![]() |
قراءة في قصة ( الراعي الكذاب ) .. بقلم : رعـد يكـن
[align=right]
ذكرتني احدى صديقاتي (و ربما كانت اكثر من صديقة بالنسبة لي ) بقصة الراعي الكذاب ( وهي تعتقدني راعي وكذاب هههههه ) فخطر ببالي ان اسافر الى هناك الى حضارات الشعوب ، والتقي ذلك الراعي لأسأله عن فعلته... وهل فعلا فعلها ام نسبت اليه .. ثم اكتشفت في البداية اني لا اعرف الى اي شعب تنتمي هذه القصة ، ولا الى اية منطقة جغرافية في العالم ، فأين سأسافر ؟؟ المهم اني ولدى استماعي للقصة ( من صديقتي ) ادخلتي ايضا بقصة القشة التي قصمت ظهر البعير ( وكانت قصتنا هي ذاك البعير ههههه) . يا للنساء ...يؤمن بالقصص الخرافية ويقسن القصص الحقيقية عليها .. نعود للراعي الكذاب، بدأت ابحث في الكتب عنه فلم اجده .. سألت مخيلتي عنه .. فوجدته سريعا .. رأيته قابعا فيها وكأنه في سجن لا نهائي... كتلك السجون التي كانت منتشرة في العصور الوسطى .. والتي تفوح منها رائحة الصدأ .. وعلى ابوابها حراس بسلاسل طويلة لا يسمحون لأحد بالإقتراب منها .. اما انا فكنت امير ذاكرتي ولم يكن ليمنعني احد من الولوج اليها في اي وقت اشاء .. طرقت الباب كي يفتح لي كما تفتح روما ابوابها للمنتصرين ،وكنت افكر بطريقة السلام المناسبة كي لا ينهرني، فهو راعي والمفروض انه من الرعاع وانا ( وان شبهت به ) إلا اني لست براعي ولا كذاب .. ولست من الرعاع ..فكان علي ان اتحامل على نفسي واذهب اليه بطريقته هو لا بطريقتي . اجابني صوت من داخل رأسي : اخرجني ... أخرجني ايها المعتوه ، انا مظلوم ؟؟؟ قلت في نفسي قد اعتاد كل من في السجن على ادعاء البراءة .. قلت له بهدوء : مرحبا اجاب : ويحك .. اخرجني يا هذا .. كنت افكر بسرعة كيف ارد على هذا الراعي وانا لم اعتد مقارعة الرعاع ... قلت له : يا هذا اانت الراعي الكذاب ؟؟ كنت اريد منه تأكيدا حتى ادخل عليه او اخرجه لأني رأسي مليئ بالمساجين ولا اريد ان اخطى الفكرة . اجاب بصوت لاذع : افتح ولا تخف انا هو نعم . افتح يا رجل .. هذا اذا كنت رجل . بدا الراعي بالسخرية وكأنه يستفزني كي افتح له الباب هممت ان افتح ...وخفت ان يتبعه احد فقلت له بصوت هامس : اقترب من الباب لوحدك ، انا اريد ان اخرجك انت وحدك فلا تخبر الباقين ، وان سألوك الى اين انت ذاهب لك ان تقول لهم ما تشاء، فأنت في الأساس كذاب . احسست انه يستجمع هدوءه لهذه الإهانة ، وقبلها على مضض في سبيل الحرية او اوهمني ذلك ،عكس اولئك الذين يخسرون حرياتهم من اجل كلمة لكنهم بالنهاية يربحون انفسهم .. سكت واقترب من الباب . فتحت الباب بهدوء، وممدت يدي لأخرجه من مخيلتي واذا بأحد ينادي : خيانة اغلقو الأبواب . تذكرت هاملت الى اين اخذه تردده وانهزاميته والمشهد الأخير من الشك و المعاناة ،الا ان هذا المشهد هنا كان الأول ... اسرعت به كما تسرع النساء الهاربة من ظلام الليل وبرد الشتاء وتريد ان تحتمي بذراع رجل يحمل مظلة تقيها حبات المطر .. اسرعت به مثل اولئك الذين يلحقون القطار في آخر لحظاته ولا يركبون .. وهوكان يتعثر مرة في السير ويركض مرة اخرى .. الى ان وصلنا خارج رأسي . كنا كمن خرج من كهف التاريخ العتم الى فضاء اللهفة والى الصباحات المليئة بالشموس ، اجلسته قربي واخد يلهث قائلا : منذ زمن لم اركض ولطاما كنت اركض خلف الغنم ، واليوم (هـه ) الغنم يركض خلفي .. ضحكت من تعليقه وقلت له اكنت تحسب ان من خلفك غنما ؟؟؟ قال من اذا ؟؟ قلت له :لا يهم لايهم .. اتريد ماء .. قال نعم جلسنا وانا افكر بمناورة في الكلام عله يخبرني ماذا حصل معه هناك وهل فعلا اتى الذئب ذلك اليوم ام ماذا حصل بالضبط ؟؟ وهو من كنت اظنه من الرعاع كان يقرأني وينظر في وجهي وكأني شاة من شياهه او ذئب ...ربما يريد ان يحملني مسؤولية فعلته . اخذ نفسا عميقا ، واشعرني انه مرتاح لخروجه من رأسي بابتسامة رضى رماها علي كما نرمي الورود على النساء اللواتي يردن ذلك . وفاجأني بالسؤال : من انت ؟ ولماذا حررتني من ذاكرتك واتيت بي الى واقعك هذا ، وهل ستعيدني بعد ان اعطيك ما تطلبه مني ؟؟ رددت عليه ابتسامته بأخرى لا تقل سخرية ، وبدأت احرك شفتاتي بطريقة مخابراتية .. وكأني محقق في شعبة من شعب المخابرات المنتشرة حولنا ، واحسست بالزهو نوعا ما وانا اهم بستجوابه بهذه الطريقة ، وتذكرت ذلك المحقق الذي كان يحقق معي في الجيش عندما اتهمت بتزوير اجازة .. ( تبا لي ان كنت فعلتها حقا ).. لكني وقتها كنت سيد الموقف وكنت الاعبه بخبث المجرمين مع اني لم اكن مجرما . اما هذا الراعي فالتهمة لاصقة به لا ادري منذ متى ، ربما منذ حضارات قديمة حيث لايوجد وقتها هواتف لا ثابتة ولا متحركة ، فحسب الرواية انه نزل الى القرية لينادي عليهم ولم يكن معه وسيلة اتصال الا اذا كان صوته كصوت الرعد مثلا ونادى من بعيد وسمعوه ... ههههههههه سنرى الأن ان كنت استطيع ان انتزع الحقيقة منه فالحقيقة لا تأتي هكذا ، يجب ان تبعد الغيوم اولا حتى ترى الشمس التي خلفها والا .. فأنك لن ترى الشمس ابدا .. سألته وانا احوم حوله كطائر بتفحص فريسته الشهية قبل التهامها ، وكان السؤال : ماالذي دعاك الى تكرار فعلتك ثلاث مرات واستدعاء اهالي القرية على هذا النحو المشين؟ يضحك الراعي ويجيب بخبث : اولا انا شخصية غير موجودة .. وغير حقيقية .. وانما وجدوني ليكون لأهل القرية ذريعة كي لا يلبوا النداء حين يستغاث بهم ... ويستعملوني ( كدريئة ) لأخفاء جبنهم وتخاذلهم .. وانظر حولك هل من مغيث ....؟؟؟ انظر حولك هل هناك احد يلبي النداء ؟؟؟ اتذكر المعتصم ؟؟ اجبته طبعا وهل من احد لا يعرفه ولا يعرف قصته فرد علي .. اذا عليك ان تسأله هو .. فهو الوحيد الذي كان يصدقني ولا يراني دريئة ، هو بالأساس لايؤمن بوجودي .. الكل يريد ان يحاكم الأخر على اساس انه راعي وكذاب ايضا .. قاطعته قائلا : انتظر قليلا ... كيف انت شخصية غير موجودة ، ويعرفك القاصي والداني ؟؟ وكل الأمم تتحدث بقصتك ، ومن اين لي ان اجد المعتصم لأسأله عنك ضحك الراعي ضحكة خبيثة وقال : يا صديقي أإذا كنت حقيقيا .. ااكون موجودا الأن ؟؟ لم افهم عليه ما قال ، وقد قرأ علامات التعجب على وجهي وتابع .. اسمع لو كانت القصة حقيقية واتى الذئب في المرة الرابعة او الثالثة حسب ما تشتهون .. الم يكن ليأكلني مع الغنم ؟؟ .. ومن سيروي حكايتي بعد موتي ؟؟ ستقول اهل القرية بعد ان رأوا البقايا اليس كذالك ؟؟ حسنا .. ما ادراهم ان الذئب اكلني انا والغنم ؟ ربما سرقت الغنم وذهبت الى مكان آخر ؟؟؟؟ وتركت بقايا لباسي مع دم كذب كمافعل ( اخوة يوسف ..) كيف سيتأكدون من ذالك ؟؟؟؟ لا تأكيد لذلك .. ( قلت في نفسي هذا الراعي ثعلب كيف سمحت له ان يقلب الأسئلة علي هكذا ...وربما فعلا ما يقوله صحيح ولكن ,,,,) قاطع تفكيري وتابع واذا كنت انا الراوي لأهالي القرية ونجيت من براثن الثعلب ..فكيف صدقوني ...وانا الكذاب ثلاث ؟؟ ربما بعت بعض الغنم واتهمت الثعلب ..؟ ايضا لا تأكيد لذلك . احس هذا الثعلب بارتباكي وتمهل قليلا في السرد الذي كان متأكدا اني لم اعد استطيع ان اجمع افكاري معه كنت كمن وقع في مصيدة مربكة حقا .. وكان علي ان اناقشة فيما سرد والا سأكون مهزوما بنظرة من قبل ان ابدأ . اعد علي ماقلته بروية .. هكذا اجبته بهدوء كاذب قهقه المكار بقوة .. ولم يجبني بل تابع يقول : فكر بما قلته لك وانت تعرف اذا كنت صادقا ام كاذبا ااقول لك شيئا ؟؟ ...........فاجأني وانا افكر وكأنه يريد ان يقطع علي سلسلة افكاري متعمدا .. قال لي : انا نسج من خيال الجدات اللواتي يكذبن على الأطفال الصغار كي ينامو ويرتحن منهم .. لكن هل الغاية تبرر الوسيلة كما قال ( ماكيافييلي )؟؟؟ ربما تكون غايتهم حسنة ، فجعلوني كدرس ارشادي لهم ،وربما استخفافا بعقول الأطفال الذين لا يحللون شيئا ويأخذون الأمور كما هي ... لذالك كانت الروايات والأساطير، فالبشر يا صديقي تصدّق التاريخ رغم مافيه من كذب لسببين .. الأول انهم يريدون تاريخا يتكلمون عنه .. والثاني هو رغم كذب التاريخ الا انه يظل فيه اشياء جميلة اكثر من الواقع المعاش ... ويمكنك التلاعب به ايضا ، وصياغته كيفما تشاء .. فأعدني الى رأسك يا صديقي ولا تشغل بالك بالقصص الخرافية .. الآ اذا اردت ان اقص عليك قصة ( ليلى والذئب او كما يسمونها ذات الرداء الأحمر ) ... لن ارويها لك لأني لا اريد ان اكذب عليك .. فهذه القصة ايضا كذب في كذب .. اذهب ونم يا صاحبي ... و لاتنسى ان تشرب حليب ............... قبل ان تنام ... انا لست كذابا . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [/align] |
رد: قراءة في قصة ( الراعي الكذاب ) .. بقلم : رعـد يكـن
استمتعت جدا بهذا السرد المتميز وهذا الخيال الممزوج بالمنطق والعقلانية.
بوركت وبورك قلمك أستاذ رعد تحيتي |
رد: قراءة في قصة ( الراعي الكذاب ) .. بقلم : رعـد يكـن
هي محاكمة للعقل و التاريخ .. هي الخيال و الواقع في آن واحد .. هي في الأخير .. درس ومغزى و دلالات ..
شكرا ليراعك أخي الغالي رعد .. ممتع نصك ..ومتعته تضاهي تلك التي لقيناها ونحن نستمع إلى حكايات .. الراعي الكذاب و.. ليلى و الذئب .. دمت بكل الحب . |
رد: قراءة في قصة ( الراعي الكذاب ) .. بقلم : رعـد يكـن
العزيزة نصيرة تختوخ تحية ومساء الخير أشكر لك طيب حضورك وجمال قراءتك للنص ، مودتي وتقديري رعد يكن |
رد: قراءة في قصة ( الراعي الكذاب ) .. بقلم : رعـد يكـن
اقتباس:
العزيز رشيد الميموني تحية ومساء الخير نعم يا عزيزي هي محاكاة .. ورأي أشكر لك جمال حضورك ومؤازرة نصي .. مودتي وتقديري رعد يكن |
الساعة الآن 50 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية