بالأمس زارني أبي / هدى الخطيب
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/102.gif');"][cell="filter:;"][align=right] مات أبي منذ زمن طويل و لم يغب عنّي منذ رحل..و كأنّ روحي بقيت معلقة بروحه بشعاع نور من نوره لا يمكن له أن ينقطع، أحاوره و يحاورني، يحنو عليّ، أحياناً يوجهني أو يعاتبني.. [/align][align=right]
اعتاد أن يزورني مرّة واحدة على الأقلّ في الشهر قابلة للزيادة في أزمات الصحة أو الحياة و ما أكثرها في حياتنا المعاصرة...في إحدى أزماتي الصحية أحسّ بوجوده إلى جانبي كلّ من دخل غرفتي بالمستشفى في ذلك اليوم..[/align][/cell][/table1][/align][align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/102.gif');"][cell="filter:;"][align=right]
بالأمس زارني أبي...
أطلّ عليّ وجهه الحبيب و كأنّه البدر معلّق في ليل عمري و على صفحة روحي..
ناداني بصوت رقيق كالعزف على قيثارة ملائكية الأوتار:" هـدى أنا هنا يا حبيبتي... تعالي معي في رحلة قصيرة بعيداً عن الأرض.."
أخذني معه في سماء صافية فسيحة مطرّزة بماس النجوم و حطّ بنا المقام فوق كوكب صغير جداً بدا كأرجوحة منسوجة من بديع زهور الكون تزهو و تتمايل مع النسيم العليل بروعة ألوانها و أنوارها و عطورها..
أخبرته عن رسالتي للخليفة هارون الرشيد وعن ردّه عليّ..
قال: - " عرفت يا ابنتي، إن كنت أعرف كلّ شيءٍ عنك في عالمك و أحسّ بآلامك و تمطر روحي دموعك أفلا أعرف ما يصلك من عندنا؟!! "
- نعم يا أبي يا نور قلبي و وجداني و لكن.. و لكن هل تستطيع الروح أن تكتب ؟؟!!
أجاب: - " فيضٌ من روح الرشيد جسَد طاقة مداده في عينيك حتّى يصلك منه الردّ الذي أراد، فيضٌ تعجزين عن فهم ماهيته وفق الأحكام المادّية للرسائل... الآن لو فتحتِ الرسالة مجدداً لن تجدي غير رسالتك الأولى و قد عادت لطبيعتها المادّية كما كانت.
سألته: " هل أستطيع أن أعيد الكرّة يا أبي و أتواصل مجدداً معه ومع آخرين خلف البرزخ الفاصل بين الحياة و الموت؟؟.. "
أجاب: " البرزخ يا ابنتي طبقات وهو يعبر عن بشرية الجسد، كلّما صفت النفس الإنسانية تحركت الروح بحرية أكبر، حالةٌ وجدانية صافية تحتاجها الروح كي تتحرر من هيمنة الجسد، حين كتبت الرسالة و استسلمت للنوم و أنتِ على حالتك تلك استطاعت روحك التواصل مع عالمها الأصلي، و إنّي لأراك صافية الروح شفّافة حتّى استدلت روحك على الطريق المؤدي لوصول الرسائل، يا حبيبتي حتّى و إن فشلت مرّة ستنجحين مرّات.
سألت: " و ماذا عن الخونة و مجرمي الحرب و الأشرار هل أستطيع الوصول إليهم؟ "
أجاب: " أرواح الأشرار مظلمة و لا تتمتّع بماهية حرّية الأخيار، و كأنها في أقفاص حسب تعابيركم، أنظري هناك شمالاً إلى الأسفل ماذا ترين؟ "
نظرت، ثمّ أجبته مرتعشة الروح: " لا شيء يا أبي غير ظلمات شديدة متداخلة و كأنها بئرٌ هائل سحيق الأغوار"
قال: " و الآن انظري إلى اليمين و تدرجي صعوداً و بعد هذا انظري إلى الوسط تماماً و أخبريني ماذا ترين؟ "
نظرت و أنّا أسبّح الله: " أرى كوكبة من الثريّات الساحرة المتناثرة في كلّ مكان، كلّما ارتفعتُ بنظري ازدادت أحجامها و شفافيتها وأنوارها، و ما في الوسط مجرّد نجوم باهتة الضياء أو نزولاً لا ضياء لها "
قال الآن سأشرح لكِ: " في الوسط مقّر أرواح من لا هم أشرار و لا أخيار أو من لم يتركوا خلفهم شيئاً يُذكر من الخير...إلى اليمين صعوداً أرواح الأخيار حسب أعمالهم.. هنا حيث نحن أقصى ما تستطيع روحك أو جسمك الأثيري الوصول إليه وأنت على قيد الحياة، لو تقدمت يميناً لصعق جسدك و وسطاً لتاهت مسارات روحك وانقطع الحبل الأثيري الذي يصلك مع جسدك الدنيوي، ويساراً إلى الأسفل لحجبك عنها بحر الظلمات.. حين تودين التواصل اكتبي رسالتك بكلّ كيانك جسداً و روحاً و نفساً واتركي روحك توصلها إلى ما يشبه عندكم في الأرض مكتب بريد الأرواح و كلّما صفوت استطعت و وصلت رسالتك إلى هدفها ".
قال لي الرشيد يا أبي إنَّ فلسطين ستعود لنا..
أجاب: " بالطبع يا ابنتي فهذا قانون الكون و سنّة الله في خلقه و لا رادٌ لقضاء الله، وأنت مؤمنة مسلمة أما قال لك القرآن الكريم هذا و حدثك نبيّ الرحمة (ص)؟؟ "
" لو عادت فلسطين في زمنك يا ابنتي، كما أوصيتك من قبل لا تنسي نقل رفاتي إلى تراب حيفـا و إن طال الأسر فأوصي ابنك و ليوص ِ ابنك ابنه.. ""
أجبته: " نعم يا أبي عهدٌ عليّ.. العهدٌ الذي يحفظه كلّ أبناء فلسطين بالشتات أن ينقل الأحياء رفات الأموات إلى أمّنا جميعاً أرض الجذور كي تطمئنّ فلسطيننا بضمّ أبنائها جميعاً الأحياء والأموات بين ضلوعها..
قال: " انظري هناك إلى الفجر الآتي حتماً من كبد الكون، يحتاج أيدي المخلصين كي يزيحوا ستر الظلام عنه.. إنه فجر فلسطين و فجر العرب و فجر المسلمين....من كلّ حدبٍ في هذا العالم والوجهة واحدة.. فلسطين..
ستمتلئ في يومٍ ما الحافلات و الطائرات و ترتفع أصوات المؤذنين من المساجد وستعلو أصوات أجراس الكنائس و أصوات تلاوات الشكر، سيرتفع الغناء و تُقرع الطبول.. و سيحمل كلّ مفتاحه القديم.. كنز الأمل و مفتاح جنّة كل فلسطيني،و سيحمل الأحياء رفات الأموات في يوم عرسٍ بهيج..و يهتف الجميع إنّا عائدون........"
و الآن يا ابنتي يكاد أن يبزغ فجر جديد في السماء الدنيا و لا بدّ لك من العودة إلى جسدك، فلا يجوز أن يبقى جسمك الأثيريّ بعيدا أكثر من ذلك .. أستودعك الله إلى أن نلتقي.....
وداعاً يا أبي إلى أن نلتقي...
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|