رد: جواب لكل سؤال يتعلق بقصيدة النثر , فاسأل
الفاضل الكريم الأستاذ حسن
هناك على المستوى النقدي، اهتمام متزايد بما يسمى (قصيدة النثر)، ونحن نعرف أن واقع شيوع قصيدة النثر وتواتر الكتابة فيها حالياً من قبل الشعراء الشباب، بصيغتها المعروفة وغير المعروفة، هو الدافع إلى هذا الاهتمام الذي بقي في الغالب أسير النيات والكتابات النقدية ذات الطابع الصحفي في الغالب. والغريب في الأمر إن القصيدة العمودية ذات الموضوع السياسي والهدف الأيديولوجي الموظف لأغراض تعبوية لا تحظى بمثل هذا الاهتمام إلا في القليل النادر من هذه الكتابات. ولئن كان الكثيرون يعتقدون بأن قصيدة النثر تمثل أكثر من غيرها جانباً مهماً من الحساسية الشعرية السائدة الآن، فإن علينا أن نعترف لهم بذلك شريطة أن يتحملوا معنا الإصغاء لبعض الحقائق المتصلة بواقع بعض توجهات هذه القصيدة من ناحية، وبتاريخها السابق ومرجعيتها العربية والغربية، من ناحية ثانية. فمن خلال ملاحظة نقدية عامة يمكن القول إنه إذا كانت القصيدة العمودية أو المكتوبة على غرارها قد التزمت عندنا بالتعبير عن الفكر السائد على صعيد المضمون، والحساسية الجمالية والبلاغية الموروثة على صعيد الشكل، فإن قصيدة النثر قد منحت نفسها فرصة أكبر للتأمل أحياناً والدخول في أحيان أخرى بمماحكات لغوية ولفظية وجمالية لا علاقة لها بالقضايا السياسية والفكرية المطروحة إلا على نحو بعيد وغير مباشر، هذا إذا لم يكن المرء مستعداً للذهاب إلى حد القول بان هذا النوع من الصوغ اللساني المسمى بقصيدة النثر هو الذي يمثل الأداة المفضلة لدى الكثيرين للتعبير عن هواجس وأحاسيس ومشاعر لا تريد الإفصاح عما تريد قولـه دوماً، ولكنها لا تشعر بالانسجام وتطابق الهوية بين ما تطرحه وبين ما هو سائد في السوق الشعرية.
وهذه الحساسية الجديدة تفرض على النص تكثيفا لغويا دالا , وتفجر فى الأنساق اللغوية وتركيب الجملة الشعرية ,كبديل طبيعى لتقنيات القصيدة العمودية من الموسيقى والمباشرة الخيالية وغير ذلك حتى ترضى الذائقة العربية, واتصور ان الإفراط فى طول قصيدة النثر يدخل بها فى مناطق اللاشعرية , بحيث تتحول إلى طلاسم مغرقة فى الغموض أو تقريرية مباشرة , وربما كان هذا وراء انصراف الذائقة العربية فى بعض الأحيان عن قصيدة النثر, وأتصور أيضا أن قصيدة النثر يجب ان تكون دفقة شعورية واحدة تعبر عن هاجس شعرى يتسم بالوضوح ويتماسك فيه الخيط الدرامى الذى هو عمود الشعر فى قصيدة النثر وأن طول القصيدة يربك الخطاب الشعرى للنص ويبهت توهجها ويتفلت منها الخيط الدرامى بشكله الجيد.
أشكرك سيدى الكريم على تشريفى بهذا السؤال وسوف أتحدث لاحقا عن جماليات قصيدة النثر, وكل محبتى لك
|