![]() |
البناء اللغوي والوزني
[align=justify]
من جميل ما قرأته زاوية للشاعر اللبناني المعروف جورج جرداق يتحدث فيها عن المعنى والمبنى والوزن في بيت الشعر العربي.. إذ يرى أن رفع حرف واحد من البيت، يقلب الوزن رأساً على عقب، ويجعل الكلمات التي كانت من بحر له قواعده وضوابطه وأبعاده، مختلة الروح والخطوات، وكأنها لم تعد تلك الكلمات التي كانت.. وطبيعي أن كل أذن تعودت الصفاء والجمال والرونق، ستقف متسائلة حين تسمع بيتاً من الشعر قد اختل فيه الوزن، واضطرب الضبط، وتلوى الإيقاع، وضاعت ملامح النظام.. كل ذلك جراء رفع حرف، ليس إلا.. وباعتقادي أن الشاعر جرداق كان سيمضي في القول أكثر، لو أنه تحدث عن زيادة حرف.. فهنا سيخرج البيت وكأنه يحمل مالا طاقة به على حمله.. ولن يتوقف صاحب الخبرة طويلاً، حين تقدم له بيتاً كهذا، إذ سيصرخ من قحف الرأس، هذا البيت يحمل خللاً وأي خلل؟؟!!.. والشاعر جرداق في جميل حديثه، يرى أن تغيير حرف يقيم القيامة ولا يقعدها.. لأن اللغة جسد متكامل لايقبل التشويه والتزييف.. وإذا كان تغيير الحرف لايغير وزن البيت، إذ يبقي تفعيلات البحر على حالها، فإنه دون ريب ينسف المعنى العميق والدلالة والبعد.. وإذا كانت الأذن لاتأبى السماع وزناً، لأن الإيقاع العروضي مازال، فإنها ترفضه معنى، لأن الجسم الذي كان صحيحاً معافى قد خالطه شيء من مرض، واعتراه شيء من خلل..!!.. أيمكن أن يفعل حرف واحد كل ذلك؟؟ أرى ببساطة أن نعم.. فليس سهلاً أن تغير حرفاً دون أن تحدث انحرافاً.. ومن يتعمق في اللغة ويدرسها دراسة وعي وفهم ودراية، يرى أن اللغة العربية لاتقبل غير السلامة منهجاً، والسلاسة منطقاً، والتماسك مبدأ.. وكل محاولة، صغرت أو كبرت، لكسر الصحيح، وحرف المستقيم، تجعل اللغة تصرخ وتستصرخ، وتكاد تئن.. ولاعجب أن تكون اللغة العربية ذات أنفاس ونبض وروح.. إنها تشعر مثلما نشعر، وتحس مثلما نحس، وتطلب الصحة كما نطلبها.. يرى كثيرون، ممن أمسكوا القلم اعتداء وتعدياً، أن لافرق بين الفاعل والمفعول، بين الضمة والفتحة، بين الجر والاجترار.. ومثل هؤلاء أعداء وأي أعداء للغة وأصولها.. فهم ينسفون كل ماهو جميل، ويغيرون كل ماهو رائع متماسك، ويغيرون على اللغة إغارة الساعي إلى التدمير والتحطيم والنسف والبعثرة..!!.. والعجيب الغريب، أن هؤلاء، لايجترئون في أكثر الأحيان، إلا على الشعر، ناسين متجاهلين، أن الشاعر مصدر اللغة وبانيها ومرجعها.. وكم من قاعدة خرجت أو وضعت على أساس شاهد من الشعر..!!.. وحتى لانبقى في الدائرة الضيقة، نرى أن الكاتب، في أي نوع كتب، لايحق له أن يشق عصا الطاعة ليخرج ضد اللغة.. إذ من غير المنطقي، أن ينسى البناء صفات وأبعاد ودلائل المادة التي ترتبط بعمله، وإن فعل، فإنه لايخرج عن كونه بناء فاشلاً بكل المعايير، يسعى، مهما ارتفع البناء وعلا، إلى هدمه وتخريبه منذ اللحظة الأولى.. ولن تفيد كل أنواع الدفاع التي يقدمها، إذ يبقى الأمر مرتبطاً بأنه لايعرف عمله حق المعرفة، ولايتعامل مع مادته بشكل صحيح.. إنه حرف واحد.. وأحياناً حركة.. وفي كثير من الأحيان نقطة أو فاصلة.. كل ذلك يتأثر ويؤثر.. خذ أي بيت من الشعر قديمه وحديثه، وحاول سحب أو إضافة أو تغيير شكل حرف واحد.. سترى أن الأمور لاتستقيم، وأن نسبة الجمال لاتبقى على حالها، وأن الصورة لاتبقى كما كانت.. ولاشك أن ذلك ينطبق على الجملة كما ينطبق على كل ماهو لغوي يسعى إلى الانبناء بشكل صحيح.. ولاأدخل في المعادلة من فقدوا الحس اللغوي وابتعدوا عنه، لأن هؤلاء لايعرفون ولايريدون أن يعرفوا، كونهم قطاع طرق في عالم اللغة، ومثلهم لايؤخذ منهم ولايرجع إليهم..!!.. المساحة كبيرة شاسعة لو أردنا المضي في الحديث عنها.. وكله حديث يريد أن يبقي على جسد اللغة سليماً معافى.. هذا الجسد الذي ينسحب خرابه على كل شيء إن خرب.. ومن لايعتبر ويثق أن حرفاً واحداً يقلب الكثير، فإنه دون شك لايعرف من اللغة شيئاً، وقبل ذلك وبعده، لا يريد أن يعرف.. [/align] |
رد: البناء اللغوي والوزني
[gdwl]
[align=center] معلومات قيمة من أديب ملك الحرف والقلب وشكرا لكَ حبيبى طلعت [/align][/gdwl] |
رد: البناء اللغوي والوزني
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]لاشك أن اللغـة تحتاج لحماية وأنها ليست أداة يعبث بها بل جزء مهما في جمال الشعر والأدب.
بقيت لنا أوراقك بكل ماتحمله من تأملات ووقفات في دروب الأدب نراجع مافيها ونترحم عليك ونقدر حجم عطائك أستاذ طلعت.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: البناء اللغوي والوزني
وليس عيبا على من أخطأ في البناء اللغوي والوزني والنحوي أن يتعلم من الخطأ حتى يصحح مسيرته ويحافظ على أصالة لغته العربية الرائعة...
أما الاصرار على الخطأ وأن هذا الخطأ غير مهم من باب العناد والمكابرة فهذا طريق الفشل والضياع! رحمك الله أستاذ طلعت فعلاً نصائحك غالية وثمينة |
الساعة الآن 11 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية