منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   العربات تصعد إلى الأسفل (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=6646)

طلعت سقيرق 06 / 09 / 2008 43 : 01 AM

العربات تصعد إلى الأسفل
 
[align=justify]
قالت بتوجس وريبة وهي تدلق وجهها بين يديها : الجدران تهتز كلما عوت الريح !!.. يا سيدي أحيانا أشعر بضيق شديد في التنفس ، خاصة عندما أفكر بانهيار جدار ما .. تصور سنكون مكشوفين تماما .. يا الله الصورة مرعبة .. أتسمع ؟؟.. أم أنك كالعادة لا تريد أن ترى أو تسمع ؟؟!!..
أرادت أن تقوم إلى المطبخ لتحضر سكينا وبرتقالة .. حدقت في المسافة المعتمة وتنهدت .. قالت : ليتك تذهب وتحضر لي سكينا وبرتقالة .. !!.. الأصوات القادمة من الشارع تحفر الضلوع .. تحس أحيانا بالبرد ، وأحيانا بالحر .. قال الطبيب مداعبا : مجرد تهيؤات يا سيدتي ، مجرد تهيؤات !!.. غدا إن شاء الله ستكونين مثل الحصان .. / تخيلتْ أن تكون حصانا .. تحب شكل الحصان .. تحب اعتزازه بكرامته !!../ تخيلت الطبيب يقول : يا بنت الحلال وهل للحصان كرامة؟؟.. البشر ضاعت منهم كرامتهم ، فهل تظنين أن يكون للحصان كرامة؟؟.. شعرت لوهلة أن هذا الطبيب يفحصها بشكل مقزز.. يده تحفر في جسدها بغرابة .. تأوهت .. ارتسمت ضحكته على شفتين جافتين.. جحظت عيناه والتمّ صوته في حشرجة غريبة .. أخذ يتحدث عن الدواء .. لم تتوقف يده .. أخذت تراقب يده الأخرى ، شعرت بالغثيان .. تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها.. ما كانت تظن أن تصل الأحوال بها إلى ما هي عليه ؟؟.. قالت بوحشية تخاطبه : " أما كان عليك أن توقف هذا الطبيب الأحمق !!.. غريب أمرك يا نضال ألست زوجتك؟؟.. أتترك هذا الغريب يغتال جسدي بشكل مقرف ؟؟.. متى كنت كذلك يا رجل؟؟.. أنت الذي كانوا يحسبون له ألف حساب ، تقف هكذا أمام طبيب لا يساوي شيئا ؟؟.. من أين أتيت به ؟؟.. شعرتْ أن الهواء يقل في الغرفة .. وبشيء من الهدوء والتردد أخذت تطوي الفراش .. / ذات يوم قال لها : " وحدك تعرفين من هو نضال .. حتى إذا أنكر الجميع، فأنت تعرفين .. كم احبك.. هل عذبوك كثيرا .. الكلاب لم يتركوا شبرا في جسدي إلا وأحرقوه .. وها أنت تذوقين الويل لأنك امرأتي .. أكره كل شيء يا غادة .. الكلاب تنبح والضوء يختبئ ".. يومها لا تعرف ماذا قالت له ، كان مسكونا بالغضب والألم .. اختلطت الأشياء في عالمه.. لأول مره تراه يضرب الجدار برأسه وقبضته ويسقط على الأرض مبللا بدموعه ودمه .. قامت إليه وأخذته إلى صدرها " أنت حبيبي وطفلي وسيدي .. لا تبكي يا نضال.. الخيول الأصيلة لا تبكي .. الجبال لا تذرف الدموع ".. في صدرها حمم من حر أنفاسه .. تمنت أن تقضي على كل واحد منهم .. الآلام في جسدها لا تطاق .. الشياطين مزقوا لحمها .. لم يسلم إلا عقلها ، رغم أنهم قالوا إنها جنت!!.. ما استطاعت أن تقول له كل شيء ..
الرعب بوابة إلى الجحيم وأنا مسكونة حتى العظم بالخوف .. كنت – أعترف لك بصدق أنني كنت – المرأة التي تجمع شجاعة العالم في صدرها .. كانوا يخافون من مجرد النظر إليّ .. علمتهم كيف يحترمون خطواتي على الرصيف .. لكن أتدري يا سيدي ، لا شيء تبقى .. أخذوا العمر مني ، فتحت عيني فوجدت السنوات ورائي.. تصور أن تسقط فجأة في الغد البعيد ولا تدري كيف .. يا نضال غادتك ما عادت إلا بقايا امرأة .. وحدك في العالم من يعتقد أن هناك الكثير من الجمال في جسدي .. أتحداك أن تضمني إليك .. أتحداك أن تأخذني إلى صدرك وتطويني كحمامة كما كنت تفعل دائما .. لا تخف سأتحمل آلام جراحي .. لن يكسرني الوجع .. سأترك ضلوعي تصرخ بصمت .. لكنك لن تحتمل النظر إلى أي مكان في جسدي .. أتحداك ..
حبة دواء واحدة وتضيع كل الطرق .. الطبيب أكد ضرورة أن تأخذ حبة واحدة كل يوم... قالت له : أشعر بعد ابتلاعها بأن البيوت تمشي ، الشوارع تضيع .. قال:"الدواء دواء يا سيدتي .. لن تتخلصي من المرض ما لم تأخذي حبة كل يوم".. طوقها بذراعين قصيرتين .. قالت : وحده نضال يعرف تضاريس هذا الجسد ، وحده .. أكره الاغتصاب، رغم ذلك كل شيء يغتصب !!.. اهتزت الجدران وعوت الريح .. قالت : اسمع يا نضال من حقك أن تغضب .. من حقك أن تقول أي شيء .. صمتك موجع .. ليتك تبكي، تنوح ..افعل شيئا ولا تبقى هكذا دون حراك .. اشتمني إن شئت .. اضربني.. / الكلاب ضربوني حتى تفتت اللحم .. صرخت أريد أن أذهب إلى المرحاض .. قالوا أنت مرحاض نفسك فافعليها هنا .. وفعلت .. اختلطت الألوان والأشكال والمسافات .. خرجتُ امرأة منتهكة ..لم يسلم غير عقلي .. رغم أنهم قالوا إنني مجنونة !!.. .. أتمنى أن أشم رائحة أنفاسك ، أريد أن أطرد العفن من رئتي .. خذني إليك ، فالجوع يا سيدي كافر ..
البخار المتصاعد من كأس الشاي يرسم أفقا غامضا لا تعرف كنهه .. ودخان السيجارة يتلوى مطحونا جريحا .. التعب ينهش العظام واللحم معا .. كانت تعي تماما أن هذا الطبيب يعاني من أشياء كثيرة تغتال نفسيته .. وإلا!!.. وحده نضال يحق له أن يفسر لها كيف تسير هذه الدنيا العجيبة .. كانت تظن أن الرجال يحترمون كل امرأة تعطي للوطن ما أعطت .. ضحكت بمرارة .. يبدو أننا مشوهون من الداخل وليس هناك أي دواء يمكن أن يخفف تشوهاتنا .. لأول مرة تتعرى هكذا أمام المرآة وتحدق طويلا في جسدها .. هل تبقى شيء ؟؟.. الحروق والأخاديد المقرفة تمتد من الرقبة إلى القدم..كأنهم كانوا يترنمون ويسكرون بتعذيب جسدها .. وبشكل لا تعرف كيف تصفه كانوا يمارسون كل شيء مع هذا الجسد المختنق بأعقاب سجائرهم وبأنفاسهم وركلاتهم .. لم يتركوا شيئا إلا واستعملوه .. كانت خارج جسدها تماما .. تبكي تئن تصرخ .. وكانت ضحكاتهم تتلوى مثل شيطان .. أحدهم ضغط على صدرها حتى شعرت أن روحها تخرج من هناك .. دعته سعادته لأن يدعو الآخر لفعل ما فعل .. وجنّ جنونها من جديد .. كانوا ذئابا على شكل بشر .. ربما كانت الذئاب أرحم بكثير!!.. نادت الموت مرات ومرات ، لكنه كان بعيدا عنها كل البعد .. وعندما خرجت من سجنهم كانت بقية إنسان ، بقية شيء لا معنى له .. وحده هذا الطبيب المريض كان يداويها وينتهك عمرها ، أو ما تبقى منه !!..
قالت وهي تركع أمام السرير :" أتدري يا نضال خفت أن أرحل عن هذه الدنيا قبل أن أراك .. وحدك تعرف من هي غادة !!.. أرجوك يا نضال قل شيئا ".. وضعت وجهها بين يديها وأخذت تبكي بحرقة .. " أرجوك قل أي شيء "..؟؟..
ظل النور الضعيف المتسلل إلى الغرفة يتلفت باندهاش باحثا عن نضال والسرير أو أي شيء آخر ذكرته في حديثها.... كانت الغرفة خالية تماما .... لم يكن هناك غير امرأة تجلس على حصيرة قديمة متهالكة .. وربما ..إضافة إلى ذلك، كان هناك شيء من ظلال مكسورة لا معنى لها.. وغير ذلك لم يكن هناك أيّ شيء على الإطلاق!!.

[/align]

عبداللطيف أحمد فؤاد 12 / 09 / 2008 09 : 06 PM

رد: العربات تصعد إلى الأسفل
 
شكرا لك على القصة التى تمتلئ بالمحسنات البديعية الخلابة

طلعت سقيرق 13 / 09 / 2008 10 : 01 AM

رد: العربات تصعد إلى الأسفل
 
[align=justify]
الأديب عبد اللطيف أحمد فؤاد
تحياتي
شكرا لمرورك يا عزيزي
أتمنى لك دائما العطاء الجميل
[/align]


الساعة الآن 43 : 03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية