[نور الأدب]

جذورٌ تُـسلب و ترابٌ ينهب..

بعد لقائي بالملك الكنعاني ملكي صادق أصبحت أكثر خوفاً من تنامي إحساسي بالظلم.. يحزنني الغوص في أعماق التاريخ الذي كنت واثقة منه جيداً ليس فقط بقراءاتي و متابعتي إنما أيضاً بذلك الكشّاف الفطري الذي يصدر من أعماق ذاتي متصلاً بسلسال لا ينقطع بين الآباء و الأبناء، و جيناتنا الوراثية هي حلقات هذا السلسال و كما تنقل لنا مورثات الملامح و اللون و الطباع إلخ..

تنقل لنا أيضاً داخل شفراتها ملخصات دلائل هذا التسلسل تماماً كالخارطة أو تسلسل شجرة العائلة إن صحّ التعبير نميز من خلالها بين الحقائق و الزيف و بين القريب المشترك و الدخيل و تسلسل الحياة في عائلتنا الوراثية و هذه حقيقة أثبتها العلم، و رموز هذا التسلسل الوراثي في جيناتنا ما زال العلم بعيدا عن فكِّ كل ألغازه المذهلة و الذي ظنّه حسب اعتقادي من يؤمنون بالتقمص ذكريات حيواة سابقة عاشتها أرواحهم في أجساد أخرى بينما مصدرها شفرات الجينات الوراثية.

ليلة موحشة..

أحزان روحي مفجعة و درب الحقيقة في زمن الزيف وعرة مسالكه يردمه الحقد و الظلم وتاريخ أمتي العظيمة مبتدعة الحروف و فجر الحضارات و الديانات ما زال يُغتال على أيدي نيرون العصر و أعداء الحقيقة و لقطاء التاريخ..
حقيقتنا تموت.. تضيع بين طيات عجزنا و جهلنا و جبننا و قلّة حيلتنا...
ها هم الصهاينة يطمسون الآثار الكنعانية في فلسطين .. سرقوا و ما زالوا يسرقون جهاراً ، يمارسون البلطجة وينقلون عشرات الآلاف من القطع الأثرية الهامّة إلى فلسطين المحتلة من متحف الهوك و البصرة و الكوفة و السليمانية بينما تقف منظمة اليونسكو متفرجة دون أن تحاول حماية الآثار العراقية، حتى الدول العربية تقف متفرجة و لم تحاول أي منها أن تطالب بتنفيذ بروتوكول حماية الآثار أثناء النزاع المسلح طبقاً لاتفاقية ( لاهاي) بينما تحرك العالم كله و من خلفه الحكومات العربية من أجل حماية تمثال بوذا في أفغانستان، و الكلّ هنا متآمر و مغيّب ما دام الأمر يتعلق بالكيان الصهيوني اللقيط في سبيل تزوير التاريخ لمصلحته عبر تزوير الآثار و المخطوطات و طمس ما لا يناسبهم لدعم زيف النصوص التوراتية المحرفة و تفتيت المنطقة..
لفافة التبغ تحرق أصابعي و الدموع الساخنة تلسع صفحات وجهي و أبقى مع أحوالنا الغريبة ذاهلة تماماً حتى يأتني صوتٌ عميق يشقّ وحدتي متسائلاً:
أروح مضطربة و دموعٌ حارقة هنا؟!! "
نظرت إليه و قد بوغتُّ من المفاجأة و شدتني في آن عيناه النافذتان العميقتان ..
بادرني: " لا تخافي اسمي " يقين" و تعني بالعربية المتيقّن أو العارف، كلداني ولدت في أور كلدان شمالي العراق، أعرف أنك لا تفهمين اللكنة الآرامية، شدتني دموعك ووصلني منك النداء حين رددت أن الزيف بدأ من زماننا عقدت العزم على زيارتك لأطيّب خاطرك ببعض ما لديّ من معلومات، أنا من قوم النبي إبراهيم (ع) و كنت من أتباعه في حلّه و ترحاله، و هو كما قد تعلمين كلداني من أرض العراق و كان مركز انطلاق الشعب الكلداني مثل كل الآراميين من شبه الجزيرة العربية و أجداد قبيلتنا أصولهم من تيماء ( تيمو) شمال المدينة المنورة، و حين غزا التصحّر شبه الجزيرة بدأت الهجرات الآرامية باتجاه الخصب و المرعى شمالاً و كان من الأجداد من ذهبوا باتجاه العراق و حملوا اسم آل كلدان و من ذهبوا باتجاه بلاد الشام عرفوا بآل كنعان و ما تفرع عنّا و عنهم و اللغة الآرامية كانت اللغة الرسمية للمنطقة في زماننا قبل أن يكتمل التطور اللغوي بالعربية" ..
ابتسمت له و دعوته للجلوس قائلة: " يعجبني إيجازك يا سيّدي و أتمنى أن تحدثني عن النبي إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة و التسليم، وعن ديانته و هجرته"
ابتسم قائلاً بمرح لطيف: " لهذا أتيت " ، ثم بدأ يروي لي:
" ولد النبي إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد في عهد الملك نمرود و نادى بعبادة الإله الواحد " الإله إيل " ( الله ) خالق السماوات و الأرض بين قومه الوثنيين، فلاقى من جراء دعوته أشدّ الاضطهاد من قومه و على يد النمرود
و بعد محاولة حرقه في برس ( 1) من قبل النمرود اضطرّ إلى الهجرة هو و أتباعه و كنت منهم، و بقي أخ له و اسمه " ناحور " في بابل و لم يخرج و تكاثر نسله و منه النبي " ذي الكفل " الذي يقع مقامه في ناحية الكفل الحالية، جنوب برس "بورسيبا" في الفلوجة السفلى.
و كانت الهجرة أولاً إلى مدينة " آرام النهرين " حيث مركز عشيرته و منها عبر الفرات من أور إلى حرّان ( طريق القوافل ) و معه بعض أتباعه و فيهم لوط، و ممتلكاته من قطعان الأغنام و الجمال، و بعد حرّان توجه بنا إلى دمشق عن طريق تدمر و بقينا فيها فترة من الزمن و فيها دخل بابنة عمه سارة ثم توجه مجدداً إلى فلسطين قاصداً الملك الكنعاني الموحد " ملكي صادق " حتى اجتاحت أرضها موجة من القحط فكان الرحيل إلى مصر عن طريق صحراء سيناء حيث القبائل الميدانية و القينية ، و فرعون مصر كان " سنان " ثم العودة مرة أخرى إلى كنعان و بصحبتهم جارية اسمها هاجر و الإقامة في جبرون ( الخليل ) و فيها تزوج هاجر و دخل بها،و فارقه لوط و سكن سدّوم.
بعد مولد ابنه إسماعيل أمره الله أن يسكنه و أمّه في مكّة و كان فيها قوم من العماليق و موضع البيت ربوة حمراء، و كان يسافر لهم أحياناً و قد ولدت له هاجر ابنتين في مكّة بينما حملت سارة و أنجبت إسحاق ، و عبر كل تلك الرحلة و مجرياتها كان بين الناس من يتبع إبراهيم و يؤمن بديانته ".
بعد صمتٍ دام لحظات سألته:
" من هم يا سيّدي نسل إبراهيم و ورثته ؟"
* قال: " أولاده و أتباعه و كل من آمن برسالته "
- أقصد يا سيّدي من نسله أو بمعنى أصح من ينتسب له نحن العرب في فلسطين ؟؟.. أم الصهاينة الذين استولوا على فلسطين و جعلوها إسرائيل؟؟؟
* - النبي إبراهيم كان أرامياً من العراق و موطنه الأصلي الجزيرة العربية و الكنعانيون السكان الأصليون لفلسطين آراميون و العرب القحطانيون تفرعوا عنهم و العدنانيون من نسله و كذلك الإسحاقيون، ديانته و ديانة أولاده في التسليم بوحدانية الله عرفت بين الناس بالحنفية ما كان موسى (ع) و ديانته و لا كان محمد(ص) و أمّته كله تغلغل في نسيج المنطقة و اختلط و الذي كله أساساً من نسيج واحد لشعب واحد و إن أسلم كل العدنانيين ، أما ما يجري من هراء هذه الأيام فهو محض زيف و سرقة لا يصدقها الأبله و لا الطفل الصغير كيف لهؤلاء الصهاينة الذين سرقوا فلسطين ، وهم من شعوب آرية أوروبية و قبائل الخزر المجرية ، من نسب يجمعهم بإبراهيم أو حتى بموسى و داوود (ع) ؟؟!! متى أنجب الساميّ آرياً أو أنجب الأسد ذئباً و النحل ذباباً؟؟؟!! مهما طال الزيف فالتراب لا يزيّف و الدم بالعروق لا يزيّف، إنه التدليس المكشوف بالقوة لا بالحق و على رؤوس الأشهاد و يزيده بأساً ضعفكم و تفرقكم و استهتاركم
تابعي رحلتك و أكملي مسيرتك على درب التاريخ فالقوة الغاشمة مرحلة ضبابية و الحق نور الشمس التي لا يقوى على حجبه الغمام طوال الوقت و إن كان للزيف قوةٌ غاشمة تدعمه فللحقّ خالق عظيم يحميه"
- أشكرك يا سيّدي.. لك و لروح سيّدنا إبراهيم منّا السلام.. نعم لقد صدقت و
صدق من قال:
" يمكن أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت و لكن لا يمكنك مطلقاً أن تخدع كل الناس كل الوقت "

يتبع...