![]() |
منظمات الأحداث
منظمات الأحداث :
تعني كلمة "الأحداث" لغويا الشباب. وتعني تاريخيا المنظمات العسكرية التي كانت موجودة في المناطق الحضرية , أو بتعبير آخر الجيش الشعبي أو "ميليشيا" المدن. وقد اضطلعت منظمات الأحداث هذه بدور هام في مدن بلاد الشام, وإقليم الجزيرة الفراتية خلال القرن الرابع والقرن الخامس والقرن السادس للهجرة/العاشر والحادي عشر والثاني عشر الميلادي. وكانت معروفة بصورة خاصة في دمشق وحلب والقدس وعكا وعسقلان وطبرية . كان لهذه المنظمات رئيس يسمى"نقيب الأحداث" أو "مقدم الأحداث" وقد سمي "رئيس البلد" أحيانا. وتقوم هذه المنظمات بأعمال الشرطة , فهي مسؤولة بصورة عامة عن النظام العام وضمان الأمن والاستقرار ومكافحة الحرائق وغير ذلك من الخدمات في أوقات السلم . وكانت تقوم أيضا, عند اللزوم, بالدفاع ومساندة الجيش . وكان الأحداث يقبضون مقابل مايؤدونه من خدمات رواتب تؤخذ من الضرائب المفروضة على سكان المدن . وتختلف منظمات الأحداث عن الشرطة من حيث طبيعتها المحلية المرتبطة بالمدينة , كما أنها, على خلاف الشرطة, منظمة ليست رسمية. وربما كان هذا الفارق بالذات هو الذي جعل منظمات الأحداث أكثر أهمية والتصاقا بالمدن من الشرطة. كما جعل عملها مختلفا عن عمل الشرطة في الغالب . كانت منظمات الأحداث في فلسطين مسلحة ومدربة على القتال, ومستعدة في أية ساعة للدفاع عن مدنها. مما جعل الأحداث يكونون معارضة محلية نشطة للسلطة السياسية الأجنبية في المدن الفلسطينية مثل القدس أو عكا أو الرملة . فقد كانت السلطة في الأعم الغالب إما فاطمية وإما سلجوقية وإما صليبية غريبة فيما بعد. ولذا وجد سكان مدن فلسطين في منظمات الأحداث المتنفس السياسي والاجتماعي للتعبير عن موقفهم وطموحهم . وقد لوحظ استمرار ثورة الأحداث , بقيادة رئيسهم أو مقدمهم, على سلطة الأمراء الأجانب المتسلطين , وكانت المنظمة تفرض , في حالة ضعف الحاكم , نوعا من المشاركة في إدارة المدينة. وهكذا تجبر السلطة على الاعتراف برئيس الأحداث رئيسا للبلد , وتكون سلطته شبيهة بسلطة رئيس البلد, وتتعداها في حالات الحرب والدفاع, وقد يعين أحيانا رئيس الأحداث قاضيا على المدينة . وكان الأحداث يتكونون من العامة وجماهير الناس, ويرتبطون بتوجيه بعض المتنفذين من طبقة البورجوازية , أو يتبعون شخصا بارزا من أسرة أو أكثر . لذا لم يمثل الأحداث جميع سكان المدينة أو البلدة , وإنما بعضا منهم . وليس في المصادر العربية معلومات كثيرة تكشف عن أصل منظمة الأحداث وأسباب نشوئها . وليس صحيحا ثابتا ماقاله المستشرق الفرنسي كلود كاهين من أن منظمة الأحداث في بلاد الشام هي امتداد لمنظمة بيزنطية عرفتها الشام في العهد البيزنطي , فليس هناك روايات تاريخية تؤيد ماذهب إليه , كما أن طبيعة منظمة الأحداث والظروف التي نشأت فيها تدل على أنها عربية المولد والأصل , وأنها ولدت لتحل مشاكل المدن الشامية في ظروف سياسية واجتماعية معينة. كانت القبائل العربية في فترة الحكم العباسي لبلاد الشام متمردة على سلطة العاصمة بغداد, مفصلة اللامركزية . ولذلك كانت بلاد الشام مصدر قلق وإزعاج للعباسيين . وشعر سكان المدن في فلسطين خاصة, وبلاد الشام عامة خلال فترة الصراع والتنافس بين السلاجقة والفاطميين , وهما قوتان أجنبيتان , شعروا بفقدان الأمن وعدم الاستقرار . وقد شجع هذا الوضع السياسي والاجتماعي سكان كل مدينة على التجمع المحلي , وبهذا كان نشوء منظمة الأحداث استجابة طبيعية للوضع المتأزم , والصراع المستمر , وفقدان الشعور بالأمان . ولهذا يلاحظ أن موقف منظمات الأحداث كان معارضا للسلطة الأجنبية , سلجوقية كانت أو فاطمية , وكان الأحداث في مدن فلسطين يناصبون دوما التركمان العداوة, بالرغم من أن موقفهم السياسي هذا كان عرضة للتحول تبعا للظروف السياسية , لأنهم لم يكونوا يمثلون دائما جميع سكان المدينة , ولم يدافعوا دوما عن مصلحة أهل المدينة أو العامة , بل ربما اندفعوا للدفاع عن مصالحهم وسلطاتهم التي خلصتهم إياها السلطة الأجنبية المحتلة . وقد بدأت سلطة منظمات الأحداث بالتدهور التدريجي مع إقامة الحكم الفردي السلجوقي في فلسطين والشام . لأن الطبيعة الأوتوقراطية لهذا النظام السلجوقي , بالإضافة إلى إصرار السلاجقة على تعيين الشحنة , أي الشرطة, في كل مدينة , تساعدها حامية من الجيش , أضعف منظمات الأحداث , وأفقدها قوتها , وقطع الطريق أمامها , وبهذا تلاشت وزالت . |
الساعة الآن 23 : 01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية