آه يابلادنا : قراءة نقدية في الشعر العامي
لعل واحدة من أكثر أوجه الجدل اعتمالا في الساحة النقدية , هي مسألة الصدقية وحدود التجرد في الأعمال النقدية الموجهة نحو مختلف أصناف الأدب عامة , ونحو صنف الشعر خاصة . فجمهور الشعراء لا يفتأون يشتكون ويتبرمون من جماعة النقاد , بل ويعلنون بلا مواربة أن عددا لا يستهان به من النقاد, ضلوا طريق النقد , حين اتبعوا سبل الذاتية البعيدة عن كل المقاييس الذوقية و الجمالية السليمة .
ومجرد الوقوف على مثل هكذا أحكام , يجعل من الصعب على كل ذي اهتمام بالشعر أن يقترب ناقدا أو محللا لأية قصيدة , إلا أن يكون ذلك من باب المخاطرة التي قد تضيع معها الغاية المثلى من وراء كل نقد بناء , لاسيما حين ينزوي الناقد في زاوية الدفاع عن رأي يستميت في التمكين له من خلال ركوب المادة الشعرية كوسيلة .
وإذا كان هذا هو الحال مع شعر التفعيلة , فكيف يكون الأمر حين الحديث عن الشعر العامي ؟ إذ لا يختلف اثنان حول مسألة اعتبار هذا النوع من الشعر , مجرد شعر من درجة ثانوية . على الرغم من جميع الإعتراضات التي تقف في وجه هذا التصنيف الجائر , محاولة تجاوز تلك الإكراهات التي تعطي لمثل هاته الأحكام بعضا من مصداقيتها . لعل في مقدمتها : الوعاء الحامل لفكر القصيدة ومبتغاها , والذي ليس سوى لغة عربية فصيحة , وبحورا وأوزانا وضوابط عروضية مرسومة سلفا , في قصيدة التفعيلة , لكنها باهتة الحضور ــ ولا أقول غائبة بالمرة ــ وغير ضاغطة بالثقل نفسه في قصيدة الشعر العامي ,وبسبب الإختلاف السطحي على مستوى اللهجات التي تمتح في مجملها من معين اللغة الأم .
هكذا إذن يصبح الإصطفاف في خانة نقد الشعر العامي , اختيارا يجعلك خارج دائرة النقاد , والحق أنني لم أكن لأتطاول على هذا الأمر , فأقيس قامتي بهامات الشعراء الأفذاذ من أهل الشعر العامي والزجل , وأشرئب متسامقا إلى مراتبهم العالية , لولا رغبة جامحة تسكنني في أن أبين أن النقد نقد حيثما كان , وأن لقصيدة العامية كما لغيرها من القصائد على بساط المقاربة النقدية , أوجها للتشابه والتلاقي , بما عساه يدفع عن الشعر العامي بعضا مما يرميه به الرامون .
***
تعالوا إذن نجعل من قصيدة : "آه يا بلادنا " للشاعر " محمد عبد المجيد مرسي " مدخلا نستبين منه طرائق الكشف النقدي لقصيدة عامية , لكن ليس قبل أن أوضح أن مساءلة هاته القصيدة نقديا ليس سوى من باب الأخذ بالنموذج , بحيث لن تكون مقصودة لذاتها بقدرما هي توطئة للنقاش , نعبر من خلالها إلى مسألة نقد القصيدة العامية .
فكل قول في حق القصيدة لاينقصها مكانتها بحصولها على جائزة " نور الأدب " . وكل حكم لا يزيدنا إلا إعجابا وتربيتا على كتف شاعر متميز بمكانة الشاعر " محمد عبد المجيد مرسي " . شاكرين له مسبقا سعة صدره , مع خالص التقدير والإمتنان .
يتبع ...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|