل ذلك الجامع. ومن المعلوم لدى الجميع بأنه في ذلك الوقت من السنة تصل درجة برودة الصحراء ليلاً الى حالات نقطة الصفر ولقد لاقينا من ذلك الماً شديداً لأننا كنا غير مجهزين بالمفروشات والأغطية ولم نتحسب لأن تكون درجة الحرارة بهذه البرودة في ذلك المكان وتصل لأكثر من 5 تحت الصفر. وفي الصباح الباكر حضر الشيخ المذكور وجلب معه وجبة الإفطار التي تكفي لأكثر من 40 شخصا وكان يعاملنا كأننا أبناءه، وبعد الإفطار ذهبنا الى الجمرك العراقي لأنهم كانوا قد وعدونا بالسماح لنا الدخول الى الحدود السورية. توجد في المنطقة المقابلة للحدود قاعدة للقوات الأمريكية تم الاتصال بها من قبل شرطة الجمارك، وطلبوا منهم التدخل للمساعدة والوساطة مع الجانب السوري، لإقناعهم بالموافقة على دخولنا الأراضي السورية،والغريب في الأمر أننا لاحظنا أن المحتل الأمريكي الذي تختلف ديانته عن ديانتنا يجادل الجانب السوري ويلح عليه بشتى الوسائل، ولمسنا حقا مدى المجهود الكبير الذي بذلوه بأن يرحموا الأطفال والنساء ولكن وللأسف وأكرر للأسف الشديد لم توافق الحكومة السورية على إدخالنا أراضيها مع العــلم بأننا كــنا نعلق عليهم آمالاً كبيرة في حينه ومن هنا أصابتنا خيبة أمل كبيرة وبدأنا نشك بعروبتنا. كان من المفروض أن يكون أبناء جلدتنا أحن علينا من الذين عشنا طوال عمرنا نسمع عنهم بأنهم أعداؤنا وأنهم مجردون من الرحمة والانسانية، لقد بذل هؤلاء اقصى ما عندهم لكي يساعدونا ولكن أكرر مع الأسف. وهذا كان أول إحباط لنا ومع ذلك قامت شرطة الجمارك بالتعاون مع القوات الامريكية بالإتصال بهيئة الصليب الأحمر وتم إبلاغنا بأنهم قادمون لمساعدتنا، وكنا نتوقع أن يصل الصليب الأحمر خلال نفس اليوم الذي بلغنا بقدومه، ولكن مع الأسف لم يحضر أحد منهم إلا بعد ستة أيام تخيل كم كانت ثقيلة الساعات التي مرت علينا ونحن ننتظر قدوم هذه اللجنة وبدأنا نشعر بأننا مهملون من كل العالم في رفقة عدد لا بأس به من الأطفال والنساء، يوجد بيننا من هو مصاب بأمراض مزمنة. تخيل لو أصيب أحدهم بأي مرض، خاصة أن البرد يهلك الأطفال، وهناك احتمال إصابتهم بأي مرض مثل الإنفلونزا وغيرها من الأمراض. كان الخوف يقتلنا لأننا لا نملك أي نوع من أنواع الأدوية ولم نتحسب لمثل هذا الموقف، ولكن الشيء بالشيء يذكر، كان هناك الى جانب الجامع صاحب محل بقالة فحين سمع بأننا فلسطينيو الجنسية قدم لنا الكثير من المساعدات، وأبلغ من في القرية ، وكان الناس هنا في غاية الكرم معنا بحيث أنهم احتضنونا وأخذوا على عاتقهم التكفل بكل ما نحتاجه من مستلزمات أولية، فكانوا يقسمون بينهم المهام فمثلا يكلف فلان من الناس بجلب الغذاء والآخر يكلف بجلب الأغطية والآخر كذا والآخر كذا والحق يقال بأنهم قاموا بواجبهم الإنساني على أكمل صورة. بداية الإتصال مع العالم الخارجي هناك سؤال مهم جدا يطرح نفسه ماذا حصل خلال الستة أيام، ومن أوائل الذي اتصلنا بنا. كان السيد (ابو الحسن ) الممثل في حركة حماس واستفسر عن أحوالنا واطمأن على أوضاعنا ووعدنا بأنه سيحاول الإتصال بالجانب السوري للسماح لنا بدخول الأراضي السورية، وتم إرسال معونات ومساعدات إنسانية ومواد غذائية مع أغطية، وكان ذلك الإتصال في اليوم التالي من وصولنا ،ولقد نسق المذكور أعلاه واتصل مع المنظمات الدولية ومنظمة الصليب الأحمر وهيئة الأمم المتحدة وأبلغهم بأننا نفترش الصحراء ونلتحف السماء هذا من جهة. وبعدها اتصل في اليوم التالي السفير الفلسطيني في بغداد ( دليل قسوس ) وقام بنفس الاتصالات التي قام بها قرينه السابق، وفي نفس اليوم اتصلت بنا السيدة (سوسن الصفار ) من هيئة الأمم المتحدة وقامت بطمأنتنا بأن تبذل قصارى جهدها للإتصال بكل الجهات المعنية لمساعدتنا وإدخالنا الأراضي السورية ومن ثم نقلنا بعد ذلك الى أي ملاذ آمن ولمسنا من خلال حديثها بأنها كانت جادة فعلاً في مساعدتنا، ورغم كل ما حاولت وما بذلت من جهد باءت محاولاتها بالفشل بسبب رفض الحكومة السورية إدخالنا الى أراضيها. وبالرغم من كل ما عانيناه من مصاعب وتحملناه من الظروف القاسية التي تتسم بها الصحراء من برد وقلة غذاء وقلة الطبابة، كان كل من يتصل بنا ينصحنا بعدم العودة الى بغداد وذلك بسبب زيادة القتل والتهجير والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني في بغداد وكنا نصبر بعضنا البعض على التحمل. وفي يوم 9 /12/2006 تم إبلاغنا من السيد (أبو الحسن) من خلال اتصاله بنا بأنه أعطى رقم هاتف أحد إخواننا في الباص للسيد (أرنيه) (ابو لويزا) الممثل عن الصليب الأحمر وبعد ساعة من الزمن اتصل السيد (أرنيه) بنا وأبلغنا بأن نجمع له المعلومات الكاملة عن أسمائنا وتحضير المستمسكات الرسمية كي يتباحث مع الجانب السوري كيفية إدخالنا الأراضي السورية وقد اعتقدنا بأنه قادر على إدخالنا الأراضي السورية ( مخيم التنف) للإلتحاق مع إخواننا هناك. بداية تأسيس المخيم وبعد المكالمة بنصف ساعة حضر السيد (أرنيه) بسيارته اللاندكروز وبصحبته باص يحمل شعار الصليب الاحمر، كنا نعتقد بان ذلك الباص قد احضر لنقلنا الى الحدود السورية في ( مخيم التنف ). وفوجئنا بأن أمالنا قد انهارت في لحظة سماعنا كلام السيد (أرنيه) بأن سألناه عن نقلنا، فقال لنا حرفيا بأن الحكومة السورية غير موافقة علي استقبالنا وقد وعدنا بأن يجري الاتصالات مع الجانب الاخر وأن الوضع يحتاج الى قليل من الصبر وقد جهزنا في حينه بعشر خيم ومواد غذائية تكفي لعشرين يوما وأعطانا بعض المستلزمات مثل حاويات مياه مع عدة مطبخ تحتوي على قدور وأوان وأقداح، وقبل ذلك عرض علينا تجهيزنا بكرافانات من قبل شيوخ المنطقة بموافقة القوات الأمريكية ولكننا اعتذرنا منهم ورفضنا لأن ذلك يعني أن بقاءنا سيكون بشكل دائم. خابت الآمال وأصبحنا نشعر بالإحباط الشديد وتصور بأن الزمن يعود بك الى ما قبل 1948 وقد عشنا مارواه لنا آباؤنا حين وصلوا الى العراق وعانوا ما عانوه حين كنا نسمع منهم قصتهم كنا نعتقد بأنها رواية عادية وكلام شيق وجميل يخدم حديث المجالس، ولكننا حين دخولنا الى الخيمة ومع الخطوة الاولى شعرنا ولأول مرة بمعاناتهم وقد عشناها على أرض الواقع وقدرنا كم عانوا في تلك الايام. مرت الأيام وبدأت الأحوال تسوء يوماً بعد يوم وبدأت الناس تتوافد على هذا المخيم بمعدل من40 الى 50 شخصاً اسبوعياً وفي هذه الأثناء جاءت لجنة من ( هيئة الأمم المتحدة ) وقد سألناهم عما توصلوا إليه لمساعدتنا وكان الجواب غريباً بعض الشيء على مسامعنا حيث قالوا بأنهم خاطبوا جميع الدول العربية بدون استثناء وللأسف الشديد أنها جميعاً رفضت استقبال أي شخص فلسطيني مع العلم أننا نستمع من خلال المذياع وهو الوسيلة الوحيدة المتوفرة لدينا بأنهم يناصرون القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هذا، بالنسبة للمذياع أما على أرض الواقع كان هناك رفض قاطع لمجرد السماع لقضيتنا، وحين مفاتحتهم لمساعدة أبناء جلدتهم يكون الرد جازماً وقاطعاً بالرفض. لقد زارتنا منظمات عديدة تمثل هيئات حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة ولأكثر من مرة ولم نلمس منهم سوى الوعود وبأنهم سيحاولون مساعدتنا وكثرت عندنا الشائعات، تارة يقولون بأننا سنذهب الى (السويد) وتارة بأننا سنذهب الى ( كندا ) وأخرى الى ( البرازيل وتشيلي)، ورغم كل هذه الأقاويل كنا نشعر بأننا قد غرزنا في هذه الارض الجرداء وأصبحت الحياة جافة وأصبحت الحالة النفسية تصل لحد الجنون، وفعلاً أصيب أكثر من شاب عندنا بحالات نفسية صعبة جداً، وما زالوا يعانون الى يومنا هذا. نحن نفتقر لكثير من الأمور تصور بأنك تعيش في القرن الواحد والعشرين ورغم التطور الذي وصل اليه العالم، نحن نعيش حياة تشبه ما قبل التاريخ نحن نتعامل مع الطبيعة وقساوتها ونحارب الطبيعة بوسائل بدائية جداً لقد انتظرنا أياما طويلة وصعبة جداً لكي يتم إنقاذ أطفالنا ونسائنا ومسنينا من هذه الظروف الصعبة، كنا نأمل من أبناء عمومتنا (العرب) أن يمدوا لنا يد العون، ليس لأننا أبناء عمومتهم فقط بل لكوننا إخوانهم في الإسلام، سمعنا بأن زلزالاً أصاب المدينة الفلانية أو هزة أرضية أصابت إيران، أو طوفاناً في الهند أو أي كارثة في أي رقعة من رقاع العالم وحين تسمع الخبر تجد أن الدول العربية تكون الاولى والسباقة لإنقاذ ومساعدة تلك الدول المنكوبة، هل من المعقول أن الجالية الفلسطينية في العراق مورس بحقها أبشع أنواع التعذيب والتنكيل ولمدة خمس سنوات وافتقرت حتى الى رغيف العيش بسبب حصارهم في منازلهم وعدم ذهابهم الى عملهم لأن ذلك يشكل خطراً جسيماً على حياتهم؟ هل من المعقول أن الدول العربية لم تسمع ذلك؟ لماذا وقفوا مكتوفي الأيدي لم يسارعوا في إنقاذ هذا الشعب ومع العلم بأننا نرضى بأقل ما يمكن أن يقدم من المساعدات لا أقصــد المادية فقط ولكن أقصد المعنوية وإشعارنا بأننا لا نزال من ضمن قائمة الشعوب العربية والإسلامية؟ من المنظمات التي قامت بمساعدتنا مؤسسة (الاكناف ) وكان يتصل بنا السيد ( ابو انس ) وتعتبر هذه المنظمة منظمة إنسانية، وقامت بمساعدتنا من خلال إرسال مواد غذائية مع مواد طبية ووعدتنا مجدداً بأنها ستتصل بإخواننا العرب لكي يسمحوا لنا بدخول أراضيهم وأيضاً كان الرد المتوقع هو الرفض وبشدة. قامت حركة (حماس) بإرسال بعض المساعدات الإنسانية المحدودة وأيضاً وعدت بالمساعدة وكانت أيضاً تجيبنا نفس الإجابات السابقة للمنظمات المذكورة أعلاه. بداية تنظيم المخيم وخلال هذه الفترة وصلت الى المخيم بعض المساعدات من منظمة الـ ICS تكفي 300 فرد ولم يتم توزيعها حتى وصول موظف الـ ICS وسنذكر لكم كيف تم تعيين موظف الـ ICS ؟. لقد بذلت المنظمة مجهوداً كبيراً لإيجاد شخص كفؤ لكي يقبل أن يتولى العمل في المكان الذي نقطن فيه، وكان دائماً يرفض هذا العرض الأشخاص الذين فوتحوا به وبعد جهد كبير، وعن طريق الصدفة تم ترشيح السيد ( جلال فهد عبد الله ) وهو فلسطيني الجنسية وتمت موافقته على أساس أنه سيخدم أبناء شعبه وقبل بالمجازفة. بدأت رحلة هذا الموظف للوصول الى هذا المخيم في تمام الساعة الخامسة صباحاً من تاريخ 24/1/2007 ولم يكن الطريق خالياً من المخاطر بحيث حجزت سيارته مع ست سيارات آخرى، وتم حجزه من قبل جهات مسلحة مجهولة وتم احتجازه لمدة ثلاث ساعات وبعد الإستفسار والتقصي حجزت سيارتان من المجموعة التي كانت ترافقه وأطلق سراح الخمس سيارات الاخرى وهكذا بدأت رحلته واجتاز الخطورة الاولى. وصل المذكور الى المخيم في تمام الساعة السابعة مساء وحين وصوله لم يجد أي تجهيزات تفيد عمله ووجد المعونات الغذائية مخزونة في العراء، ولم يكن هناك مكان مخصص لخزن هذه المواد، ومما عانى منه أيضاً أن الوضع كان غير منظم في المخيم. تم لقاؤه مع القائمين على المخيم حينذاك والتقى اللاجئين أنفسهم وعرفهم بنفسه، وفي اليوم التالي بدأ بتوزيع الحصة المذكورة ،لاحقا حسب برنامج مخصص له من قبل الشركة المذكورة أعلاه واستمر عمله في المخيم على هذا النحو. وكان يطبق قوانين الشــركة بحذافيرها ولكن كانت هناك بعض المعوقات في بعض الأحيان، كانت الطرقات تغلق لأكثر من 3الى 4 ايام وكان التأثير سلبياً على بعض المواد الغذائية وبالذات مادة الخبز لأنه حين يتأخر الخبز 4 أيام في الحدود يصاب الخبز بالعفن فيصل الى المخيم غير صالح للاستهلاك البشري، مما يضطرنا الى أن نجد حلولا بديلة وغير ناجحة، وحين بدأت خطة بغداد الأمنية تم إغلاق الطرق لمدة خمسة أيام مما اضطرنا الى التسوق من المحلات المجاورة وكانت لا تحتوي على اكثر من 40 كيس خبز وهذه الكمية غير كافية لثلث أهالي المخيم حين ذاك وهنا بدأ المسؤول يواجه صعوبات جمة مع اللاجئين لأن مفاهيم الناس في المخيم غير متساوية. بدأ العدد يتزايد وبشكل سريع جداً وبغضون أسابيع قليلة ارتفع العدد من 300 شخص الى 1000 شخص ولعدم وجود طبيب في بداية الأمر كانت المعونات الطبية مفقودة بعض الشيء، وكانت العلاجات صعبة جدا ومن المفارقات الجميلة أن هذا الموظف بسبب الإرهاق اليومي والعمل، لمدة ثماني عشرة ساعة يومياً كان يستهلك ثماني دلال من القهوة يومياً. قصة معاناة ورعب فلسطيني العراق: الهروب وولادة مخيم الوليد على الحدود السورية (2من 2) البرازيل والتشيلي وافقتا على استقبالنا فرفض مندوب فلسطين في الأمم المتحدة بحجة الحفاظ على القضية حية كل مطلب وشكوى لمسؤولي المخيم تتعلق بالخدمات والمياه الصالحة للشرب كان يرد عليها أننا مصابون بـ شيزوفرينيا إن أول ما يعاني منه الناس في المخيم هو فقدانهم للعمل مما يؤثر سلبا علي حياتهم المعيشية. الناس هنا تحتاج الى النقود لأن الحصة التي توزع عليهم غير كافية وغير صحية لأنها أنواع متكرره من المعلبات وكلنا يعلم أن المعلبات الجافة تفتقر الى الفيتامينات، والبروتينات والكمية التي تمنح شهرياً للفرد الواحد غير كافية حسب تقديرنا، وقد عرضناها على أكثر من مسؤول من مختلف الاتجاهات واعترف بأن هذه الحصة غير كافية وكان في اعترافه سخط للجميع. وسألنا المعنيين عن إمكانية زيادة الحصة أو تنويع المواد فكان ردهم، بأننا نسلمكم أربعة أضعاف ما قرر لكم، أي أن المقرر لنا هو ربع هذه الكمية، وأن الشركة المختصة بالتجهيز تضاعف لنا المواد، وناهيك عن المواد منتهية الصلاحية. من المنطقي والمعقول أن الأسئلة التي يوجهها أبناء المخيم للمسؤولين القائمين على أعمال المخيم يجب أن توجد لها أجوبة معقولة. ولكن عندنا الآمر مختلف بعض الشيء حيث تكون الأجوبة فيها نوع من التعالي، ولا يتمتع الموظفون بالتواضع مع الناس. اما عن المشكلة الثانية وهي من أخطر المشاكل التي نعاني منها كل لحظة، الا وهي مشكلة الماء. في البداية وفي الجو البارد كان يستلم الشخص الواحد منا لترا من الماء الصحي (المياه المعدنية) يومياً، وبقدرة قادر وعندما بدأ الصيف قلصت هذه الحصة الى نصف لتر للفرد وهذه المياه تستعمل للشرب والطبخ وعمل الشاي، تصور أن نصف لتر يجب أن يكفي لكل هذا. وجاءت الطامة الكبرى حيث أخبرونا بأن حصة الماء ( النصف لتر ) قد توقفت أيضا وحين علم مندوب الصليب الأحمر داخل المخيم السيد (قصي محمد صالح ) أجرى اتصالاته مع UNHCR والصليب الأحمر وأبلغهم بذلك. وحين وصول الخبر الى المفوضية والصليب الأحمر فوجئوا واستغربوا من هذا الإجراء اللا معقول ووعدوا المتصل بمناقشة الأمر على أعلى مستوى، ولكن للأسف بدون نتيجة. لم يستلم المذكور أي نتيجة ملموسة ورغم وصولهم الى المخيم طرح عليهم نفس الموضوع ولم تكن هناك أي إجابة مفهومة من قبلهم. بدأت المياه المعدنية تنفد ولا يوجد في المخيم غير المياه المخزونة في الخزانات، والمفترض أن هذه المياه صالحة للشرب ولسبب عدم توافر المواد المعقمة للخزانات، أصبحت هناك ترسبات شديدة فيها وأصيب بعضها بنوع من التلوث، واعتقدنا أن المياه التي تجلب الينا ملوثة وبعد إرسال عينات من نفس الشاحنات التي تنقل المياه الى المخيم يوميا الى المختبر الموجود في القائم، وصلت النتيجة بأن المياه صالحة للشرب، وقد فهمنا أن التلوث من الخزانات الثابتة داخل المخيم وذلك يعزي لعدم وجود مواد تعقيم . في هذه الفترة اضطرت العائلات لاستخدام المياه التي أصيبت بالتلوث للسبب المذكور أعلاه وعلى اثره أصيب اكثر من 93 شخصاً بحالة تسمم حاد وبدأت الإسعافات الأولية من قبل الدكتور سعيد الذي يمتلك شبه عيادة مجاورة للمخيم الأول ، وقد بذل مجهودا ليس بالهين، وعلماً بأنه ليس طبيباً بل هو صيدلاني، ونظرا لبعد المسافة بين المخيم الاول والمخيم الاخر آثرنا اللجوء الى الدكتور سعيد. وكانت هذه الحالات تحدث بعد منتصف الليل في الغالب. وحين استفسارنا من الدكتور طارق عن الأمر، وعن ماذا يحدث قدم لنا وصفا غريباً لم نقتنع به، وهو بأن الناس في المخيم مصابون بحالة (شيزوفرينيا) ! مما يعني أن الناس يتخيلون بأنهم مرضى، وهذا سبب غير مقنع لأن إحدى الفتيات تبلغ من العمر 17 سنة قد حقنت اكثر من 36 حقنة ووضع لها أكثر من 5 قناني تغذية ولم تُشفَ لحد الآن وقد جازف والدها بإرسالها الى بغداد، واتضح بأن الحالة التي أصيبت بها هي حالة تيفوئيد حادة يصل الى 120 درجة، هل هذا نوع من أنواع الـ (شيزوفرينيا) ؟ لقد عانينا الكثير وما من مغيث، كان أملنا كبيراً بأن يتصرف السيد (قصي) المندوب عن الصليب الاحمر وبأن يتصل برؤسائه، ولكن كانت المفاجأه المذهلة أن السيد (قصي) أصيب بنفس الحالة المرضية هو وأطفاله وزوجته ، تخيل نفسك أن تكون عاجزاً حتى عن الإتصال بأي جهة لأن كل خيوط الإتصال بيد السيد قصي، وفعلا شعرنا في تلك اللحظة أن الموت بدأ يدنو منا جميعا وأخذت هذه الحالة أكثر من 3 ايام. ورغم المرض الذي أصيب به الموظف المذكور حاول جاهدا الاتصال بالمهندس رعد صالح مهدي مسؤول برنامج الصليب الأحمر عن المياه والصحة العامة، وتم إبلاغه بالحالة وقد ذهل حين سماعه لهذا الخبر، وأبدى أسفه لذلك وقام بواجبه الإنساني نحونا. أرسل على الفور شاحنة محملة بقناني مياه صحية من معامل الصليب الأحمر وهذه المياه صالحة للشرب وغير ملوثة. وكان أول إجراء له بعد إرسال هذه الشحنة من المياه التوعد أنه حالة ثبوت أن المياه التي تجلب الى المخيم غير صالحه للشرب، فسيوقف التعامل مع الجهة الموردة لهذه المياه ووعد بإيجاد حلول جذرية لهذا الموضوع، ولم يكتف السيد رعد صالح مهدي بهذا الحل فقط، بل إنه اقترح أن ينتدب السيد المهندس (جهاد ) لإقامة مشروع تحلية مياه داخل جمرك الوليد، والعمل جار على ذلك. والشيء بالشيء يذكر وهو أن السيد رعد صالح مهدي بذل جهودا جبارة لتعجيل خروجنا من المأزق الذي نحن فيه، وحاول مراراً الإتصال بأكثر من جهة خارجية لاستضافتنا. وقد أرسل الى المخيم حين بلغت الأعداد تتزايد بشكل سريع في الفترة التي كان بها الطقس بارداً جداً فقد أرسل أكثر من 2000 بطانية و20 حماماً جاهزاً وخزانات مياه عدد 16، سعة الخزان الواحد 3000 لتر وعدد 8 خزانات سعة 2000 لتر و200 جهاز مطبخ و 200 جهاز صحي و 500 حصيرة و 58 خيمة ولمسنا بأن هذا الرجل قد تابعنا متابعة الأب لأبنائه ولمسنا منه كل الحب والاحترام . مساومات ورشاوي ومن الملفت للنظر أن هناك ضعاف نفوس الذين يختفون وراء أشخاص آخرين بدأوا يساومون السيد قصي في عمله لكي يحصلوا على عقد نقل المياه الى المخيم وتم إغراؤه بشتى الوسائل وعرضت عليه الرشاوي القيمة التي تصل قيمتها الى أرقام فلكية شريطة أن يبيع ضميره ولأن السيد قصي كان من الناس الذين يخافون الله رفض وحين رفض ما عرض عليه تم اتباع أسلوب آخر معه لترهيبه وتهديده بالقتل تارة أو خطفه تارة أخرى علما بأنه كان يبلغ كل ما يحدث معه أول بأول الى مسؤوله السيد رعد. جغرافية المخيم نظرا لكثرة اللاجئين حيث تجاوز العدد 1100 شخص تم نقل اكثر من 700 شخص علي بعد اكثر من 500 متر من المخيم الأساسي وتم نصب خيام لهم في وسط صحراء جرداء وكانت أرضها وعرة وصخرية لا تصلح أن تكون مخيما إطلاقا، نظراً لتكاثر أنواع كثيرة من الزواحف الخطرة مثل الافاعي والعقارب والعناكب الضخمة من النوع السام فيها. وكان هذا الموقع ليلاً مرتعاً للذئاب، علماً أنه غير مسيج ويخلو من أي نوع من أنواع الحماية، وكان هذا المخيم يحاط بالمواقع العسكرية الامريكية منها والعراقية . وكانت عيادة الطبيب في داخل هذا المخيم مما يعني أن المخيم الأول، لا يوجد فيه طبيب بسبب تفرغ الطبيب الكامل لهذا الموقع الجديد، وأهمل المخيم الأول طبياً، وأصبح يخلو من الخدمة الطبية بشكل كامل مما يعني أنه لو حدث أي طارئ بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً لا يمكن لأحد أن يتجول بين المخيمين للذهاب الى الطبيب وذلك لأسباب أمنية التي بلغنا بها من قبل القوات الامريكية، ومن شيوخ المنطقة، وكان السبب أن المنطقه غير مأمونة ليلا وكل من يتجول بعد الساعة الثانية عشرة ليلا يتم اعتقاله. وعلى ذكر الإعتقال حدثت أمور كثيرة مع أبناء المخيم، وتم بين الحين والآخر اعتقال أكثر من شاب لأسباب مبهمة وغير مفهومة، ومورس بحق هؤلاء الشباب أبشع انواع التعذيب الجسدي، وقذفهم بأقذر العبارات السيئة. اشتباك بين الاهالي والشرطة ومن الأحداث التي لن ننساها. في تاريخ 13/2/2007 تم الهجوم على المخيم من قبل أفراد الشرطة التابعة لمركز الوليد وذلك بحجة اعتقال أحد الشبان الذين يعيشون في المخيم، وحين قدوم السيد قصي للإستفسار عن الأمر تم اعتقاله وبدون سبب، وحينها بدأ الناس يشعرون بالاضطهاد وثاروا بوجههم وتمت المواجهة بين الشرطة والأهالي واشتبك الشبان مع الشرطة. والغريب في الأمر بأن أفراد الشرطة وجهوا أسلحتهم على العائلات وأخذوا يطلقون الأعيرة النارية بطريقة عشوائية مما أدى الى حدوث هلع شديد بين الأطفال والنساء، علماً بأنهم أي أفراد الشرطة، اقتحموا خيام العائلات بدون استئذان وانتهكوا حرمة المخيم. وقرر مسؤول المخيم بأن نترك المخيم والتوجه الى الصحراء والبقاء في العراء وفي هذا الوقت حضر ضابط المركز للاعتذار، وكان مجردا من السلاح وجاء بطريقة سلمية ولم يقبل الأهالي منه الاعتذار لأن الإعتداء الذي حدث كان يمس الكرامة والشرف وعلى اثر الزيارة قام بمعاقبة المتسببين في الحادث . تم ابلاغ القوات الأمريكية بما حدث بالتفصيل والملفت للنظر أن القوات الأمريكية قد حاسبتهم في وقتها إلا أن المضايقات استمرت لأيام عدة، وفي نفس الوقت استمرت القوات الأمريكية بمتابعتنا عن كثب لأكثر من 15 يوما والإطمئنان على الحالة الأمنية . وبعد ذلك الحادث بدأت الجهات الأمنية العراقية، وعدد كبير من المسؤولين العراقيين بزيارة المخيم ومنهم مدير منفذ الوليد الحدودي السيد ( العميد نوري ) مع السيد العميد الركن ( صابر ) قائد حرس الحدود والسيد وكيل وزير الداخلية السيد (عدنان الاسدي) كل على حدة، وقاموا بالاطمئنان على أحوالنا وسألونا عن احتياجاتنا وعرضوا علينا العودة الى بغداد وذكروا لنا بأنهم إخواننا وأن الحكومة العراقية ليس لها أي موقف ضد أبناء الشعب الفلسطيني، لقد أفهمناهم بأننا لانشر بأن الحكومة العراقية الحالية مقصرة تجاهنا ولكن مشكلتنا تكمن بأن جهات مجهولة ولا نعلم من هي قد قامت بتصفية أبناء الشعب الفلسطيني داخل بغداد، وعلى أثره أبلغناهم بأنه لم يبق لنا في بغداد لا ممتلكات ولا أموال، ولم يبق عندنا سوى كرامتنا مما يعني أن خط الرجعة مقطوع بالنسبة لنا، ولا رجوع عن هذا القرار وطلبنا منهم تسهيل أمورنا بالخروج من العراق ونحن نشكر الحكومة العراقية لاستضافتنا لمدة 56 عاما وآن الأوان للضيف بأن يستأذن من مضيفه الرحيل وأن هذا يعز علينا كثيرا لأننا نعتبر العراق بلدنا الثاني بعد فلسطين . ومن الطبيعي حين يسمع أي شخص هذه الأحداث التي نذكرها، يقول أن هذه الأحداث طبيعية جداً وتحدث في مثل هذه الظروف ، ولكن المختلف في الأمر بأن تكون الأحداث متتالية يومياً ولا يمر علينا يوم بدون كارثة أو مضايقات والأحداث عندنا مختلفة الألوان والصور . إن هذا المخيم عانى ما عاناه وبشكل مستمر، فمثلا الموظفون القائمون على خدمته لا يتسمون بروح التواضع، بمعنى أن الموظف منهم ليس لديه استعداد لان يتعامل مع الإنسان البسيط بشفافية، والأمثلة كثيرة على ذلك، فمثلاً الطبيب المقيم في المخيم صاحب مزاج بحيث يقوم بإرسال الحالات المرضية حسب العلاقات الشخصية بغض النظر عن خطورة الحالة المرضية التي يعاني منها الأشخاص فمثلا ترسل سيدة مع طفلها الى بغداد لمعالجة اللوزتين وتتحمل منظمة الـ ICS المصاريف وأجور النقل وكافة المستلزمات لأكثر من شهر ونصف على عكس ما قيل لأحد المرضى الذي كان ولا يزال يعاني من الآلام في قدمه فقيل له انتظر لحين استفحال المرض وتصبح قدمك في حالة سيئة جدا لكي أستطيع أن أرسلك الى بلدة القائم . تصور وقع هذا الكلام على المريض حين يجد أن الحالة الانسانية مفقودة وأن العلاقات الشخصية هي التي تسود المخيم. قدمت العائلات الشكاوي لأكثر من مسؤول وذهبت مجموعة تمثل المخيم واصطحبت معها السيد قصي ليمثلها وحين واجه الطبيب بكل هذا كان جوابه بأنه يتمتع بحصانة وأنه حر التصرف وعلى كل من يريد أن يشتكي فليتقدم بذلك، وقال: أنا أعطيه الورقة والقلم وأثبت عليها توقيعي (الطبيب)، لأن هذا لا يؤثر علي قيد شعرة وأنا حر بكل تصرفاتي والطريف بالموضوع أن اللاجئين حين يشتكون للجان يذهبون اليه ويحاورونه في ذلك فيظهر لهم دائماً في ثوب الحمل الوديع والملاك الطاهر، وأيضا نكرر لكم بأن الجواب المتكرر الذي حصل عليه هو أن هؤلاء الأشخاص مصابون بـ (شيزوفرينيا ). لقد كرهنا هذه الكلمة وأصبحنا نتمنى بأن تحذف من القاموس، وأصبحت مشكلة حقيقية بالنسبة لنا ، لأنها العذر الوحيد الذي يمتلكه هذا الطبيب، والمشكلة الأكبر أننا لا نجد البديل وإن وجد فإنه يتمثل بعيادة الصيدلاني سعيد، وهذا يعني أنه يجب أن تدفع النقود للعلاج، والحمد لله الجميع هنا لا يمتلكون النقود . معاناة بعد معاناة والأمر لا ينتهي والكل يقف موقف المتفرج، الوعود كثيرة والإنتظار ممل وأصبحت الحالة النفسية لا تطاق بسبب الإنتظار هل فقدت الرحمة من قلوب المسلمين؟ وهل فقدت الإنسانية فينا؟ هل يكون الغريب أحن علينا من أبناء جلدتنا؟ نكاد لا نصدق ما يحدث لنا . حدثت في المخيم ثلاث وفيات وذكرنا سابقاً إحداها وسنذكر لكم الحالتين الآخريين : الاولى كانت لمسؤول المخيم في حينه المرحوم (علي حسين خميس) البالغ من العمر 60 عاما الذي توفي بسبب الإرهاق الشديد مما ادى الى إصابته بنوبه قلبية مفاجئة، ووفاة طفلة تبلغ من العمر 7 اشهر الطفلة (ريتاج عمر) في ظروف غامضة ولم يستطع الطبيب تحديد سبب الوفاة ، كنا عاجزين تماما في الحالتين عن كيفية وطريقة الدفن ولولا مساعدة أهالي القرية في ذلك لما استطعنا التصرف، وفي حينها كان الحل الوحيد أمامنا دفنهم في داخل المخيم وحمدنا الله على ذلك ونشكر من شارك في دفن أمواتنا ( أهالي القرية ). لم تتوقف معاناتنا عند الطبيب فقط ولكن موظف الـ ICS لم يكن ذا كفاءة كافية وإدراك كامل فطلب تعيين موظف جديد ليعينه على عمله، وعلى عكس ما كنا نتوقع حين حضر الى المخيم السيد (ياسر سليمان) الموظف الجديد أصبح الوضع أسوأ بكثير عن السابق بحيث أصبح الطبيب والموظفان التابعان للـ ICS مركزين كل أعمالهم على المخيم الثاني فقط وتقريبا أهمل اكثر من 350 شخصاً من المخيم الأول وسنحدد ذلك بنقاط: 1- يكون هناك اختلاف في مواعيد التوزيع بالنسبة للمجموعتين وتكون فترة التأخير بين المجموعة الاولى والمجموعة الثانية أكثر من 5 أيام مع العلم بأن المواد متوفرة مما يؤدي الى تلف بعض المواد مثل الخضراوات. 2- حين يكون التوزيع غير عادل ويحدث عجز في المواد فمن الطبيعي أن تتحمل المجموعة الاولى هذا النقص على عكس ما يستلمه أعضاء المجموعة الثانية. 3- إهمال المجموعة الاولى من المخيم من قبلهم ويكاد حضورهم أن يكون نادراً ولأوقات قصيرة جداً. 4- استلم أهالي المجموعة الثانية أكياس نفايات و لم تستلم المجموعة الاولى مع العلم بأنها مخصصة للجميع بدون استثناء. 5- يتعاملون بأسلوب التكتلات والعلاقات الشخصية فهذه الفئة المفضلة في المخيم. حين تم الإتفاق على تسييج المخيم ودمج الجميع فيه اقتصر تسجيل العمال من المجموعة الثانية فقط بدون علم المجموعة الاولى، واحتكروا العمل وكأن المجموعة الاولى لا تحتاج الى المال، نحن نعجب لماذا توجد هذه العنصرية ونود أن نعرف ما هو التفسير لهذه التصرفات الغير مسؤولة علماً بأن توفير العمل لأي شخص بالمخيم يعني استمرار الحياة لأن أغلب الموجودين أصحاب أسر وتوجد لديهم مجموعة كبيرة من الأطفال، والكل يعلم ماذا تشتهي نفس الطفل من حلويات أو العاب بسيطة، ومن الصعب على رب الأسرة أن يجد نفسه عاجزاً عن تقديم أبسط ما يطلبه الطفل لأن الطفل لا يدرك كل هذه الأحداث ولا يجد لأبيه أي عذر . لقد شرحنا الجزء اليسير جداً من معاناتنا التي تكاد لا تنتهي، وقد أثقلنا عليكم كثيراً بسماعكم أخبارنا ولكن هذه هي الحقيقة المرة عسى ولعل أن تتحرك الضمائر لنجدة أطفال رضع وشيوخ ركع موحدين لله مؤمنين به وراضين بقدره ولا تنسوا حديث سيد الأنام محمد (ص) في قوله الشريف المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً . صدمة نفسية إن من الصدمات النفسية التي صدمنا بها حين زارنا السيد (أيرنيه) ممثل الصليب الاحمر طرحت عليه بعض الأسئلة عن خروجنا من العراق وعن أي دولة لديها الإمكانية لاستقبالنا عندهم، كان الرد كالصاعقة بالنسبة لنا بحيث أبلغنا المذكور بأن الدول العربية قاطبة لا ترغب في استضافتنا، او حتى فتح أي موضوع بخصوص الفلسطينيين العالقين على الحدود وذكر لنا حالة أصبنا بعد سماعنا إياها بالدهشة والإستغراب . قيل لنا بأن دولتين من امريكا الجنوبية ( البرازيل وتشيلي ) وافقتا علي استقبال واستضافة 150 لاجئا لكل من الدولتين، والمعوق الوحيد لهذا الموضوع كان سببه ( السفير الفلسطيني الدائم في الامم المتحدة ) الذي قال بأننا لو ذهبنا الى البرازيل أو تشيلي فسوف ينسى الشعب الفلسطيني قضيته. وأود أن أوجه سؤالي الى حضرة السفير المحترم هل تعتقد أن وجودنا في الصحراء وتحمل كل هذه المصاعب هو السبيل الوحيد لتذكيرنا بقضيتنا ؟ سنجيب بالنيابة عن أهالي المخيم . نحن لم ننس قضيتنا لا من قبل ولا من بعد، ولا يحدد ولاؤنا لقضيتنا الزمان والمكان، لأن الأقصى يبقى في ضمائرنا حتى الممات ما هي الحكمة التي استندت عليها السلطة في إبقائنا بهذا الوضع وإهمالنا بهذه الطريقة البشعة؟ كنا نفتخر حين قامت الإنتفاضة التي علمت الانسانية جميعا بأن المواطن الفلسطيني يستحيل عليه أن يتنازل عن كرامته، وأوقف الفلسطيني أبشع آلة عسكرية وأعتاها في العالم، وعندها شعرنا بأن كوننا فلسطينيين مصدر فخر لنا على مدى الدهور، أما بعد ما أصابنا من تهجير وخطف واضطهاد وانتهاك للحرمات والقتل على الهوية وكان الموقف الذي يمثل السلطة الفلسطينية خالياً من كل اجراء عملي يوازي ما نحن فيه، منذ متى يكون للسلطة الفلسطينية الحق لتحديد مصير فلسطينيي العراق حيث أنها في السنين السابقة لم تسأل عن هذه الجالية لا من بعيد ولا من قريب، وخير مثال على ذلك أنهم لم يشركونا في عملية الإنتخاب ولم يؤخذ رأينا في أي موضوع يخص المصير. لا نتصور أن القرارات التي تعتبر مسؤولة وفيها مصلحتنا قد اتخذت على الوجه الأكمل بالنسبة لفلسطينيي العراق. نرجو منكم إن لم تستطيعوا مساعدتنا ويتعذر عليكم ذلك، ونحن نلتمس لكم العذر بسبب المشاكل الداخلية والإنقسامات التي تعانون منها بسبب التنازع على السلطة ونسيانكم لأبناء شعبكم في هذه الفترة عدم تعطيل خروجنا من العراق، نود أن نذكركم بأن أبناء شعبكم يواجهون مشروع إبادة جماعية فنرجو أن تستثنونا من المواقف السياسية وعدم تسييس قضيتنا. نحن نعتز بعروبتنا ونفتخر بقياداتنا فنرجو منكم أن لا تخذلونا. إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابة الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (قالوا إنا كنا مستضعفين في الأرض، قال أو لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟) صدق الله العظيم. اقتدوا بكتاب الله ولاتمنعوا أمره ونعتذر عن هذا الأسلوب الذي لا يخلو من الخشونة ولكن الوضع الذي نعيشه اضطرنا الى ذلك ونكرر أسفنا. المناشدة نناشد كل من يحترم الإنسان ويحترم حقوق الإنسان في العيش، نناشد من خلالكم كل شريف، نناشد كل من يهمه الأمر في هذا العالم أن كل ما ذكرناه أعلاه ليس ضرباً من ضروب الخيال بل هو حقيقة وحقيقة مرة ووصمة عار على كل من يكون قادراً على مساعدة هذه الفئة من شعبكم وأبناء جلدتكم وأخوانكم في الإسلام ويبخل بذلك. أصبحنا نستجدي عطفكم لكي تلتفتوا الى مجموعة من المسلمين الذين يعانون من كل هذه الظروف الصعبة ويذوقون الموت في كل لحظة، متى؟ من المفروض أننا دعاة سلام وديننا يدعو الى التراحم ودفع البلاء عن المنكوبين، نتحدى أيا منكم أن يستطيع العيش في هذا المكان لمدة 3 أيام متتالية ولكننا لا نملك سوى أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل ونقتدي بسيدنا الرسول الأعظم محمد ( ص ). ( اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس الى من تكلني الـى عدو يتجهمني أم الى قريب ملكته أمــــري اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي غير أن عــــــــافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمـــــات أن يحل بي غضبك أو أن ينزل بي سخطك ولك العقبى حــــتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك) كتب هذا التقرير بإشراف مسؤول مخيم الوليد السيد (قصي محمد صالح) وشارك في الاعداد: عبد الله الطنطوري و نديم ابراهيم محمود جريدة القدس العربي |
الساعة الآن 06 : 12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية