منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   بين التوراة الحقيقي و السطو على تراث المنطقة ( أبحاث) (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=100)
-   -   تأثير الشعائر الكنعانية على الاسرائيليين وميلاد التوراة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=776)

الباحث أحمد محمود القاسم 07 / 01 / 2008 09 : 06 PM

تأثير الشعائر الكنعانية على الاسرائيليين وميلاد التوراة
 
تأثي الشعائر الكنعانية
على الاسرائيليين وميلاد التوراة
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم

هناك شاهد على تأثير الشعائر الكنعانية على الإسرائيليين حين صاروا حضَرِيين، في مجالات الثقافة التي كان "بعل" يُمَجَّد فيها، ولقد أدان هوشع هذا التيار بقوله: "كلما دَعَوْهُم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم، ويُبَخِّرون للتماثيل المنحوتة". "هوشع 11/2".
لقد تغيَّرت حياة العبرانيين في كنَف الحضارة الكنعانية تغيرًا عميقًا:
1-فهجر هؤلاء -البدو الجُفاة، خيامهم، ليَبْنُوا بيوتًا شبيهة ببيوت الكنعانيين.
2-تركوا جلود الأغنام التي كانوا يكتسوا بها، ليَكْتَسُوا أقمشة الصوف الملوَّنة، ومع ذلك يبقى فارق واحد بين أولئك الذين استقروا في سهول الشمال، وسكنوا المُدُن والقُرى الخصيبة، وبين أبناء الجنوب، الذين عاشوا دهرًا طويلاً على أخلاقيات البدو، ومِن ثَمَّ سوف يكون الاتحاد- قصير الأجل-الذي حقَّقته مِلْكية داود، هو أحد أسباب الانشقاق بعد موت سليمان، وهو الانشقاق الذي وقَع بين الشماليين في إسرائيل، وهم الأكثر غِنًى، وبين الجنوبيين في يهوذا، بما تَبِعَه من عدَاوات و صراعات.
لقد كان لاختلاف ظروف العيش تأثيره على العقليات؛ ففي المُدن والمزارع الحضَرية، كان الكنعانيون يَعْبُدون، منذ زمن طويل، (الإله بعل)، إله الخِصْب والثروة، وإله تَرَف الحياة، أي إنه كان دينًا أرستقراطيًّا، يرتضي التفاوُت العميق بين الأغنياء والفقراء، ولقد صار (يهوه) إله التائهين في الصحراء، الذي يَحْمِي الفقراء.
لَسَوْف نرى كيف أن الأنبياء الأولين، ولا سيما إيلياواليسع، وعاموس- قد ندَّدوا تنديدًا عنيفًا بهذا الفساد، وتلك الثروة وبذلك التعهُّر في الإيمان.
وُجِدت في الجنوب نفسه طوائف تُعَظِّم حياة الرُّعاة القاسِيَة، وتنسب الكمال إلى البطاركة الأحياء في هذه الحياة، مِنْ خلال أقاصيص تدُور حولهم، وتمارس الإيمان بروح التشدُّد، وهم في الوقت نفسه يرفُضون كل ما تُقَدِّمه المُدن من إغراء بالرغَد والعيش الليِّن، وينْسَحِبون إلى الجِبال يَحْيَوْنَ حياة التقشُّف، ولا يختَلِطون بما يقوم به أهل المُدُن من نشاط مُفْسِد، هذا البرنامج الذي يقوم على المُفارَقة الدائمة الثابتة التي تستهدف مقاومة المفاسد، وتكريس الحياة ليهوه وحده، كان برنامج طائفة الريكابيين، كما سوف يكون بعد بِضعة قرون برنامج الرُّهبان الإسينيين، في قمران، وقد قَدَّمت عنهم مخطوطات البحر الميت معلومات مُفَصَّلة.
هذا الموقِف المُتَمَثِّل في ردِّ الفعل ألتطهري الصارم كان يقوَى، بقدْر ما كان الإيمان بيهوه يتعرَّض للخطر، فالعبرانيين، ولا سيما أهل الشمال لم يَقْتَصروا على أن يستعيروا من الكنعانيين نَوْع الحياة، والمُشارَكة في التجارة، بل لقد قلَّدوهم في نظامهم السياسي الملَكي: "اجعل لنا ملكًا يقضي لنا كسائر الشعوب". "صموئيل الأول 8/5".
ولهذا الموقف نتائج دينية؛ لأنه سوف يُفَسِّر المَلَكية على أنها عهد يهوه لداود وأسرته؛ ليجعل من تنظيم أجنبي عقدًا جديدًا من عقود التاريخ المقدَّس.
كذلك نجد المعبَد، وقد بُنِي على طراز أجنبي في تصميمه، وفي زخارفه التي سوف تُنْتَهك تحريم التصاوير بوجودها "الملائكية"، كما عُدِّلت مزامير عديدة طبقًا لأنماط كنعانية، يشهد بذلك نصوص (رأس شمرا)، وجاءت مزامير أخرى مُقَلِّدة أناشيد مصرية "ولاسيما المزمور الرابع بعد المائة" من هنا يُنَدِّد عاموس "5/26" بعبادة الأصنام والنجوم البابلية، ولسوف تدخل في مرحلة مُتَأَخِّرة عبادة الإله العراقي (تموز)، ثم عبادة (عشتار)وفي مرحلة أكثر تأخرًا سوف يُقَدِّمون لإله الشمس أفراسًا مقدسة ومركبات، تبعًا للطريقة الآشورية.
في هذا الجو التلفيقي سوف تُولَد أسفار التوراة، وهو ما عُبِّر عنه في الإغريقية بـ "الأجزاء الخمسة":
"1-التكوين 2-الخروج 3-اللاويين 4-العدد 5-التثنية"
وهي التوراة التي سوف تتحدد طبقًا لتعاليمها الأرثوذوكسية اليهودية.
ظهرت في عهد داود وسليمان الوثائق الأولى المكتوبة، وهي الحوليات التي كتبها مُؤَرِّخو الملوك، الذين ترجع إليهم النصوص الكِتابية، وتعتمد عليهم صراحةً، ويذكر السفر الثاني لصموئيل من بين موظفي داود أحد الكُتَّاب، "صموئيل الثاني 8/17و20/25"
يشير هذا المرجع إلى كاتبيين هما:
سرايا وشيوا، "المترجم"
، ويذكر سِفْر الملوك الأول "4/3" كاتبي سليمان
(هما أليمورف وأخيا ابنا شيشا، "المترجم")
، وفي هذا السفر "11/4" يحيل إلى "سفر أمور سليمان"، وهو ما تضمنت أجزاء منه، أسفار الملوك والأيام.
لقد وُلِد بهذا أدب تاريخي حقيقي، أدب لا يَقْتَصِر على تقرير الأحداث ووصفها، بل يحرص على تحديد معانيها، مِنْ حيث هي أمارات على حُضور الرب، ووحيه، وصنعه، الرب سيد التاريخ الإنساني، "وهذب روح الرب من عند شاول، وبغته روح رديٌّ من قِبَل الرب" "صموئيل الأول 16/14"، وكذلك: "وكان داود يتزايد متعظمًا والرب "يهوه" إله الجنود معه" "صموئيل الثاني 5/10"
رويدًا رويدًا، إذا بمجموعة ضخمة من الروايات الشفهية تتحول لتضم تاريخ العالَم بأكمله، بناءً على تاريخ معاصر، كان واضعوه شهوده، وهي تضم تاريخ العالَم منذ أصل الإنسان، كيما تُبَيِّن أن هذا الاستقرار على أرض فلسطين، وإقامة المملكة الداودية كانا ثمرة التاريخ كله، وتحقيقًا لوعد إلهي.
إن ناتج هذه المجموعة هو (التوراة)، التي يُطلِق عليها النصارى (الأسفار الخمسة.(
لقد كان هذا النص يُعْتَبَر خلال قريب من ألفي عام ـ ممَّا كتبه موسى نفسه، وكان ممَّن اقتنع بهذا المؤرخ فلافيوس جوزيف "38ـ110م"، والفيلسوف فيلون السكندري "20ق.م ـ 45م" والقِدِّيس يوحنَّا الإنجيل "إنجيل يوحنا 5/46ـ47" ولم يتعرض هذا الموقف التقليدي للجدل إلا في القرن الثاني عشر على يد ابن أسرا، ولم يظهر أول درس نقدي إلا في القرن السادس عشر، حين لاحظ كارل ستادت ـ ببساطة أن موسى لا يمكن أن يكون كتب قصة موته "التثنية 34/5ـ12"، وبعد قرن من ذلك التاريخ "عام 1678م" ينشر القَس ريتشارد سيمون "التاريخ النقدي للعهد القديم -l - " الذي يُحدِّد مجموعة من الاستبعادات التاريخية، والمُكَرَّرات والاضطراب في القِصص، واختلافات الأسلوب، واستبعد نسبة مجموع ما في العهد القديم إلى مؤلف واحد، وقد أحدث هذا الكتاب، في وقته، فضيحة.
وفي القرن الثامن عشر، عندما فقدت الكنيسة الكاثوليكية كثيرًا من سلطتها الأدبية -استطاعت أن تبدأ في تطوير نقد تاريخي حُرٍّ؛ ففي عام 1753م نشر جان أسترك، طبيب لويس الخامس عشر "تكهناته حول المذكرات الأصلية التي بدا له أن موسى استخدمها في تأليف سِفْر التكوين"، وهو يُؤَكِّد على نقطة رئيسية هي، أن سفر التكوين يضم نصين متميزين؛ لأن الرب يُدعَى أحيانًا (إلوهيم)، وأحيانًا (يَهْوَه) وبعد عِدَّة سنوات "1780ـ1783" مد إيكهورنهذه التفرقة إلى أربعة أسفار أخرى، وانتهت البحوث اللاحقة في القرن التاسع عشر إلى نتيجة هي:
(أن الأسفار الخمسةهي مُحَصِّلة مجموعة من الروايات الشفهية، أكثر قدمًا، تَكَدَّس بعضها فوق بعض، وتَداخَل بعضها في بعض. (


الساعة الآن 24 : 09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية