منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة / خيري حمدان (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=281)
-   -   اللحظة الأخرى (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=6635)

خيري حمدان 05 / 09 / 2008 30 : 07 PM

اللحظة الأخرى
 
[frame="5 98"]
ما أن صَعِدتَ إلى الطائرة حتى نظرت إلى الخلف مطوّلاً.
إلى متى هذا الضياع؟، لقد سئمت الفنادق والحياة المعلّبة في حقيبة وبطاقة سفر. أنا غير قادر عن البحث عن الأصدِقاء طِوالَ الوقت. أحتاج البقاء على اليابسة مدّة أطول من الزمن، حيث ترتاح حدقتيّ عينيّ وأتوه في حوار ومحادثات تكاد لا تنتهي. الطائرة تبدو كسجنٍ طائر يقطع المسافات نحو مدن تبدو أحياناً دون وجه أو سِمَة واضحة.
- هل هي المرّة الأولى التي تطير بها؟ سألني جاري في المقعد الضيّق.
- بل ربّما تكون الأخيرة.
شعر بأنّي لا أرغب بمتابعة الحديث أكثر من ذلك. تذكرت آخر وجهٍ تركته عند محطّة الحافلات عندما ودّعني قائلاً:
- والآن إلى أين يا صديقي؟
يا له من سؤال كان قد خيّرني العمرَ كلّه وما يزال. للمرّة الأولى خَطَرَ هاجس الموت إلى مخيّلتي. يشعر كبار السنّ برغبة كبيرة في الموت، بعد أن يمضي معظمُ رِفاق العمر إلى الأبديّة.
فاجأني مطرٌ كثيفٌ في المدينة، وهناك سكرتيرة جميلة وشابّة، تحمل لائحة مكتوبٌ عليها اسمي. كانت مبتسمة وفائقة الجمال. مضيت نحوها ونسيت تلك اللحظة جميع أوهامي ومخاوفي. لعنت الشياطين التي كانت تحلّق معي في الفضاء.
- اسمي أنّا والعربة في الانتظار.
انطلقنا إلى الفندق بسرعة، كان هناك وجبة طعام ساخنة في ركنٍ هادئ من المطعم.
- أنا بحاجة للنوم يا أنّا، والطعام فيما بعد.

انتهت المحاضرة التي ألقيتها في الجامعة، وكنت أتمنّى أن لا أكَوِّنْ صداقات حميمة جديدة. لا أدري لماذا يقتلني الشوق دائماً. بعد ساعاتٍ معدودة أخرى سأمضي في طريقي إلى الفندق، ومع صباح اليوم التالي سأقلِعُ مجدّداً إلى عالمٍ آخر.
الأدب هو مواضيع محاضراتي، لهذا أترك جزءاً من روحي أينما حاضرت. أجد أعين الحضور من الطلاب أمامي تبحث عن حقائق وخبايا قد يصادفونها خلال كلماتي وأفكاري. كثيراً ما أخرج عن فحوى الموضوع وأبدأ دَلْقَ روحي اتّجاه الحضور. عندها يبدأ حِوارٌ لا ينتهي، وغالباً ما تستمرّ المحاضرة بعد انتهاءها رسمّاًً. قالت:
- خُذْني في حديثك إلى آخر الدنيا. أجبتها:
- أنا ذاهبٌ إلى آخر الدنيا.
- لماذا تنتهي اللحظات الجميلة على عجل.
- فَرَضاً تزّوجتك وأخذتك إلى عالمي الخاصّ والمهدور بين المدائن، ومضى قطارُ العمر يلهث آكلاً ما تبقّى من سنوات العمر. ويأتي الأولاد وننشغل في همومهم التي لا تنتهي. ألا تخشين يوماً أن تضيعَ هذه اللحظة في لجّة الحياة.
- نسيت الأحفاد والشعر الأبيض الذي سيهاجم أصل شعري. لكنّي سأصبغ شعري وسأبقى في نظرك هذه الذكرى التي نعيشها اللحظة.
- هل هذا جزءٌ من المحاضرة، أم أنّك تحلُمُ بصوتٍ مرتفع؟.

صمتت الطالبة ونظرت إلى الأوراق بين يديّ.
- أترك لي بعض هذه الأوراق. أخشى أن تكون هذه اللحظة كاذبة. أقرصني أرجوك، قبّلني، اشتمني، راوغ مشاعري، لا تتركني على حافة عالمك.
- أكره لحظة الفراق والوداع. أمضيت سنيّ حياتي في الوداع سيّدتي.
- وأنا لم أغادر هذه المدينة يوماً، دَعْني أتوه بين مدائنك على طريقتي.

عادة ما أقضي في محطّاتي وَقتاً أطول. أمضيت في هذه المدينة وَقْتاً قصيراً للغاية. ولكن حين أعود بذاكرتي إلى هذا اليوم، أشكر يدَ القدر التي رَمَتني إلى هذه المدينة. إنّها المدينة التي وَلِدَت في أحضانها وحدائقها وعتبات مدارسها وجامعتها زوجتي وأمّ أطفالي. سألتها قبل أيامٍ عن تلك اللحظة اليتيمة من عمر التاريخ. شاهدت الدمع يسيل من عينيها.
- إنّها اللحظة التي لا تتكرّر مرّة أخرى خلال مشوار العمر القصير الطويل، تعالً إلى أحضاني أيّها العجوز.

[/frame]

نصيرة تختوخ 06 / 09 / 2008 47 : 01 PM

رد: اللحظة الأخرى
 
[frame="10 98"]
متعة ترافق تنقل نظراتي بين سطورك، كلماتك تجر رموشي جرا فيغازلها دفأ إنساني بين السطور وتشابه بين مخلوقات الكون التي تبحث دوما عن العش و المستقر و الرفيق. تصل عيوني لآخر كلمة أجد المسافر صار عجوزا لكن ليس كعجوز همنجواي وحيدا مع صيده وبحره بل عجوزا في حضن امرأة قبلت التضحية والتحدي.
كل تشجيعاتي و متمنياتي الحلوة لك أستاذ خيري .
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...sea_petrov.jpghttp://www.gmu.edu/library/specialco.../manandsea.jpg
[/frame]

رشيد الميموني 06 / 09 / 2008 35 : 02 PM

رد: اللحظة الأخرى
 
أخي الأستاذ خيري..
معين لا ينضب من الإبداع .. خلت نفسي ألمح عمرا يمر كالبرق .. لكني عشته بكل كياني .. وغصت في ردهاته الممتعة ابتداء من الرحلة الأولى .. تعرف أخي خيري ؟ كثيرون هم من يعطون لخريف العمر ذاك البريق الباهت و الموغل في الكآبة .. لكنك استطعت أن تبين أن لكل عمر جماله و روعته .. وأن غزو الشيب للمفرق لا يعني أن الحياة فقدت بهجتها .. ربما كانت الذكريات وهي ترصع العمرالخريفي تزيد الحياة تألقا وتوهجا ..
شكرا أخي .. ولك مني كل الحب و التقدير .

سلوى حماد 06 / 09 / 2008 23 : 03 PM

رد: اللحظة الأخرى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خيري حمدان (المشاركة 22024)
[frame="5 98"]


صمتت الطالبة ونظرت إلى الأوراق بين يديّ.
- أترك لي بعض هذه الأوراق. أخشى أن تكون هذه اللحظة كاذبة. أقرصني أرجوك، قبّلني، اشتمني، راوغ مشاعري، لا تتركني على حافة عالمك.
- أكره لحظة الفراق والوداع. أمضيت سنيّ حياتي في الوداع سيّدتي.
- وأنا لم أغادر هذه المدينة يوماً، دَعْني أتوه بين مدائنك على طريقتي.

[/frame]

الأخ العزيز خيري
رائعة اخرى من روائعك ،
انتشيت برائحة الحب التى تبلل كلماتك، وفرحت لإقتناص ابطال القصة اللحظة ، لحظة كانت المشاعر في أوج صدقها
لا عمر للحب ، لا توقيت ولا حدود، عندما يطرق باب القلب تخر كل الأبواب الموصدة صرعى
بكل صدق لقد تسللت كلماتك الي بشفافية كبيرة ، واستمتعت بشموخ حرفك المغمس في دفء روحك

اشكرك على احترام ذائقتنا التى تعشق هذا الجمال،

بكل الود،

سلوى حماد

خيري حمدان 08 / 09 / 2008 08 : 01 AM

رد: اللحظة الأخرى
 
[frame="1 98"]

العزيزة نصيرة
ها أنت مرّة أخرى تضعين اسمي إلى جانب العظماء من أهل الأدب.
هذا تشجيع كبير لي، ولا أدري بماذا أجيب. أشعر أنّك دائماظص قريبة إلى القلب.
أشكرك على حضورك الدافئ ودمت بمحبّة
[/frame]

خيري حمدان 08 / 09 / 2008 14 : 01 AM

رد: اللحظة الأخرى
 
[frame="1 98"]

أخي العزيز رشيد
طالما أرّقني مفهوم الزمن ونحن جزء صغير يكاد لا يذكر في عالمه الواسع.
اللحظة هي الأهمّ، ربّما لضآلتها وقصر وهجها.
علينا أن نقتصها من أجل ذاتنا ومن أجل استمرار الذكرى كذلك.
دمت بمحبّة
[/frame]

خيري حمدان 08 / 09 / 2008 19 : 01 AM

رد: اللحظة الأخرى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلوى حماد (المشاركة 22073)
الأخ العزيز خيري
رائعة اخرى من روائعك ،
انتشيت برائحة الحب التى تبلل كلماتك، وفرحت لإقتناص ابطال القصة اللحظة ، لحظة كانت المشاعر في أوج صدقها
لا عمر للحب ، لا توقيت ولا حدود، عندما يطرق باب القلب تخر كل الأبواب الموصدة صرعى
بكل صدق لقد تسللت كلماتك الي بشفافية كبيرة ، واستمتعت بشموخ حرفك المغمس في دفء روحك

اشكرك على احترام ذائقتنا التى تعشق هذا الجمال،

بكل الود،

سلوى حماد

[frame="1 98"]
لا عمر للحب يا سلوى المبدعة.
وتبقى اللحظة تؤرّق كلّ إنسان يبحث عن الحقيقة وسط مشاغل الحياة التي لا تنتهي.
ربّما تهنا خلال بحثنا عن الحدود، ولكن هذا أمر طبيعيّ.
لنتمتّع بنعمة الضياع وهذا مفيد أحياناً.
شكراً لهذا التوصل.
دمت بمحبّة
[/frame]

جُمان يوسف 08 / 09 / 2008 15 : 04 AM

رد: اللحظة الأخرى
 
[align=center]



القاص والأديب السيد خيري حمدان

لست مؤهلة لأن ابدي برأي في كتابات قاص مبدع مثل حضرتك .. ولكني اكتفي بتسجيل حضور خجول بحضرة كتاباتك
مع متابعتي المتسارعة لسنين مرت كالبرق في دقائق قراءتي لقصتك هنا



لا نريد من هذا العمر اكثر من لحظة نعيشها وتعيشنا .. فلا يمر العمر سدى بدون ذكرى حقيقية نعيشها بعذوبة كلما مرت بخاطرنا





كل الأحترام لقلمك

دُمت مبدعاً رغم انف كل شئ



تحياتي
[/align]

ناهد شما 08 / 09 / 2008 57 : 04 AM

رد: اللحظة الأخرى
 

الأستاذ خيري / حفظك الله
أولاً الحمد لله على سلامتك إن شاء الله تكون إجازتك موفقة
وربما جاء ذلك متأخراً المهم أنك نورت المنتدى بطلتك
نعم كما قالت الأستاذة سلوى ليس هناك عمر للحب ولا وقت ولا مكان
ولكن عندما يدق القلب تُفتح كل الشرايين لاستقبال الحبيب
ليس غريب عليك هذا الإبداع الجميل
هنيئاً لجمال الموضوع وهذا الوهج المضيء
فشكراً على عذوبة ترانيم هذه القصة الرائعة
دمت بتألق

خيري حمدان 26 / 10 / 2008 09 : 04 PM

رد: اللحظة الأخرى
 
[frame="1 98"]

الأديبة جُمان يوسف
يجب ان تجدي دائماً القدرة على قراءة النصّ وما بعده كذلك دون خجل أو وجل.
شكراً لحضورم وأعتذر عن التأخر بالرد
محبتي
[/frame]


الساعة الآن 20 : 05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية