رد: رسائل عتاب
غائبة أنا
لا تبحث عني بين الحضور ..
لا تنتظر اطلالتي كشمس تشرينية في سماء ملبدة بالغيوم ..
لا تنتظر هطول همسي على شواطىء أذنيك ..
غائبة أنا عنك .. ولست بين الحضور .
هذا الطفل المدلل الذي يلعب داخلك لعبتة المفضلة الظهور والاختفاء .. أما آن له أن يكبر ..
أما آن له أن ينضج ..
وأن يعلم أن لكل شيء في هذه الحياة نهاية .. الصبر .. كهذه الحياة التي يلمع بريقها في عينيك له نهاية أيضاً .. وصبري عليك الذي تجاوز كل الحدود المرسومة له .. له نهاية ..
وأنا وضعت له هذه النهاية .
لا تطيل النظر إلى صورتي المخلوعة على الحائط .. فقد كانت بالأمس بين يديك .. وكنت أنا وملامحي المشتاقة بين يديك .. لكنه غرورك بنفسك ونرجسيتك من جعلاك تظن بأنني أهوى مشاكسة الطفل الذي يعبث ويلهو داخلك ..
وأنني أقدم صبري حطباً لمواقد الانتظار ..
وأقدم روحي قرباناً لأمسيات غابت خلف حدود اللقاء .. وأنني لا يكسرني الملل في غيابك .. ولا تقتلني الوحدة في ليالي الاشتياق ..
تغيب آلاف السنين ثم تعود إليَّ تحمل بين يديك باقة ملونة من زهور الحب الملتاعة.. موشوم عليها بجمر الاشتياق ..
اغفري لي صمتي !
وماذا عن حديثك العذب الذي لا ينتهي تحت نوافذ الحسناوت .. هل هو صمت أيضاً ؟
أم أنك اعتدت كسائر الأطفال ألا تلهو بالدمية التي بين يديك .. فهي لك .. تنتظرك ..
حتى تفرغ من اللهو بدمى جديدة .. حسناوات على مشارق الحروف ومغاربها ؟
نعم رأيتك هذا الصباح تبحث بمرارة المشتاق عني .. رأيتك تفتش عن ملامحي بين تلك الصور .. تعبث بأوراقي التي تركتها آمنة بين يديك .. تسأل نفسك السؤال الذي تتمنى ألا تسمع إجابته ..
هل رحلَت حقاً ؟
حقائب الرحيل أقدامها أصبحت تقف على قارعة الطريق .. وذلك الوطن الذي وعدتني فيه في أول لقاء بيننا .. سأرحل إليه .. لكن بدونك ..
صورتك ستبقى معلقة على جدران الزمن .. لن أحملها في قلبي ولا في حقائبي ..
صوتك الذي كنت أعشقه والذي كان يدغدغ حاسة السمع لدي .. يوقظها كل صباح .. وتغفو على موسيقاه كل مساء .. سأتركه هنا ..
ووعودك لي بالعودة معاً إلى هناك ..
وعودك لي بأن أتربع على عرش قلبك .. وبأن أكون تاج حروفك .. وأن أكون وطنك .. وأن أكون أنا لك وتكون أنت لي وحدي ..
كلها ستبقى هنا .. شاهد حيٌّ على كذبك .
عندما أعود إلى الديار سأعود وحدي ..
سأمرُّ على ليمونتك اليتيمة وأحضنها براحتي قلبي .. وأسقيها من دمع عيني الذي أخفيته عنك .. وأرويها من دمع الفراق ودمع الرحيل الذي حملته معي في حقائبي .. علها تكبر وتنضج أكثر منك فترافقني في وحدتي ..
وسأشرب القهوة المرة في فناء ذلك المنزل .. وسأوقد لك شمعة هناك .. تجدها عند العودة ..
قد أترك لك بعضاً من همسي يدفىء لك فراش قلبك البارد ..
أما أنا فسأرحل ..
وسأكون من هذه اللحظة غائبة عنك ..
غائبة أنا .. فلا تبحث عني بين الحضور .
|