![]() |
مبادىء في ثقافة المواطنة العالمية
عندما يهزم الإنسان القيود العنصرية.
1/ الحق في الإختلاف مهما حاول المبدع الإنتصار على غموض أفكاره، فإن المكانة الأساسية للتحليل تبقى قائمة، مترادفة مع خاصية التجدد التي تتسم بها الفعالية الأدبية، فالتحليل إذا مسلك محوري يتيح جرد الخط الفكري، و يؤلف الجزء المتمم لمبدأ الثنائية في عملية الإفراج الذاتي عن الرسالة المراد تبليغها إلى الجسم الإجتماعي، غير أن الترجمة الموضوعية (التفسير)تظل مسؤولية تحليلية، و هذه الظاهرة تعرف تسمية "التأويل" ضمن مصطلحات الفقه الإسلامي. كل نسق من الأفكار يحتاج إلى تحليل، و هذا المبدأ يخلص الدراسات الأدبية من "الترفية" التي استخدمتها العولمة لرشق القيمة الإنتاجية للأدب، داخل التاريخ و داخل مؤسسات التكوين في مجالات الآداب و العلوم الإنسانية. مفهوم التحليل الأدبي في معناه العام لا يطرح اشكالية تعريفية أفضت إلى ظهور العديد من المواقف التحليلية و التعددية تعني في الثقافة الأدبية : "النقد" و تعني في الثقافة القانونية و الفلسفية : "الحق في الإختلاف". الإشكالية الحقيقية ترتكز على التطبيق و التأصيل. تنوع الاصطلاحات يرتبط مبدئيا بتنوع ميادين نشاط الجماعات البشرية، لكنه يؤشر في ماهيته العلمية إلى الفشل الذي لاقاه التحليل الموضوعي من أجل استيعاب ظاهرة الإختلاف التي تشكل نقطة تماس مادي بين نطاق الإكتساب و نطاق الغريزة. فالتحليل الموضوعي أثبت فشله في احتواء الإختلاف فبدأ في سيرورة "صناعة المصطلحات" تحت ذريعة "إثراء المادة المعرفية". بيد أن نفس التحليل الموضوعي أدى إلى إحداث مشروعية تاريخية معزولة للأنظمة السياسية الدكتاتورية، فلماذا تتعارض الواجهتين الفلسفية و السياسية للتحليل الموضوعي سواء داخل التاريخ أو داخل الكتابات الأدبية؟ الجواب الأولي و الذي تبناه المستطاع الأكاديمي يكمن في الفصل الشراحي بين علم السياسة و علم الأخلاق أو الفلسفة، لكن بداية المعاناة الاشكالية طرحها علم الإبستمولوجيا الذي لا يتنكر لأصله الفلسفي، فهل يوجد تبرير واقعي للفصل اللاأيديولوجي الذي يوصف بالفصل الموضوعي أو العلمي بين الأخلاق و الفلسفة؟ يبدو أن مقترح "الفكر الخام" ينطوي على جزء ضئيل من الجواب، فالإنسان يتعامل مع المعرفة كما يتعامل الصانع التقليدي مع المادة الأولية، يأخذ الكمية الكافية، و يطبق الأوصاف المطلوبة ثم يبدع. هذا الرأي يفترض أن الإنسان ينظر بطريقة بانورامية إلى عالم المعرفة، في حين أن الرأي الشهير يقول بأن الإنسان يمثل مركز التجدد المعرفي. يجب ألا ننسى أن الصانع التقليدي يدمج لمسات شخصية على منتوج مقيد برغبات الآخر، التفاعل إذا موجود، و الإرتيابات موجودة أيضا، فالصانع لن يقدم المنتوج متطابقا تماما مع الأوصاف التي استقاها من الزبون، و إنما سيزرع فيه خصوصيته، و قد اعترف القانون التجاري و قانون الملكية الصناعية بالخصوصية الإبداعية، و من هذا المثال الحركي الذي يختصر الفعاليات الإنسانية يتضح أن الإنسان ينثر شيئا من أنانيته في كل الموجودات التي أبدعها أو ساهم في إبداعها، و يتضح كذلك المنطلق الغريزي لواقع : "الإختلاف" الذي استدمجه النظام القانوني. على المستوى الكرونولوجي، الغريزة في المعجم البيولوجي و التي تتقارب مع معنى :"العرف" في الأدبيات القانونية تسبق الإكتساب الذي يعني وجود طرف ثالث يؤدي دور الجسر بين الإنسان و المعرفة، و الإقرار القانوني ب :"قانونية" الإختلاف بالرغم من وجود محتوى لاقانوني يؤطره، تأكيد على كونية "الإختلاف" و على انسجام الاختلاف بكل تجلياته مع وحدة القوة الإلهية. الدينيون يحتاجون إلى تأكيد على انتماء حق الإختلاف إلى المنظومة الديونتولجية للأديان التي يدينون بها، هذا التساؤل له جواب ينشطر إلى قسمين : قسم أربطه بالقانون و ذلك بالتذكير بأن كل المعتقدات في العالم، سواء الربانية أو الأرضية، تعترف بحق الإختلاف الذي يزاوج في انتمائه بين القانون العام الداخلي/الدولي و القانون الخاص الداخلي/الدولي، أما القسم الآخر من الجواب فقد تكفلت به الفلسفة الألمانية في المثال الإفتراضي التالي :"إذا التقى شخص بشخصين يتنازعان، و هو لا يعرف أيا منهما و لا تربطه بهما أي علاقة، و نجح في فض نزاعهما، فمن سيجازيه"، إنه "الله"، تلك القوة فوق-الموضوعية (ليس لها وجود لحظي) و اللاذاتية(الشخص الذي فض النزاع لا علاقة له مع المتنازعين)، كما أن الرسول صلى الله عليه و سلم أجاب عن هذا القسم من سؤال العلاقة بين الدين و حق الإختلاف إذا ما قمنا بإدماج الحديثين :"اختلاف أمتي رحمة" و "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يجب لنفسه"، فاعتراف الرسول بالأساس التشريعي لحق الإختلاف ارتبط بشيوعه بين المسلمين ليس فقط بقوة الشريعة، و إنما بقوة الإنتماء الروحاني إلى الدين الإسلامي. إن الحق في الإختلاف يؤثث المواطنة الكونية، انطلاقا من انتمائه العضوي إليها و تناقضه العضوي مع النمطية بكافة أشكالها، فالإقتناع بالإختلاف يبني نظام القضاء في مجزوءة التعزير بالنسبة للشريعة الإسلامية و بالنسبة للقناعة الوجدانية في الأنظمة القانونية الرومانية-الجرمانية و في الأنظمة القانونية الأنجلو-ساكسونية التي لا تعتمد مبدأ "كتابة النص القانوني". |
الساعة الآن 07 : 12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية