![]() |
طرابلس الذاكرة و التاريخ
2 مرفق
(1) نغيب أحياناً عن خبايا تنطوي بين جوانحنا و قراءة ذواتنا و ملامح نفوسنا.... بين هجرتي إلى كندا و زيارتي الأولى كنت لا أستطيع حتى إغماض عينيّ إلا إن تخيلت أنني هناك في طرابلس في زيارتي الأولى و بعد غياب ثلاث سنوات و طوال الرحلة كنت أرتعش و حين حلقت الطائرة و رأيت بيروت حاولت أن أكتم انفعالي خجلاً من ركاب الطائرة حولي، لكن و لعلها أول مرة أخرج فيها عن السيطرة الذاتية و الرعشة باتت اهتزازاً عنيفاً و الدموع الصامتة تحولت إلى نحيب لم أستطع إيقافه و بالطبع تسلطت عليّ الأضواء على غير ما تمنيت البعض حاول مساعدتي بالماء و الترويح مع المضيفة غير مكترث بربط الحزام و البعض الآخر ممن جاءوا أيضا بعد غياب طويل أصابتهم عدوى البكاء و حتى النحيب بل و أتذكر تلك السيدة التي كانت قادمة أيضاً من كندا كمعظم الركاب كنا نبكي و هي تزغرد بطريقة أيضاً انفعالية و فيما أظن أنها كانت أيضاً خارجة عن سيطرتها. حين غادرنا الطائرة ووطئنا أرض المطار رأيت في طريقي من ركعوا و قبلوا الأرض و هذا المشهد رأيته مراراً فيما بعد في رحلات أخرى. لن أكمل في سرد انفعالاتي لرؤية من كانوا ينتظرونني هناك و لا الرحلة من بيروت و حتى طرابلس بين وجوه الأحبة و الأهل و مشاهد البلد الساحلي الجبلي الحبيب من نافذة السيارة و رؤيتي البحر و الملاحات على طول الطريق تقطعه أنفاق داخل الجبال أو الهضاب المتصلة بالبحر و وصول طرابلس في " ساحة الله " و اللوحة التي تستقبل كل من يدخل المدينة: " أهلاً بكم في طرابلس قلعة المسلمين " وهضبة أبي سمراء حتى باب البيت إلخ.. بقي يلازمني الانفعال كلما ارتادت خطواتي مجدداً أي جزء من المدينة و إن تحت السيطرة و بستر من نظارات الشمس السوداء ... و اكتشفت معالم المدينة من جديد، الأسواق الشعبية الأثرية المسقوفة و بقناطرها من سوق الصاغة و خان الصابون إلى العطارين و المسجد المنصوري الكبير، الحمامات ووصولا إلى الملاحة و كل المساجد الأثرية القديمة على ضفتي نهر أبوعلي و التي تحتاج أن نفرد لها مساحة طويلة لذكرها فطرابلس مدينة فينيقية قديمة مملوكية الطراز غنية بآثار كل ما مر بها من حضارات، و من باب الحديد و حتى باب الرمل حيث يرقد والدي في مدفن طرابلس و قريباً من مسجد طينال الأثري، وحين أجتاز الأسواق صعوداً إلى هضبة أبي سمراء مرتع طفولتي و صباي و سكني، نمرّ بالمولوية التي تشرف على النهر حيث كان يجتمع المتصوفون على الطريقة المولوية، و نمر بقلعتها الصليبية الكبيرة بمسارحها و آثارها و حتى بغنى الأساطير حولها من الثعبان الذي عمره آلاف السنين و يحرس الكنز المرصود و يدّعي بعض البسطاء رؤيته يمدّ رأسه من أحد النوافذ منزلقاً من فوق الهضبة ليشرب من نهر أبو علي في الأسفل على طول المسافة و يبقى أكثر من نصف جسده داخل القلعة إلى الحفلات الليلية التي كان يقيمها الجان في القلعة و بالطبع لا يسمعها غير البسطاء ممن يؤمنون بالأساطير. و حين أصل أبي سمراء وهي إحدى هضبتين مشرفتين على المدينة كانتا مغروستين بأشجار الزيتون ممتداً إلى الكورة التي يشتهر به شمال لبنان .. واحدة شرقية باسم قبة النصر مشرفة على المدينة القديمة فيها كليات الجامعة اللبنانية و المستشفى الحكومي و ثكنات الجيش و تمر فيها الطريق المؤدية إلى سلسلة جبال الضنيّة ( الظنيين) المتصل شرقها الجنوبي بجبال الهرمل حيث مصايف بخعون و عاصون و سير و بقاع صفرين و غربية باسم أبي سمراء مشرفة على البحر و المنتجعات الساحلية و حيث تمر الطريق التي تربط بين طرابلس و بيروت مروراً ببلدة القلمون و عدد من البلدات و المدن الصغيرة أشهرها مدينة جبيل التاريخية (بيبلوس) و تشرف من الجهة الأخرى على النهر و المدينة القديمة. و أبي سمراء منطقة سكنية كانت تعتبر منطقة سكن عائلات طرابلس العريقة و الطريق منها تتصل بالكورة وزغرتا البلدة ( المدينة الآن) المارونية وصولاً إلى جبال مصايف إهدن من جهة ومن الجهة الأخرى مصايف الحدث و حصرون و بشَرّي ( قرية جبران خليل جبران) وصولاً إلى الأرز ( أهم مركز للتزلج على الثلج و شعار لبنان) بينما تمتد سهول و سلسلة جبال عكّار إلى أقصى الشمال بعد المرور ببلدة البداوي على ساحل البحر و مركز شركة النفط العراقية(!!) و على هضبتها مخيم البداوي للفلسطينيين و قريباً من بلدة المنية ( المنيَّة، حيث كان بربر آغا يقيم المشانق) تبدأ سهول و جبال عكّار البديعة و إلى الشمال مخيم نهر البارد. تتوسط المدينة منطقة التل والبولفار ( وسط المدينة التجارية) إلى الزاهرية شرقاً و إلى الغرب منها المناطق العمرانية الحديثة شارع عزمي و المئتين و أحدثها شارع المعرض حيث أقيم معرض طرابلس الدولي و الذي أقيمت بجواره المساكن الحديثة المرتفعة الأثمان، كأسوأ تخطيط و ما أعتبره شخصياً جريمة، سلب من المدينة أهم مميزاتها التي اشتهرت بها مقتطعاً كل أشجار الليمون والتي بسببها كانت تلقّب طرابلس بالفيحاء والذي كان يمدها بأريج عطر وربيع شديد التميّز بزهر النارنج، وصولاً إلى البلدة التاريخية الشهيرة الميناء بآثارها و مرفئها و جزرها الصغيرة و فيها يمتزج تماماً القديم بالجديد.و حين أتحدث عن طرابلس الذاكرة كان أول ما صدمني بعد غياب تغيّر المناخ و هذا التصحّر الذي حل بها من جراء اقتلاع أشجار الزيتون و الليمون و تحويل الأرض لمبان ٍ سكنية، حتى شجر الياسمين الذي كان يملؤها و يضفي عبقه الجميل على أجوائها ككل بلاد الشام لم يسلم فقد استعيض عنه وعن البيوت الأرضية التي كانت تزرعه في وحدة متناغمة بالمحلات التجارية. و إن تحدثت عن طرابلس-لبنان أو طرابلس الشام أو طرابلس الفيحاء و طرابلس أم الفقير و كلها أسماء عرفت بها فلا بدّ أن أتحدث عن طرابلس التاريخ العريق و طرابلس الذاكرة.. طرابلس التي في وجداني و التي حين عدت إليها بعد غياب وجدت الكثير من مميزاتها قد اختفى في زمن العولمة و الاسمنت و التجارة وقتل الجمال، فهل تسمحون لي مجدداً أن أحدثكم عن طرابلس الذاكرة و التاريخ؟؟... ملف مرفق 178 |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
شكراً لك ياسيدتي على هذا الوصف الدقيق لهذه المدينة الساحلية الرائعة .
قرأت كلماتك وأعجبني أسلوبك حتى أنني سافرت بعيداً حتى خلت نفسي اتجول في هذه المدينة وهذا يعود طبعاً لأسلوبك الجميل الذي يعتمد على وصف المكان بأسهاب كبير وبدقة رائعة ولا متناهية. أتمنى أن تخبرينا أكثر عن ذكرياتك في هذه المدينة التي يبدو أنها تشغر مساحات كبيرة من ماضيكِ الرائع. |
تاريخ طرابلس
[align=right]
تربض مدينة طرابلس- العاصمة الثانية للجمهورية اللبنانية- فوق سهلٍ مُنبسطٍ أفْيَح، تغسل أطرافه الغربية مياه البحر، وتتفيّأ بظلال سفوحِ جبال الأرز التي تتجلْبَب قِمَمُها بالثلوج، من جهة الشرق، ويُشرف عليها من الشمال الشرقيّ جبل "الفهود" -تُرْبل-باستدارته. وتبعد عن العاصمة بيروت حوالى 80 كيلو متراً، كما تبعد عن الحدود السورية نحو 40 كيلو متراً. ويخترقها في الشرق نهر "أبو علي" المتدفّق من "ينبوع الحدائق" بالوادي المقدّس "قاديشا"، وهو يفصل بين ربوتَيْ "أبي سمراء" جنوباً، و"قُبّة النصر" شمالاً. تضرب جذورها في عُمق التاريخ، وتَرْقى إلى ثلاثة آلاف وخمس مئة عام، حيث أسّسها الفينيقيون قبل الميلاد بنحو ألفٍ وخمس مئة عام، وتعاقبت عليها الأمم والعهود من الفينيقيّين حتى الانتداب الفرنسي، مروراً بالرومان، والبيزنطيّين، والعرب، والفرنجة، والمماليك، والعثمانيين. وتُعتبر طرابلس المدينة الأولى بثروتها التراثية على الساحل الشرقيّ للبحر المتوسّط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد القاهرة، وتمثّل متحفاً حيّاً يجمع بين الأوابد الرومانية والبيزنطية، والآثار الفاطمية والصليبية، والعمارة المملوكية والعثمانية. إنها مدينة متكاملة بأحيائها، وأسواقها، ودورها، وأزقّتها المتعرّجة المُلْتوية، والمسقوفة، ومعالمها التي تمتدّ -من الجنوب إلى الشمال- نحو الكيلومترين، ومن الشرق إلى الغرب نحوالكيلومتر ونصف الكيلومتر، وتضمّ بين جَنَباتها أكثر من 160 مَعْلماً، بين قلعة، وجامع، ومسجد، ومدرسة، وخان، وحمّام، وسوق، وسبيل مياه، وكتابات، ونقوش، ورُنوك، وغيرها من المعالم الجمالية والفنيّة. في أسواقها القديمة يتنشّق المرء عَبَق التاريخ، ويتنسّم روح الشرق، ويشاهد الصناعات والحِرَف المحلّية المستمدّة جذورها من الزمان الخالي، ويتذوّق أشهى الأطعمة والحلويات، ويشتري مختلف الحاجيّات بأرخص الأسعار. وتنعم المدينة- ذات المليون نسمة تقريباً- باعتدال المناخ، ووفرة المياه، وكثرة الفواكه والثمار، وسهولة التنقّل، فضلاً عن حُسْن الضيافة، وكرم الوِفادة التي يشتهر بها الطرابلسيّ الذي يتقن التحدّث مع ضيوفه بلُغتهم، ويستقبلهم بترحيبه ولُطفه الموروث من قيمه وحضارته. وتواكب طرابلس بجَهد أبنائها رَكْبَ التطوّر والحَدَاثة، مع تمسّكها بإرث الأجداد. وهي كما وصفها المؤرّخون: بريّة-بحرية، سهلية-جبلية، شامية-مصرية. تحاول المدينة في الوقت الحاضر تحريك عجلتها الاقتصادية وتطوير أوجه الحياة المدنية فيها. يعتمد اقتصاد مدينة طرابلس على الصناعات الحرفية، وبعض الصناعات التحويلية الصغيرة، والسياحة. * * * تاريخ طرابلس تؤكد المصادر التاريخية والتنقيبات الأثرية وجود طرابلس منذ ستة عشر قرناً على الأقل، ولا يمكن متابعة تاريخ طرابلس بدقة قبل أحد عشر قرناً. في ذلك الحين كانت طرابلس عاصمة الفينيقيين، حيث أسّسوا فيها أوّل اتّحاد لدويلات صيدا، وصور، وأرواد، وبذلك يمكن اعتبار طرابلس أوّل اتّحادٍ أممي في التاريخ. يتميّز ساحل طرابلس بمجموعة من التشكيلات الجغرافية التي يمكن استعمالها كموانئ للسفن والمراكب،ويتميّز أيضاً بوجود مجموعة من الجزر، هي الوحيدة في لبنان، وقد لعبت تلك الجزر دوراً هاماً في السيطرة على الطرق العسكرية والتجارية في المنطقة. ففي العصر الهيليني، وبالتحديد في ظلّ حكم خلفاء الإسكندر الأكبر، لعبت طرابلس دور قاعدة بحرية كبيرة وذات استقلالية نسبية. أمّا في العصر الروماني، بلغت المدينة أوج تطورها واحتوت على العديد من المعالم الهامّة. ودّمرت طرابلس في العام 551 خلال العهد البيزنطي وذلك بفعل زلزال مدمّر أدّى إلى انقضاض البحر عليها. عادت طرابلس للعب دوراً هاماً كقاعدة عسكرية ابتداءً من العام 635 خلال العصر الأموي. وفي العصر الفاطمي، تميّزت طرابلس بحكم ذاتي مستقّل وأصبحت مركزاً للعلم لا مثيل له في المنطقة. وفي بداية القرن الثاني عشر، حوصرت طرابلس ثمّ سقطت بيد الإفرنج الصليبيين في العام 1109. تضررت معظم معالم المدينة بشكل كبير، وبخاصة مكتبتها المعروفة باسم "دار العلم" والتي كانت تضم في كنفاتها ثلاثة ملايين مخطوط وكانت تنافس في غناها مكتبة بغداد. وفي العهد الصليبي، أصبحت مدينة طرابلس عاصمة كونتية طرابلس. وفي العام 1289، فُتحت طرابلس على يد سلطان المماليك الأشرف خليل بن قلاوون، الذي أعطى أوامره بهدم المدينة القديمة، والتي كانت تقع فيما يعرف حاضراً باسم منطقة "الميناء" وبنائها من جديد في السهل المنبسط تحت قلعة طرابلس . واتخذها سلاطين المماليك طوال قرنين وربع القرن من الزمان عاصمة لنيابة السلطنة، وأقيمت فيها عشرات المساجد والمدارس، والزوايا، والتكايا، والخوانق، والرُّبط، والحمّامات، والخانات، والقياسر، والطواحين، ومن أشهر معالمها: الجامع المنصوري الكبير، وجامع التوبة، وجامع العطار، والبرطاسي، والسيد عبد الواحد المكناسي، وطينال، والمدرسة القرطاوية، والشمسية، والنورية، والناصرية، والخانوتية، والسقرقية، والطواشية، والخيرية حُسْن، والعجمية، والحمصية، والقادرية، والحججية، والظاهرية، ومن خاناتها: خان الحريريين، والمصريين، والعسكر، والصاغة (الصابون)، والتماثيلي (بالميناء)، ومن حمّاماتها: حمام الحاجب، وعزّ الدين الموصلي، والنوري، والعطار، والدوادار، وغيره. وأقيمت لها عدة بوابات في مختلف الاتجاهات، وتشعّبت حاراتها ودروبها وأزقّتها الملتوية والممتدّة تحت عقود الدّور والمنازل التي توفّر لها حماية ذاتيّة بحيث تحوّلت في معظمها إلى سراديب ودهاليز وساباطات سريّة لا يعرف السيّر فيها إلاّ أهلها، بمعنى أن بناءها وخِططها كانت عسكرية دفاعية حسب مقتضيات ذلك العصر، وأقيم على امتداد ساحلها من رأس الميناء إلى رأس النهر ستة أبراج حربية للمرابطة فيها، هي: برج الأمير أيتمش، وبرج الأمير جُلُبّان، وطرباي (الشيخ عفّان)، والأمير الأحمدي (الفاخورة)، والأمير برسباي (المعروف بالسباع)، وبرج السلطان قايتباي (المعروف ببرج رأس النهر)، وللدفاع عن المدينة إذا دهمها العدوّ. كما جرى ترميم الحصن الذي أسّسه "ابن مجيب الأزدي"، وأعاد بناءه "ريموند دي سان جيل"، وحوّله نائب السلطنة "سيف الدين أسندمر الكرجي" إلى قلعة كبيرة. ودخلت طرابلس تحت السيادة العثمانية حين انتصر الأتراك على المماليك في "مرج دابق" سنة 922 هـ/ 1516 م. وأبقوا على النظام المتّبع فيها بتعيين الكُفّال والنوّاب لبضع سنوات، إلى أن أصبحت تؤجّر للإقطاعيين الذين ينيبون عنهم من يتولّى حكمها وذلك اعتباراً من سنة 928 هـ/ 1522 م. وأوجد العثمانيون عدّة مناطق سكنية جديدة أحاطت بمدينة المماليك، فازدادت عمراناً واتساعاً، وتضاعف عدد مساجدها ومدارسها وزواياها وتكاياها وحمّاماتها وخاناتها، حتى بلغ ما فيها 44 خاناً، وتجاورت المساجد والمدارس، بل تلاصقت، وكثر عددها بشكل يثير العجب، حتى أنّ المدرسة كانت تفصلها عن المدرسة القريبة منها مدرسة أخرى مجاورة، وبلغ عددها قبل ثلاثمائة سنة ونيّف أكثر من ثلاثمائة وستين مسجداً ومدرسة، على عدد أيام السنة. ومن المعالم العثمانية: تكية الدراويش المولوية، وحمّام العظم (الجديد)، وجامع محمود بك السنجق، وجامع محمود لطفي الزعيم (المعلّق)، والجامع الحميدي، وسبيل الباشا الوزير محمد باشا، وسبيل الزاهد، والتكية القادرية، وساعة التل. وأعادوا بناء القلعة والأبراج والحصون الساحلية والبوّابات. واستعادت الميناء (طرابلس القديمة) دورها التجاري، فكثُرت فيها القُنصليات الأوروبية، وأقيمت الوكالات والمخازن الضخام لإستيعاب المنتجات والبضائع الصادرة والواردة من القطن، والسكر، والصابون، والقماش، والفواكه، والثمار، والعطور، والجلود، والحبوب، وغيره. ويُعتبر عهد الأتراك في طرابلس أطول العهود الإسلامية التي خضعت لسيادتها، حيث امتدّ حكمهم نحو نيّفٍ وأربعة قرون، باستثناء ثماني سنوات خضعت فيها للحكم المصري حين دخلها "إبراهيم باشا" ابن محمد علي الكبير سنة 1832 م. واتخذها قاعدة عسكرية أثناء حملته على بلاد الشام وأقام فيها. وعادت إلى الأتراك العثمانيين بعد جلاء المصريين عنها سنة 1840 م. ثم خضعت للإنتداب الفرنسي سنة 1918 م. فكانت "ساعة التل" آخر ما تركه العثمانيون من آثار في طرابلس http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa37.jpg قلعة طرابلس [/align]. |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
التنقيبات الأثرية
لم تجري في طرابلس أيّة أعمال تنقيب أثرية منظمة، وذلك لأن معظم المناطق الأثرية القديمة تقع أسفل المنطقة المعروفة حالياً باسم الميناء والمكسوة حالياً بغطاءٍ عمراني كثيف. وقد مكّنت بعض أعمال التنقيب الصغيرة على الكشف عن بعض ثروات العهود القديمة منها الطريق إلى المرفأ البحري الجنوبي، وبعض المدافن التي تعود إلى العهد الهيليني. وكشفت أعمال التنقيب داخل قلعة طرابلس عن العديد من الآثار التي تعود إلى العصر البرونزي، وعصر الحديد، وكذلك إلى العهود الرومانية، والبيزنطية، والفاطمية. * * * * عمارة طرابلس المملوكية طرابلس الشام أغنى مدينة بآثارها الإسلامية المملوكية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط على الإطلاق، وهي المدينة الثانية بآثارها المملوكية بعد القاهرة، ذلك أن المماليك هم الذين أسسوا المدينة القائمة الآن قبل 700 عام ونيّف. وهنا لا بدّ من توضيح هذه النقطة حتى لا يًظنّ أن تاريخ المدينة يعود إلى سبعة قرون فقط. فطرابلس أسسها الفينيقيون قبل نحو 3500 عام وتعاقبت عليها الأمم والعصور من رومانية وفارسية وبيزنطية حتى فتحها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين، وتعاقب على حكمها الأمويون، والعباسيون، والطولونيون، والإخشيديون، والفاطميون، ثم الفرنجة الصليبيون حيث احتلّوها أكثر من 180 عاماً، واتّخذوها عاصمة لإمارة لاتينية في الشرق، وأثناء احتلالهم الطويل أزالوا معالمها الإسلامية، وعندما تمّ للمسلمين تحريرها بقيادة السلطان المنصور قلاوون سنة 688 هـ./1289 م.، أشار القادة على السلطان بأن يهدم المدينة القديمة، وكانت على ساحل البحر مباشرة، وأن يبني مدينة جديدة على بًعد 3 أميال إلى الداخل حيث ينساب نهر المدينة ويًعرف ب"أبو علي". فأمر قلاوون بهدم المدينة القديمة، ونشأت مدينة مملوكية خالصة بكل خططها وأسواقها ودورها وحوانيتها، ودروبها وأزِقّتها المسقوفة، الضيّقة، المتعرّجة، وشوارعها الفسيحة الممتدة والمزدحمة، وساحاتها وميادينها، وجوامعها، ومدارسها، وزواياها، وحمّاماتها، وخاناتها، وقصورها، وأبراجها الحربية، وسُبُل مياهها، وطواحينها، وجسورها فوق النهر، والبيمارستان، والخانقاه، ومعامل الصابون، ومصانع الحرير، والمصابغ، والمدابغ، وانتشرت أسواق الصناعيين والحِرفيين والتجار، من العطارين، والنجارين، والنّحاسين، والحدّادين، والحجّارين، والخشّابين، واللّحامين، والقطّانين، والطواقيين، والخياطين، والحريريين، والقباقبيين، والعقّادين، وسوق القمح، وسوق السلاح، وسويقة الخيل، وسوق السمك، وسوق الصاغة، وسوق الإسكافيين، والملاّحة، والدبّاغة، والتبّانة، والبازركان، وغير ذلك مما يطول عرضه، بحيث يمكن تلخيص كلّ ذلك بوصف طرابلس الآن بأنها "متحفٌ حيّ" وأنّها "مدينة المماليك النموذجية". http://www.tripoli-city.org/monuments/khayat7.jpgحين زار طرابلس الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي في سنة 1112 هـ./1700 م. كتب في مؤلّفه "التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية" ما نصّه: "أن ببلدة طرابلس المحمية مدارس وزوايا ومساجد لا تُعَدُّ ولا تُحْصى"، وأضاف إلى ذلك ما سمعه من أهلها "أنه كان بها ثلاثمائة وستون مدرسة". وهذا الرقم يشمل المدارس المملوكية والعثمانية في ذلك الوقت. وقبل نحو نصف قرن من الآن كانت المدارس المملوكية القائمة فقط تزيد على 30 مدرسة، وخلال نصف القرن الماضي أُزيل عدّة مدارس عقب فيضان "نهر أبو علي" أواخر سنة 1955 في مشروع تقويم مجراه، منها: المدرسة الزريقية، ومدرسة النسر بن عجبور، ومدرسة البطركية، والدبّان (بالمسلخ)، ومدرسة سبط العطّار، ومدرسة الوتّار، وأزيلت المدرسة الرفاعية عند السراي العتيقة وأقيم مكانها مسجد حديث. وأزيلت المدرسة القَرمشية في محلّة اليهود، وكذلك المدرسة العنبرية (المعروفة بالعمرية) في محلّة الزاهرية، وبني مكانهما بيوت ودكاكين، وأزيلت مدرسة الأمير أيدمر شاه العلائي عند باب الرمل قرب جامع أرغون شاه، وأزيلت المدرسة الجوهرية وأقيم مكانها بهو الجامع المنصوري الكبير في محلّة النوري، ومدرسة (زاوية) القاضي القرمي بالدبّاغة قرب خان العسكر، وتضرّرت المدرسة الظاهرية من الطوفان وتعطّلت منذ سنة 1955 وحتى الآن، وهي متهدّمة بحاجة إلى إعادة بناء وتأهيل. ومدرسة الشيخ محمد الدهان في وسط سوق الصيّاغين أمام المدرسة الطواشية مباشرة، وهي معطّلة أيضاً وبحاجة إلى تأهيل. ومن المدارس القائمة ولكنّها معطّلة أيضاً وبحاجة إلى بعض التأهيل: المدرسة الخاتونية، والمدرسة العجمية، ومدرسة الشهداء، ومدرسة المشهد، والمدرسة الشمسية، ومدرسة النمل. أما المدارس العاملة فهي: مدرسة المسجد البرطاسي، مدرسة الأمير قَرَطاي (القرطاوية)، المدرسة الحُجَيْجية، المدرسة القادرية، المدرسة الطُواشية، المدرسة النورية، المدرسة الناصرية، مدرسة الخيرية حُسْن، المدرسة السَقْرَقيّة، المدرسة الحمصية، المدرسة الماردانية، المدرسة الأرْزُنيّة (الدُّبَّها). وبالعودة إلى رواية "النابلسي" في سنة 1112 هـ. أنه كان بطرابلس 360 مدرسة، نستنتج أن المدارس المملوكية كان عددها 150 مدرسة على الأقل بُنيت في عهد حكم المماليك للمدينة الذي امتدّ 225 عاماً ونيّفاً، (688-922 هـ./1289-1516 م.)، والباقي 210 مدارس بُنيت منذ بداية الحكم العثماني حتى السنة التي تمت فيها الرحلة (922-1112 هـ./1516-1700 م.) أي خلال 284 عاماً. وهذا رقم هائل بالنسبة لمدينة لم تكن مساحتها تزيد على 7000 متر مربّع، في القرن 12 هـ./18 م. وهو رقم غير مبالغ فيه، فقبل زمن قصير كانت مدرسة الأمير أيدمر، وزاوية القدّوسي، والمدرسة الخاتونية، والسَّقرقية، والسنكري، والخيرية حُسْن، والناصرية، والجوهرية، والمشهد، والشمسية، والنورية، والجاويش، والبيروتية، والدّهان، والطواشية، والنمل، والكريمية، والقاووقجية، والقرطاوية، والجامع المنصوري الكبير، وجامع أرغون شاه، تتجاور كلّها في مكان لا يزيد طوله عن 150 متراً، بحيث يفصل بين المدرسة والمدرسة مدرسة أخرى! وليست هذه الظاهرة إلاّ دلالة على أنّ المدينة حاضرة إسلاميّة مهمّة على ساحل الشام، ومجمّع دينيّ وعلميّ متميّز، ترقى بجوامعها ومساجدها ومدارسها وزواياها وتكاياها إلى أن تكون مدينة جامعية نموذجية. ويضاف إلى الرقم السابق (360 مدرسة) 13 جامعاً، و10 حمّامات، و45 خاناً، وبيمارستان، وخانقاه، و9 طواحين، و7 أبراج حربية، وقلعة ضخمة، وقصور عدّة، و20 فُرناً، و100 سبيل وبركة ماء، و15 بوّابة، وغير ذلك من المعالم الأثرية والتاريخية، وبعضها يعود إلى العصور الرومانية، والبيزنطية، والفاطمية، والصليبية. والأغلبية الساحقة للعصرين المملوكي، ثم العثماني. يمكن القول إن الخصائص العمرانية في طرابلس المملوكية مرت بمرحلتين متميزتين عن بعضهما. ولوضع الأمثلة على ذلك يجب الأخذ بتطور بناء المساجد والمدارس، فهي أفضل مثال لدراسة تطور عمارة المماليك في المدينة. ففي هندسة بواباتها ومآذنها وقِبابها ومحاريبها وقاعاتها وأروِقتها وفِنائها يمكن قياس النواحي الجمالية والفنية في أبنيتها بشكل عام. وتتميّز المرحلة العمرانية الأولى باعتماد الحصانة في البناء مع البساطة المتناهية في العقود والأقواس والدعامات والبوابات وأحواض الوضوء التي تخلو جميعها من أية زخرفة أو لمساتٍ فنيّة تسترعي الاهتمام أو تُثير الناظر ليتأملها. وهذه المرحلة تنحصر زمنياً بين سنة 689 وسنة 715 هجرية/1290-1315 ميلادية. وتبدو بصماتها على مجموعة عمرانية تمّ بناؤها خلال تلك الفترة المتقدّمة، مثل الجامع المنصوري الكبير، وجامع التوبة، وجامع السيّد عبد الواحد المكناسي، والمدرسة الشمسية، والماردانية، والزُريقية، والخيرية حُسْن وغيرها، فقد جاءت عمارتها خالية من الزخارف والتزيينات الهندسية، ولم يدخل في بناء جدرانها أو أرضيتها عنصر الرخام، بل اقتصر البناء على استخدام الحجارة الرملية، كما في القلعة والأبراج الحربية، وليس هناك من عناصر جمالية يمكن التوقّف عندها إلاّ في بعض اللمسات المتأثرة بأنماط وخصائص عمرانية سبقت فنّ عمارة المماليك، مثل البوابة الرئيسية للجامع المنصوري الكبير ذات الطراز القوطي، والتي تحمل في الداخل قوساً من الزخارف عبارةً عن نجوم نافرة، أو زهورٍ متتابعة نجد مثيلاً لها في المستديرة التي فوق محراب الجامع. والقوس الوسائديّ الذي فوق باب المدرسة الشمسية عند مدخل الباب الرئيسي للجامع المنصوري، والذي يُرْجعه بعضهم إلى عهد الإفرنج والعمارة اللاتينية. ومن أساتذة المدرسة المعمارية في هذه المرحلة، عرفنا اثنين سجّلا اسميهما على أعمالهما هما: "سالم الصهيوني بن ناصر الدين العجمي" وهو مهندس الجامع المنصوري و"أحمد بن حسن البعلبكي" الذي بنى رواقات الجامع، وهما من أصحاب المدرسة الشامية في العمارة الضخمة القائمة على البساطة في آن معاً. ولا ريب أنّ الفترة التي أعقبت فتح طرابلس مباشرةً كانت تتطلب الاهتمام بإنشاء البناء المطلوب طالما أنه يؤدي الغاية المرجوة من عمارته. إذ كانت ظروف المنطقة وساحل الشام وأجواء الحرب لا تزال تنعكس على نفسية السكان ومعاشهم، وتفرض حالة من الاقتصاد والتقنين في إهدار المال والجهد والوقت في مواضع لا ضرورة لها. أما المرحلة الثانية للعمارة المملوكية في طرابلس، فقد وضحت معالمها في الربع الثاني من القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، وتجلّت بتنوع العناصر الجمالية، وغِنى الزخرفة والأشكال الهندسية، والكتابات المتنوّعة الرشيقة، وتناغم الألوان في قِطَع الرُخام الناعم الأملس، وتناسُق الحجارة المصقولة وتناوب الأبيض والأسود منها، وتعاشق السّنجات، وتتابع التجويفات والمقرنصات، وتساقط المدلّيات، والمبالغة في التأنّق والفخامة والبذخ والتَّرَف سواء في تزيين البوابات أو المحاريب، أو جدران بيت الصلاة، أو القِباب، أو أحواض الوضوء، وحتى أرضية حَرَم المسجد وفنائه. وإلى هذه المرحلة العمرانية ينتمي بناء جامع طَيْنال، وجامع البُرْطاسي، وجامع العطّار، ومدرسة الأمير قَرَطاي، والمدرسة النورية، والشيخ الهندي، والناصرية، والطواشية، والنمل، والقادرية، والخانقاه، وكلّها حَوَت عناصر هندسية وفنية ذات جماليات رائعة تُحاكي الجمالية الثروة الفنية التي نراها في مساجد القاهرة ودمشق وحلب. وهذا الترف في العمارة يعكس الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية التي أخذت المدينة تعيشها، والراحة النفسية والشعور بالأمان والاطمئنان الذي ساد ربوعها، بعد أن اكتملت خِطط المدينة ورَكَنَت النفوس إلى تحصيناتها ووسائلها الدفاعية، وإلى تراجع خطر الإفرنج، واستقرار الحياة السياسية للمماليك في بلاد الشام عامة، وفي طرابلس عاصمة نيابة السلطنة على وجه الخصوص. ومن أساتذة المدرسة المعمارية في المرحلة الثانية عرفنا عدّة أسماء منها: "أبو بكر بن البُصَيْص البعلبكي" باني جامع العطّار، و"محمد بن إبراهيم المهندس" صاحب الباب الشرقي والمِنْبَر الرخامي في الجامع المذكور، و"محمد بن عبد الحميد" مهندس قصر الأمير الطُنْطاش. وفي الصناعات الخشبية وخاصة في عمل المنابر المزخرفة عَرَفنا اسم المعلّم "محمد الصفدي" الذي صنع منبر جامع طَينال. وهكذا نجد أسماء المهندسين والصنّاع تنتمي إلى المدرسة الشامية في العمارة والصنعة. ومع ذلك فقد ظهرت تأثيرات المهندسين والمعماريين الأندلسيين والمغاربة واضحةً جدّاً في كثيرٍ من عمارة طرابلس، مثل مئذنة الجامع المنصوريّ الكبير شبه المربّعة الأضلاع، ومئذنة مسجد البرطاسي، وفي القاعة العلوية من قصر الأمير عزّ الدين أيْبَك المَوْصِلي، وهي تشبه بالعقد الذي يتوسّطها أقواس قصر الحمراء في غَرْناطة، وفي النافذة الصغيرة في أعلى الواجهة الشرقية للمدرسة الطواشية، حيث يتدلّى من وسطها حبْلٌ مجدول أندلسي الطراز، وفي العمود الرخامي الذي نُقشت عليه أشكالُ حبالٍ مجدولة داخل مسجد الحُجَيْجِيَّة. وليس جامع السيّد عبد الواحد المكناسي إلاّ واحداً من المعالم المغربية البناء بمئذنته الصغيرة ومحرابه البسيط، وكتابته ذات الخط المغربي المميّز. وإذا كانت القاهرة هي عاصمة دولة المماليك وفيها قصور سلاطينهم، فإن عمارتهم تتنوع وتختلط بالعمارة الطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية، إلاّ أنّ طرابلس تتميّز بخصوصيتها على أنها مدينة مملوكية خالصة، وتشكّل عمارتها أكبر تجمّع عُمرانيّ وسَكَني ومَدينتي مُترابطٍ على ساحل البحر المتوسط، وهي تنافس القاهرة في هذا المجال. وأبنيةُ طرابُلُس أكثر وثاقةً وحصانةً من مباني القاهرة، لخصائص حجارتها الرملية المتماسكة الصَّلدة، إذ لم تُسْتَخْدَم العوارض الخشبية الضخمة إلاّ في سقف الدُّور السكنية فقط، أو في السُّدّة (العُلية) الخشبية التي يقف عليها المؤذن داخل الجوامع، وفي المنابر الخشبية. فالمساجد الكبيرة والمدارس والزوايا والخانقاه، والحمّامات، والخانات، والقلعة، والأبراج الحربية، والقناطر والجسور وخزانات المياه وغيرها.. كلُّها بُنيت بالحجارة الرملية أو الصخرية الثقيلة، وطُيِّنَت من الداخل والخارج، أو غُطِّيَت جدران بعضها بالرخام الملوّن. فيما بقيت حجارة القلعة والأبراج ومآذن المساجد دون تغطية بالطين أو الكلْس، فهي ظاهرة الحجارة ولا يكاد يظهر أيّ أثر للمادّة الطينية التي توضع بين الحجر والآخر. وإنّ أهم الخصائص التي تتميّز بها العمارة الدينية في طرابلس عن عمارة القاهرة ومصر المملوكية هو وجود الإيوان الوسطي داخل المساجد الجامعة، وداخل بعض المدارس، حيث يقوم حوض الوضوء، أو بركة الماء في وسط الإيوان الوَسَطي المنخفض عن بقية جوانب المسجد بنحو المتر لتصريف المياه، وقد اقتضت الطبيعة والبيئة المناخية إضافة الحوض داخل الجامع والمدرسة ليتمكّن المصلّي من الوضوء داخل بيت الصلاة، وهو يحميه من المطر في الشتاء ومن حرّ الشمس في الصيف. كما يؤدي الحوض وظيفةً جمالية تُضاف إلى العناصر الأخرى في الجامع، ويلطّف بمائه من الحرارة ورطوبة الصيف. ونجد أحواض الوضوء في الجامع المنصوري الكبير، والتوبة، والبُرطاسي، ومدرسة قَرَطاي، والسيد عبد الواحد، وغيره، مما يؤكّد وفرة المياه في المدينة. لم يجد المهندسون المسلمون حَرَجاً في استخدام الأحجار والأعمدة التي كانت سابقاً في المعابد الوثنية أو كنائس النصارى، فألّفوا بينها في انسجامٍ بديع كما هو قائم، في الحَرَم الشمالي (الأوّل) لجامع طَيْنال حيث نرى ثلاثة أنماطٍ معمارية في جزء واحد، هي أربعة أعمدة غرانيتية ضخمة مجلوبة من مصر أيام الفراعنة، يعلوها أربعة تيجان كورنثية بتوريقاتها وزخارفها التي اختصّ بها الفنّ الروماني-البيزنطي، ويتركز عليها دعامات من الحجارة الرملية تُسْهِم مع دعاماتٍ أُخرى في حمل القُبَّة التي تعبّر عن فنّ عمارة المماليك. وقد تجلّت عبقرية المهندس المسلم في تدجين تلك العناصر المختلفة، ونجح في تأليف عنصر جَماليّ متكامل ترتاح إليه النفس. على أنّ البوابة الداخلية للجامع، التي تفصل بين الحرمين الشمالي والجنوبي (الأول والثاني)، والتي جاءت إسلامية البناء والهندسة والفنّ، فهي تُعتبر بحق أجمل بوابات جوامع طرابلس ولبنان على الإطلاق، وتُنافِس بفخامتها وروعةِ تناسقها وزخارفها وألوانها وخطوطها وتجويفها ومقرنصاتها وضخامتها أروع بوابات مساجد المماليك في القاهرة ودمشق. والأرجح أن مهندسي بوابات جامع طينال، وجامع البرطاسي، وجامع العطار، ومدرسة قَرَطاي، والمدرسة النورية، والمدرسة الناصرية، ومدرسة الشيخ الهندي، والمدرسة الطواشية، والمدرسة القادرية، وغيرها، كانوا أصحاب مدرسة معمارية واحدة، أو أنهم كانوا جميعاً في فترة واحدة نقلوا عن بعضهم فنّ التجويف المُقرنصات والمُدَلَّيات والتزيين بالفُسيفساء، وتلاعبوا بِقِطَع الرخام والمرمر الملوّن بالأبيض والأسود والرمادي والأُرجُواني فطوَّعوها وشكَّلوا منها تربيعاتٍ ودوائر هندسية رائعة. ومن يتأمّل في بوابات هذه المعالم التي ذكرتُها يحسّ لأول وهلة بأنها ذات روح واحدة في الشكل الهندسي العام، رغم الاختلاف في دقائق الزخارف وتفصيلاتها. كما يظهر الإحساس الموحّد عند تأمّل محراب المدرسة النورية، ومحراب مدرسة قَرَطاي، ومحراب الشيخ الهندي، ومحراب مسجد البُرطاسي حيث الرخام الملوّن يشكّل العنصر الأساس في تزيينه، ثم تليه قِطَع الفُسيفساء والمنمنمات الدقيقة والملوّنة فوق تجويفه المحاريب. غير أنّ محراب البُرطاسي يتميّز عن كل محاريب طرابلس ولبنان على الإطلاق بالزخرفة النباتية الرائعة من الفسيفساء المذهَّبة التي تغطّي كامل الفجوة والحِنية العُليا من المحراب، وهي تشكّل كأساً تتفرّع منها أغصانٌ وفروعٌ متناسقة متساوية الأبعاد يميناً ويساراً تُضْفي جواً من الراحة في نفس المتأمّل لها. وهذه التزيينات مماثلةٌ للتزيينات في واجهة الجامع الأموي البيزنطية الطراز، وهي طبق الأصل عن الزخرفة النباتية في جامع الأمير "تنكز" بدمشق، والذي بدأ ببنائه في سنة 717 هـ./1317 م. مما يرجّح أن الفنان الذي عمل في تزيين "البرطاسي" بطرابلس، وجامع "تنكز" بدمشق هو واحد. ويكاد مسجد البرطاسي أن يكون بناءً مكتملاً حاوياً لكلّ العناصر الجمالية والفنية التي تعبّر بقوّة ووضوح عن عبقرية البنّاء والمهندس والفنان المسلم. فمئذنة هذا المسجد تقوم مباشرةً على عِقْد البوابة الخارجية، وهذا النظام في البناء يندر حدوثه إذ يحتاج برج المئذنة المرتفع والضخم إلى قاعدة ثابتة عريضة وقوية لتَحْمِله، فأتى بناء المئذنة على قُبّة أو قوس البوابة المُفَرَّغ مباشرة، وكأنَّه تحدٍّ من البنّاء والمهندس المسلم لقوانين الهندسة والعمارة وتوازن الأثقال ونجح في ذلك. وتأثّر المهندس بالطراز الأندلسي، ويظهر هذا التأثّر على الواجهة الغربية للمئذنة، حتى يُخيّل للناظر إلى هذه الواجهة لأوّل وهلة أنه يرى إحدى مآذن الأندلس أو المغرب العربي. ويشتدّ الإحساس بأنّ المهندس أندلسي الأصل، هاجر إلى طرابلس وأسهم في بناء معالمها الإسلامية وسجّل أصله الأندلسي في زخرفة العِقْدين التّوأمين المُنْكَسِرَين عند رأسهما، وتتناوب فيهما الحجارة البيضاء والسوداء، ويرتكزان على ثلاثة مناكب من الحجارة البيضاء، وتنفتح تحتهما نافذتان مستطيلتان، يفصل بينهما عمود داكن اللون. والنافذتان مع العِقْدين ضمن إطار مجوَّف مستطيل غائر في واجهة المئذنة، بحيث يبدو سطح العِقْدين بمستوى سطح واجهة المئذنة. وفوق هاتين النافذتين نافذتان أُخْريان ترتكز قنطرتهما المدبَّبة على عمودٍ مركزي، وفوق هاتين النافذتين الأخيرتين مباشرة مُقرْنصات متدرّجة تشكّل أسافين لقاعدة برج المئذنة المشرف إلى الخارج، بحجم يزيد عن حجم ساق المئذنة، وهي الشُرْفة التي يقف عليها المؤذّن. أمّا قُبَّة المسجد فهي غاية في الروعة والبهاء والفخامة والارتفاع والاتّساع، تحتها حوض من الرخام الملوّن. وأرض المسجد كلّها بالرُخام الملوّن والفُسيفساء تشكّل تزيينات هندسية بديعة حول الحوض، كما يغطّي الرخام كامل الواجهة لبيت الصلاة بأشكال هندسية متناسقة، نجد مثيلاً لها في رواق القِبْلة بجامع "ألطُنْبُغا المارداني" بالقاهرة، وكذلك الجدار القِبْليّ في مدرسة الأمير قَرَطَاي بطرابلس. أمّا واجهة المدرسة الشمالية عند المدخل فقد أضيف إليها أربع حشوات على شكل مربّعات، يحتوي الأوّل على نقش كتابيّ بالخط الكوفي المربّع يتضمن اسم "محمد" وقد كُتِب أربع مرّات حول محور مركزي بحيث يُقرأ الاسم من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، ومن اليمين إلى اليسار، وبالعكس. أما الحشوات الثلاث الأخرى، فتتضمن اسم "علي" كُتِبَ أربع مرات في المربّع الواحد ومن الجهات الأربع كما في "محمد". وهذه الحشوات أُخذت من بقايا العمارة الفاطمية التي كانت تقوم على جانبي النهر، وتشبه الكتابة التي تزين خان المنزل الفاطمي الذي أُزيل من مكانه عقب فيضان نهر طرابلس 1955 ووُضِعَت حجارته داخل قلعة طرابلس ولا تزال. كما زُيِّنَت واجهة المدرسة، وخاصّة فوق عتبة الباب بسِنْجَتيْن، إحداهما بيضاء، والأخرى سوداء. وهكذا نرى أن مدرسة وجامع البرطاسي احتوت على التأثيرات الأندلسية-المغربية، والتأثيرات البيزنطية، والفاطمية، مع العمارة المملوكية، لتشكّل نسيجاً معمارياً وفنّياً غاية في الروعة والجمال. وجامع طينال يماثل مسجد البرطاسي في روعة البناء والهندسة، إلاّ أنه أفخم لضخامته فهو يتألّف من حَرَمين، وله خمس قِباب متفاوتة الأحجام فيما للبُرطاسي ثلاث قباب. ويغطّي الرخام الملوّن كامل أرضية الحَرَم الشمالي 0الأول) وكامل مدخله وباحته الخارجية حيث يقوم فيها حوض للوضوء. وتزيّن الرخام أشكالٌ هندسية ونباتية جميلة، وفي وسط الحَرَم مستديرةٌ رُخامية مفصَّصّة تتوسّطها فُتْحَةٌ غائرة في الأرض لتصريف المياه عند تنظيف المسجد وغسله. ويُعتبر برج مئذنة جامع طينال فريداً من نوعه في العمارة الإسلامية حيث يحتوي على سُلَّمين لولبيين يقومان فوق بعضهما ويؤديان إلى داخل الجامع وخارجه عبر بوابتين إذا دخلهما شخصانٍ في وقت واحد فإنهما يصعدان إلى أعلى المئذنة وينزلان دون أن يلتقيا ببعضهما، وهذه الخاصّية يتمتّع بها جامع طينال دون غيره لموقعه البعيد عن العمران بظاهر طرابلس. كما أُقيم ممرٌّ سرّي بين الجدارين اللذين يفصلان الحَرَم الداخليّ عن الحَرَم الخارجي يسمح بالاختباء داخله في حال التعرُّض لهجوم الغُزاة. وتبدو المئذنة بشكلها الخارجي العام وكأنها تشبه برج القلعة، أو قطعة الرَّخّ في رُقعة الشطرنج، وهي تتميز بتصميمها الفريد عن مآذن طرابلس. والجماليات الأخرى التي يمكن ذكرها هنا الزخارف المكثّفة المنقوشة داخل مدرسة الشيخ الهندي، وفي الشُعاعات والمَحَارات الصَدَفية التي نراها في بوابة المدرسة الطواشية، وهي طبق الأصل أيضاً عن المحارات والشُعاعات في بوابة الأمير "تنكز" في القدس، وفي الزخارف الأندلسية في قصر الأمير عزّ الدين، وفي عقد الوسائد الذي يزيّن نافذةً لأحد القصور المملوكية بالقرب من المدرسة الظاهرية، وعقد الوسائد فوق باب المدرسة الشمسية، أو فوق محراب المدرسة الطواشية، أو فوق نوافذ مئذنة جامع الأمير "طينال"، وفي التربيعة الرائعة الجمال على الباب الشرقي لجامع العطّار، وباب مدرسة الأمير قرطاي، وفي الزخرفة الدائرية فوق باب المدرسة النورية، والقادرية، وداخل مدرسة الشيخ الهندي، وعل بابها، وفي الكتابات بالخطّ النَّسْخي المملوكي داخل حجرة ضريح المدرسة السقرقية، والتزيينات المُرافقة لها، مع الكتابات على واجهتها الخارجية، وكذلك الكتابات الكثيرة المنقوشة على معظم المساجد والمدارس المملوكية مع ظاهرة فنيّة أخرى تمثّلت في الرنوك (الشعارات) التي نقشها السلاطين ونوابهم وأمراء المماليك على صُروحهم التي شيّدوها، ومنها رَنْك الأمير أخور (أمير الإصطبل) وهو السيف وحَدْوَة الفرس المنقوش داخل قلعة طرابلس، ورَنْك الساقي (الكأس) المنقوش داخل برج الأمير بَرْسَباي المعروف غلطاً ببرج السباع، ونرى شعار الكأس ايضاً على مئذنة جامع طينال، وعلى المدرسة الخاتونية، وعلى بوابة زقاق الأمير قَرَطاي، وغيره. كما نرى شعارات: الجوكّنْدار، والعَلَم دار، والسلحدار، والبُقجة، والدَّواة دار، وغيرها في أماكن متفرّقة. ويعكس بناء مدينة طرابلس لمسة إنسانية وروحٍ متعاطفة بين المهندس والبنّاء وصاحب البناء والتعاطي هندسياً ومعمارياً مع عامّة الناس، وذلك في كسر حدّة الزاوية لكلّ بناء يقع في بداية السوق أو في نهايته أو عند كل منعطف بحيث تُشطف الزاوية الحادّة للبناء كما يُشْطف طرف لوح الزجاج للتخفيف من حدّته، فلا يجرح من يلمسه أو يرتطم به. ولا يخفى ما في هذه الخصوصية من فنّ جماليّ، إذ لم يكتف المهندس بكسر حدّة الزاوية فحسب، بل أضفى عليها مِسْحة جمالية حيث جعل نهاية الزاوية المشطوفة شبيهة بحِنْية المحراب، وزيّنها ببعض التجويفات المتناسقة لترتاح العين لرؤياها، وهذه الظاهرة الفنيّة والإنسانية نفتقدها الآن في الأبنية الحديثة. وتجدر الإشارة هنا أن تخطيط المدينة في العهد المملوكي تبع نظاماً معيّناً حيث أقيم سوق الصيّاغين عند البوّابة الشمالية للمسجد المنصوري الكبير، كما أقيم في الطرف الشرقي من المسجد سوقٌ آخر عُرف بسوق الطواقيّة، وفي هذا السوق كانت تباع مختلف البضائع الخفيفة والتي لا تسبب إزعاجاً للمترددين على السوق وعلى الجامع، مثل بيع العطورات، والمسابح، والكتب، والمصاحف، وماء الزهر، وماء الورد، والأشياء التي تنبعث منها الروائح الزكيّة والطيّبة والتي تنساب إلى داخل الجامع فتوفّر شعوراً بالراحة للمصلّين. وهكذا نشأت الأسواق النفيسة والملاصقة للجامع الكبير، وهذا النظام هو المتبّع في المدن العربية والإسلامية منذ التاريخ الإسلامي. أمّا الأسواق ذات الصناعات والحرف الخسيسة، والتي تسبب إزعاجاً وضوضاءً وينتج عنها روائح مزعجة أو مناظر مؤذية، فقد روعي بأن تكون بعيداً عن مركز المدينة ووسطها وبعيداً عن المسجد الكبير. ولهذا نجد سوف النحّاسين بعيداً عن الجامع، وكذلك محلّة الدبّاغة، ومحلّة الملاّحة، ومحلّة الحدّادين، وغيرها من المحلاّت التي تسبب إزعاجاً فإنها تقوم عند أطراف المدينة. خان الخيّاطين http://www.tripoli-city.org/monuments/misriyyin01.jpg خان المصريين http://www.tripoli-city.org/monuments/barsbay2.jpg قلعة بارسباي http://www.tripoli-city.org/monuments/mansouri9.jpg الجامع المنصوري الكبير http://www.tripoli-city.org/monuments/nasiriyah2.jpg المدرسة النّاصريّة http://www.tripoli-city.org/monuments/kartawi9.jpg المدرسة القرطاوية، الجامع المنصوري الكبير، وبيت الأمير شهاب الدين قرَطاي http://www.tripoli-city.org/monuments/kartawi8.jpg بوّابة المدرسة القرطاوية <H5>http://www.tripoli-city.org/monuments/mansouri8.jpg رواق الجامع المنصوري الكبير http://www.tripoli-city.org/monuments/hindi01.jpg مدرسة الشيخ الهندي http://www.tripoli-city.org/monuments/ouways4.jpg مئذنة جامع الأُوَيْسيّة http://www.tripoli-city.org/monuments/ouways5.jpg قبّة جامع الأُوَيْسيّة http://www.tripoli-city.org/monuments/hamezz4.jpg حمّام عزّالدين http://www.tripoli-city.org/monuments/aattar4.jpg البوّابة الرئيسيّة لجامع العطّار http://www.tripoli-city.org/monuments/aattar3.jpg جامع العطّار http://www.tripoli-city.org/monuments/sanjar01.jpg تفاصيل معمارية في قصر الأمير المملوكي سَنْجَر الحمصيّ http://www.tripoli-city.org/monuments/sanjar02.jpg تفاصيل معمارية في قصر الأمير المملوكي سَنْجَر الحمصيّ http://www.tripoli-city.org/monuments/shouhadaa2.jpg مدرسة الشهداء http://www.tripoli-city.org/monuments/bortasi10.jpg جامع البرطاسي http://www.tripoli-city.org/monuments/bortasi5.jpg جامع البُرطاسي من الداخل http://www.tripoli-city.org/monuments/thahiriyeh1.jpg المدرسة الظاهرية http://www.tripoli-city.org/monuments/mawsili01.jpg قصر الأمير عزّ الدين أيبك المَوْصلّي http://www.tripoli-city.org/monuments/qadiriyah2.jpg المدرسة القادرية http://www.tripoli-city.org/monuments/hojeyjy2.jpg مسجد الحُجَيْجيّة http://www.tripoli-city.org/monuments/tuwayshiyah2.jpg المدرسة الطواشية http://www.tripoli-city.org/monuments/nouriyah2.jpg المدرسة النورية </H5> |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
جولة سياحية في رحاب طرابلس لبنان
|
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
الوصول إلى ساحة التلّ
تشتمل طرابلس على بضع المواقع الأثرية، يعود ممئات من عظمها إلى القرن الرابع عشر. فهنالك العديد من المساجد المملوكية والعثمانية، كما توجد العشرات من المدارس ، والخانات، والحمّامات. وتشكّل الأسواق والخانات المكان المناسب لاحتضان العديد من الحرف كالخيّاطين، والصّياغين، والعطّارين، والدبّاغين، وصانعي الصابون، والنحّاسين، وغير ذلك من الحرف المتوارثة والتي تمارس ضمن بيئة وفي أبنية وعمائر لم تتغير منذ العصور الوسطى. عندما تصل- عزيزي الزائر- إلى الساحة المركزية لطرابلس "التلّ"، ستجد الساعة العثمانية ذات الطبقات الخمس، المُهداة من السلطان "عبد الحميد الثاني"، وبجوارها حديقة المنشيّة، وقصر "نوفل" العثماني، وقد حوّلته بلدية المدينة إلى مركز ثقافيّ، وترى من حول ساحة "التلّ" المباني السكنية والتجارية والفنادق ذات الطراز العثماني. http://www.tripoli-city.org/monuments/tell12.jpg ساحة الكورة http://www.tripoli-city.org/monuments/house11.jpg الهندسة المعمارية العثمانية في منطقة التلّ http://www.tripoli-city.org/monuments/tell8.jpg |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
المجمّع الأثريّ الأول
وفي أقلّ من دقيقة مشياً على الأقدام يصل المرء إلى ساحة "الكورة"، ومنها في دقيقة إلى ساحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون (النجمة سابقاً)، حيث بداية حدود المدينة القديمة، ومن هنا تبدأ الجولة السياحية والغوص في سِحر الشرق، والتمتّع برؤية المعالم الأثرية والتاريخية الفنيّة بزخارفها ونقوشها. وخلال دقيقة واحدة يتمّ الوصول إلى (المجمّع الأثريّ الأول) وفيه: الجامع المنصوري الكبير الذي أسّسه السلطان الأشرف "خليل بن قلاوون"، وتمّ بناؤه عام 1294م. وهو أكبر وأقدم جوامع المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق. وعند مدخله الرئيس على اليمين مدرسة "الشيخ الهندي"، من مطلع القرن 14 م بزخارفها الملوّنة في الخارج والداخل.وعلى اليسار "المدرسة الشمسية" أقدم مدارس المماليك في لبنان، من أواخر القرن 13 م. وفوقها دار صاحبها القاضي "شمس الدين الإسكندري" ومنظرته الخشبية. ومن الجامع تصل إلى مدرسة الأمير "شهاب الدين قرطاي"، أكبر وأجمل مدارس المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق، بناها بين 1316-1326م، وهي تضاهي ببواّبتها الشمالية أجمل وأفخم مساجد القاهرة ودمشق. ولا بُدّ من الإلتفاف حول المدرسة عبر سوق العطارين، للوصول إلى زُقاق الأمير ومطالعة 10 مراسيم سلطانية من عصر المماليك وقد نُقشت على جدار المدرسة، ودار الأمير، وباب الجامع الكبير، ويتأمّل "رَنْك" الأمير، والكتابات والزخارف الرائعة فوق نوافذ المدرسة. http://www.tripoli-city.org/monuments/mansouri9.jpg الجامع المنصوري الكبير http://www.tripoli-city.org/monuments/nasiriyah2.jpg المدرسة النّاصريّة http://www.tripoli-city.org/monuments/kartawi9.jpg المدرسة القرطاوية، الجامع المنصوري الكبير، وبيت الأمير شهاب الدين قرَطاي http://www.tripoli-city.org/monuments/kartawi8.jpg بوّابة المدرسة القرطاوية http://www.tripoli-city.org/maps/hc01original.jpg خارطة المجمّع الأثريّ الأول http://www.tripoli-city.org/monuments/mansouri10.jpg داخل الجامع المنصوري الكبير http://www.tripoli-city.org/monuments/mansouri8.jpg رواق الجامع المنصوري الكبير http://www.tripoli-city.org/monuments/hindi01.jpg |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
المجمّع الأثريّ الثاني
ومن سوق العطارين الذي يعجّ بالباعة والمارّة وأنواع الموّاد الغذائية، وفي دقيقة، يتمّ الوصول إلى محلّة "المهاترة" صعوداً بالدَرَج، حيث (المجمّع الأثري الثاني)، فالمحلّة متراصّة البناء، محصّنة، تدلّ بوضوحٍ على أنها الحزام الأمنيّ، والخطّ الدفاعيّ المحيط بالقلعة. ففي دقيقة واحدة من بداية الدرج تصل إلى الباب الأثري القديم للمحلّة، المُسمّى قديماً "الباب الأحمر"، وكان يُقفل عند المساء، وعلى يمين الصاعد "مدرسة الرفاعي" من العصر العثماني، وداخل باب المحلّة -على اليسار "المدرسة العجمية" وهي مملوكية، بُنيت عام 1365م. وعلى واجهَتَيْها نقوشٌ كتابية. وعند هذه المدرسة واحدٌ من أقدم وأحصن الأزقة في المدينة وأضيْقها، يُعرف قديماً بـ "زقاق الأسرار"، وهو يُعتبر نموذجاً حيّاً من نُظُم العمارة (المدينة- الدفاعية) في آنٍ معاً. http://www.tripoli-city.org/monuments/mahatra4.jpg الباب الأحمر http://www.tripoli-city.org/monuments/mahatra5.jpg زقاق الأسرار http://www.tripoli-city.org/maps/hc02original.jpg خارطة المجمّع الأثريّ الثاني http://www.tripoli-city.org/monuments/mahatra3.jpg |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
المجمّع الأثريّ الثالث
ومن "بوّابة المهاترة" صعوداً بالدَرَج، وفي أقلّ من 3 دقائق، نصل إلى (المجمّع الأثريّ الثالث) قلعة طرابلس في أسفل هضبة أبي سمراء، أكبر القلاع الحربية في لبنان وأقدمها، أسّسها القائد العربيّ "سُفيان بن مجيب الأزدي" عام 636م. وبنى فيها الفاطميون مسجداً أوائل القرن 11م. وجدّد القائد التولوزي "ريموند دي سان جيل" حصناً فوقه عام 1103م. ثم حوّله الأمير المملوكي "أسَنُدَمُر الكُرْجي" عام 1307م. إلى قلعة وبنى بها أبراجاً، ثم أضاف السلطان العثماني "سليمان بن سليم الأول" عام 1521م. البرج الشمالي وفيه باب القلعة. وهي فوق تلّة صخرية، تتألّف من 4 طبقات، طولها 130م وعرضها 70م بها حمّام قديم، و3 مساجد، وسجن، وإسطبل للخيول، وقاعات للقادة وكبار المسئولين، وقاعات ضخمة للجُند والذخيرة والمدفعية، وآبار وخزّانات للمياه، وأحواض للشرب، ومقابر، وباحات واسعة للتدريبات العسكرية والاستعراض، وأكثر من 100 حجرة مختلفة الاتساع، ونحو 10 أبواب في أسفل أسوارها، بعضها يؤدّي إلى النهر، وبعضها يؤدّي إلى الأسواق الداخلية، وترتفع أسوارها بين 15-20م بها نوافذ للمدفعية. ومن على متْن السور، بعرض مترين، يمكن رؤية المدينة مع الميناء وجزرها في البحر، والطريق إلى بيروت، والطريق إلى حمص. ومن فوق السور الشرقيّ ترى أجمل لوحة ساحرة لجبال الأرز وسفوحها، ووادي قاديشا، وعلى جانبيه أروع ما أبدع الخالق من جمال الطبيعة. وتُشرف من القلعة أيضاً على "تكيّة الدراويش المولوية" وهي على مسافة 200 متر من القلعة جنوباً، من العصر العثمانيّ، بناها "صمصمجي علي" 1619م. http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa23.jpg قلعة طرابلس http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa38.jpg قلعة طرابلس ليلاً http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa8.jpg غرف داخل قلعة طرابلس http://www.tripoli-city.org/maps/hc03original.jpg خارطة المجمّع الأثريّ الثالث http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa36.jpg البوابّة الرئيسية لقلعة طرابلس http://www.tripoli-city.org/aramco/aramco10.jpg طرابلس كما تظهر من إحدى نوافذ قلعة طرابلس وفي الصورة أيضاً مدفع رمضان http://www.tripoli-city.org/monuments/kalaa41.jpg داخل قلعة طرابلس http://www.tripoli-city.org/gallery/gallery96.jpg منظر تاريخي لتكيّة الدراويش " المولويّة " أسفل هضبة أبي سمراء |
رد: طرابلس الذاكرة و التاريخ
المجمّع الأثريّ الرابع
ومن القلعة، هبوطاً باتجاه الشمال، نصل في 3 دقائق إلى (المجمّع الأثريّ الرابع) في "طلعة السمك"، فنرى "جامع الأُوَيْسيّة". من عصر المماليك، 1462م. ومئذنته العثمانية 1535م. وعلى جانبيه توجد مدرستان ملحَقَتان به، وفيه مقام والي طرابلس العثماني "أحمد باشا الشالق" 1665م. وعليه كتابة بالتركية، وضريح "محمود بك السنجق" 1621م، وبجوار الجامع آثار كنيسة من عهد الصليبيّين. وفي نصف دقيقة نصل إلى زقاق "سيدي عبد الواحد"، وفيه "خان الخشب"، وأمامه جامع "السيد عبد الواحد المِكُناسيّ" المغربيّ الطراز، المبنيّ في عصر المماليك 1305م. وعند مدخله مقام "عبد السلام المشيشي" من أهل المغرب. وبقرب الجامع مسجد "البهاء"، وهو قديم جدّده "أحمد بروانة" 1750م. ثم جدّده "عبد الله البهاء الحلبي" 1819م. وعلى مقربة من المسجد دار أحد أعيان المدينة في العصر المملوكي، زُيّنت عَتَبَتُها بالزخارف الرائعة، ويمتاز هذا الزقاق بأنّ نصفه مسقوف بالمساكن، وهو الطابع السائد في تخطيط المدينة القديمة. http://www.tripoli-city.org/monuments/kharnoob02.jpg بائع الخرنوب http://www.tripoli-city.org/monuments/dubbaha3.jpg مسجد البهاء http://www.tripoli-city.org/monuments/bazerkan01.jpg سوق البازركان http://www.tripoli-city.org/hc04.jpg خارطة المجمّع الأثريّ الرابع http://www.tripoli-city.org/monuments/ouways4.jpg مئذنة جامع الأُوَيْسيّة http://www.tripoli-city.org/monuments/ouways5.jpg قبّة جامع الأُوَيْسيّة http://www.tripoli-city.org/monuments/miknasi3.jpg جامع السيد عبد الواحد المِكُناسيّ _________ المجمّع الأثريّ الخامس من زقاق "سيدي عبد الواحد" نصل فوراً إلى "سوق العطارين" بطرفه الشمالي، ومنه إلى "سوق البازركان"، قلب الأسواق النابضة بالحياة، المتخصّص بالأقمشة بأنواعها وألوانها، ويمكنك وأنت تسير أن تشرب كأساً من عصير البرتقال، أو عصير الجزر، أو التمر الهندي، وتتابع سيرك لتصل في دقيقتين إلى (المجمّع الأثري الخامس)، إذ يستوقفك "حمام عزّ الدين" من عصر المماليك، وهو أكبر حمامات طرابلس ولبنان،بُني بين 1295-1299م، وترى الكتابة والنقوش اللاتينية فوق بابيه الخارجي والداخلي، وهي تشير إلى أنها من بقايا الآثار الصليبية. وبعد الحمام بخطوات قليلة: "خان الخياطين" أشهر خانات طرابلس وأجملها، المتخصّص بالخياطة والأزياء الطرابلسية والوطنية والعربية، والتي نالت شهرة عالمية في العصور الوسطى، ولا تزال إلى الآن تنال إعجاب السائحين والزائرين، ولا يفوتهم شراء عباءة، أو زنّار حرير، أو قفطان رجالي، أو ثوب نسائي، مشغول بيد فنّان طرابلسي ورِث حرفته عن أبيه، عن جدّه. وتُفضّل أشهرُ الفِرَق الفنيّة الإستعراضية اللبنانية والعربية أن تأخذ أزياءها المشغولة بأيدي الخيّاطين الطرابلسيين المُبدعين. ويَرْقى تاريخ هذا الخان إلى ما قبل عصر المماليك، حيث عُثر عند بابه الغربي على آثار بيزنطية. وبمواجهة "خان الخياطين" مباشرة "خان المصريّين"، لا يفصل بينهما سوى الطريق، وهو مربّع الشكل، من بناء السلطان المملوكي "الناصر محمد بن قلاوون" في النصف الأول من القرن 14م. وكان خاصّاً بالتجار والنُزلاء القادمين من مصر. وفي أقلّ من دقيقة، من "خان الخياطين" و"خان المصريّين" نصل إلى "جامع العطار" من عصر المماليك، بناه "بدر الدين العطار" حوالى 1325م. وتستوقفنا بوّابته الشرقية، وزخارفها ونقوشها الرائعة، الملوّنة. ولك أن تدور حول الجامع شمالاً لتشاهد مئذنته العالية الضخمة وهي أشبه بالبرج الحربيّ، ثم تصل إلى باب الجامع الغربي عبر طريق مسقوفة، لتتعرّف على اسم أشهر المهندسين المعماريّين في تاريخ طرابلس "أبو بكر بن البُصَيْص". http://www.tripoli-city.org/monuments/tripoli60.jpg منظر جويّ للمجمّع الأثريّ الخامس: جامع العطّار (اليسار)، خان الخيّاطين (الأعلى)، وخان المصريّين (الأسفل) http://www.tripoli-city.org/monuments/hamezz4.jpg حمّام عزّالدين http://www.tripoli-city.org/monuments/khayat7.jpg سواح ألمانيون في خان الخيّاطين http://www.tripoli-city.org/monuments/misriyyin01.jpg خان المصريّين http://www.tripoli-city.org/maps/hc05original.jpg خارطة المجمّع الأثريّ الخامس http://www.tripoli-city.org/monuments/khayat6.jpg خان الخيّاطين http://www.tripoli-city.org/monuments/aattar4.jpg البوّابة الرئيسيّة لجامع العطّار http://www.tripoli-city.org/monuments/aattar3.jpg |
الساعة الآن 46 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية