![]() |
حتى البرتقال الفلسطيني يكره...بقلم: زكريا تامر
في أوائل الأربعينيات، كنت طفلاً يعيش في دمشق، ويحلو له التفرج علي دكاكين بائعي الفواكه التي كانت تمتليء آنذاك بالبرتقال المستورد من فلسطين.. البرتقال اليافاوي والبرتقال الشموطي والبرتقال أبو سرة، وكان البرتقال فاكهتي المفضلة، ولكني كنت في الوقت نفسه محباً لكل أنواع الفاكهة والخضروات إذ كنت أكره اللحم وآكل كل ما هو نباتي حتي أن أمي كانت تقول لأبي: لدينا خروف يصلح لعيد الأضحي، ولن نحتاج إلي شراء خروف آخر .
وكان البرتقال الفلسطيني آنذاك هو سيد البرتقال عصيراً ونكهة ومذاقاً وطعماً ورائحة، ويُقشر بسهولة بأصابع اليدين مثلما تقشر الموزة، ومن غير حاجة إلي السكين، ولم أكن شاذاً في هذا التصرف، بل كنت أتصرف مثل غيري، فالبصل للطهو يُقطّع بالسكين، أما البصلة اليابسة التي ستؤكل نيئة مع الطعام، فتوضع على سطح صلب، وتهوي عليها قبضة قوية لتهرسها بحجة أن السكين تفقدها نكهتها، والشخص الذي يُضبط وهو يقشر سفرجلة ويقطعها بالسكين، يُعامل كأبله. وقد أتيح لي في ما بعد أن آكل برتقالاً متعدد الجنسيات، ولكن البرتقال الفلسطيني ظل هو المفضل، وعندما أقمت في بريطانيا، وجدت أنها تستورد البرتقال من إيطاليا واسبانيا واليونان والمغرب وإسرائيل، وفي يوم أغبر اشتقت إلي برتقال فلسطين، فاشتريت برتقالة إسرائيلية متجاهلاً قوانين المقاطعة العربية للمنتوجات الإسرائيلية، وقلت لنفسي مسوغاً شراهتي غير الوطنية: هذه برتقالة فلسطينية بريئة، نبتت في أرض فلسطينية استولي عليها الإسرائيليون بالقوة ، ولكني لما أكلتها تذمرت كأني كنت آكل الجنرال موفاز، فقد كانت البرتقالة بغير طعم لا تختلف عن الفواكه الأخري التي لها شكل لائق، وليس لها أي طعم أو نكهة، فأحسست بالفرح والشماتة، وبدا لي أن البرتقال الفلسطيني يكره الإسرائيليين أيضاً، وعندما أُرغم علي العطاء لم يعط إلا ما يعبر عن كرهه لهؤلاء الأغراب الذين لا يمتون إليه بصلة، وآكلو لحوم البشر يزعمون أن لحم المأكول الذي يُقتل مهاناً معذباً لا يكون شهياً مثل لحم المأكول الذي يقُتل فجأة وهو يضحك. |
الساعة الآن 20 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية