رد: الندوة الأولى موضوعها دور الملتقيات العربية المتخصصة على الشابكة
الفضلى الكريمة الأستاذة هدى
المعرفة في عصر المعلوميـات
ربما ستحرر الثورة المعلوماتية المعرفة، لأول مرة في التاريخ البشري، من عدد من القيود التي ظلت تحول دون إنتاجها بشكل كبير ومكثف، منها:
أ) الارتباط بأفراد بعينهم، هم العلماء أو الأشخاص الذين مروا عموما من المؤسسة الجامعية؛
ب) التأثر بالعوامل العرقية واللغوية والسياسية، وحتى الدينية، والأحوال الاقتصادية والعائلية للعلماء. يؤشر المنعطف الذي نحن بصدده على أن الأشياء ستمضي بحيث يصير العلم مثل بئر أو وعاء، بإمكان «الجميع» أن يأتي ليغرف منه، ويصب فيه إسهامه الشخصي؛
ج) سيذوب العلماء في العلم، عكس الوضع الحالي الذي ظل فيه العلم إلى يومنا هذا جسدا يذوب في العلماء بشكل ما؛
د) سيتم إنتاج المعرفة بشكل جماعي ومكثف أكثر من أي وقت مضى و(هذا ما بدأ فعلا، إذ تنتج البشرية حاليا في بضعة عقود من المعلومات والمعارف ما كان يستغرق إنتاجه قرونا)، بحيث يمكن للعالم الصيني أن يعمل بجوار زميله الفرنسي بجوار زميله الموريتاني. ستكون دار العلم مشرعة على كل الرواد، كريمة مع الجميع. وهذا كله رهين طبعا برفع العوائق الحالية (السياسية، العرقية، الدينية، الخ.) التي ستبدد لا محالة في أمد متوسط أو بعيد.
سيصير بإمكان أي امرئ الاطلاع على قسم هائل من المعلومات، في سائر الحقول المعرفية، بمنتهى السهولة والبساطة. يكفيه أن يبحر في الشبكة، ويلج الموقع (أو المواقع) الخاصة بموضوع اهتمامه، ثم ها هو يغرف، ربما على قدم المساواة، كأي طالب من طلاب الحقل المعرفي المبتغى، وكأي متخصص من متخصصيه. أكثر من ذلك، يمكنه أن يتعلم في أكثر من حقل. توجد اليوم مواقع لتعليم الإخراج المسرحي والسينمائي، وأخرى لكتابة السيناريوهات، وتعلم اللغات الأجنبية، والفنون التشكيلية، والفوتوغرافيا الإلكترونية، ومواقع لتعلم الشعر، وأخرى لكتابة الرواية، الخ. ولنا أن نتصور، على المدى البعيد، جدوى بقاء المؤسسات التعليمية بشكلها الحالي من مدارس وثانويات ومعاهد وجامعات مادية...
هل ستصير المعرفة بضاعة كسائر البضائع الاستهلاكية، بحيث لا يتطلب البحث عن دراسة فلسفية أو نقدية أو نص إبداعي، مثلا، جهدا أكبر مما يقتضيه مجهود الحصول على علبة عود ثقاب من دكان؟ ذلك ما بدأت مؤشراته تلوح حاليا؛ فآلاف الكتب، المنتمية إلى المجال العمومي بالخصوص، تم وضعها سلفا على الخط، بحيث يمكن لكل معني بأي عنوان منها أن يطلع على ما يريد أو ينسخه أو يستنسخه إلكترونيا بالمجان، بل إن عدد الكتب والندوات والأطروحات الجامعية والدوريات والمجلات والمقالات الإلكترونية الموضوع مجانا رهن إشارة المبحرين، للنشر أو النسخ، يتزايد باستمرار وأطرف ما يمكن الوقوف عليه في هذا الباب العبارات الموجودة أسفل موقع جيل دولوز، المتضمن لدراسات هامة عن السينما والصورة لم يسبق نشرها من قبل فضلا عن بعض كتبه، والتي تدعو الزائرين بما مفاده: «هذه النصوص لكم، فاستنسخوها إلكترونيا، انسخوها، قرصنوها، فبتاريخ كذا سنرحل من هذا الموقع» وباختصار، فإن المواقع بصدد التهجير الحرفي لما هو كائن في العالم المادي إلى الفضاء الافتراضي، وبذلك يجد الجميع عمليا فرصة، مكانا، في الشبكة لعرض ما شاء وقولى «ما شاء» وأخذ ما شاء...
هل نحن على أبواب دمقرطة للمعرفة؟أننا بعيدون كل البعد في الوقت الراهن عن ذلك، وهم يناضلون بطرقهم الخاصة «التخريبية» لإقرار هذه القيمة... ومع ذلك، فقد يكون ما سبق وحده مبشرا بدمقرطة مثلى للمعرفة، لم يحلم بها أي مفكر أو مبدع أو قارئ على مدار التاريخ. فعدد العلماء والباحثين الذين يحيلون على مواقعهم في تزايد مستمر، والإحالة، داخل نصوص الدراسات الإلكترونية، على المواقع والوثائق الإلكترونية في تزايد مستمر، مما يتيح للقارئ المبحر أن يتحقق من نص الإحالة دون بذل أدنى مجهود، إذ يكفي النقر على نص الإحالة - الرابط، فيملأ المصدر أو المرجع المبحوث عنه واجهة شاشة الحاسوب.واسمحى لى أن أفتح الباب واسعا للنقاش فى هذه الموضوع حتى نصل إلى نتيجة مرضية
|