مدخل في المصطلح
كان التوصل إلى التعريفات المدرجة في هذا المدخل، للمصطلحات الأربعة الرئيسة المذكورة فيها، حصيلة بحث مطوَّل حول المحددات الدلالية لكل مصطلح وما يتصل به من إشكاليات، وقد نشرتُ هذا البحث كاملاً بعنوان (في الأدب الإسرائيلي، مقدمة في المفاهيم والمصطلحات، الحلقة الأولى)؛ ومن يريد التوسع في هذا البحث، يمكنه مراجعته منشوراً، في مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية العدد (1)، السنة /18/، كانون الثاني، 1991، الصفحة من (68 – 91).
في المؤلفات القليلة التي نشرت باللغة العربية، حول النتاج الأدبي لعدد من أدباء إسرائيل والمتعاطفين معها ومع الصهيونية من أدباء العالم، يهوداً كانوا أم غير يهود، يلاحظ الباحث وجود تداخل شديد بين المصطلحات التي استخدمها الدارسون العرب لتوصيف ذلك النتاج الأدبي، ولتحديد نوعية مؤلفيه وانتماءاتهم، فكرياً وسياسياً وحتى دينياً.. فتارة هو (أدب يهودي)، وتارة (أدب صهيوني)، وتارة ثالثة (أدب عبري)، وتارة رابعة (أدب إسرائيلي)...
هذا على صعيد الكتب العربية المؤلفة حول نتاج بعض أدباء إسرائيل والصهيونية، أما على صعيد الدراسات والمقالات العربية التي تعرضت لجانب أو أكثر من هذا النتاج، فإن التداخل بين دلالات المصطلحات الأربعة السابقة يبدو أشد وأكثر، إلى درجة يتراءى معها للباحث، أحياناً، أن بعض مؤلفي تلك الدراسات والمقالات لا يكادون يرون أي فروق دلالية تذكر بين تلك المصطلحات. بل ربما كان بينهم من يتوهم أنها ليست أكثر من مترادفات تدل على نتاج أدبي واحد، ذي صلة بإسرائيل، على هذا النحو أو ذاك.
مما لاشك فيه أن تَوَهُّمَ الترادف بين تلك المصطلحات خطأ محض، ذلك أن لكل منها دلالته الخاصة على نتاج أدبي محدد. أي أن ما يدل عليه ويحدده مصطلح (أدب يهودي) هو بالتأكيد غير ما يدل عليه ويحدده كل واحد من المصطلحات الثلاثة الأخرى.. الأمر الذي يعني عدم جواز استخدام أيٍّ من هذه المصطلحات مكان غيره في الدلالة، بل على العكس من ذلك، ثمة ضرورة منهجية/معرفية وأخرى موضوعية، تحتمان على أي باحث التمييز بين دلالات هذه المصطلحات، والحذر من الخلط بينها أثناء استخدامها.
لذا، وعلى خلفية القناعة بأهمية ما تُحتمه الضرورتان السابقتان، وانطلاقاً من الحرص على صفاء مُدَرَكاتنا، في كل ما يتصل بالعدو الصهيوني، ومن الحرص على ضرورة تجنب الوقوع في الالتباس والتشوش الناجمين عن احتمال تداخل دلالات المصطلحات السابقة، سأحاول تاليا، تقديم تعريف موجز بثلاثة منها، هي الموصوفة بـ (يهودي، عبري، إسرائيلي)، مقتصراً في التوسع على مصطلح (أدب صهيوني)، ومضيفاً إلى تعريفه تحديداً لأهم مشتملات ساحته الدلالية، كونه وحده محور هذا الكتاب.
أولاً، أدب يهودي
لعل أهم ما يميز هذا المصطلح أنه شمولي وعام جداً، ويعود ذلك لافتقاره إلى المُحَدِّدين الجغرافي واللغوي([i]) اللذين يعدان الأساس في تحديد الهوية القومية لأي أدب.. فهو يشمل أدب اليهود في مختلف البلدان التي سكنوها، على مر العصور، وبكل اللغات التي كتبوا ذلك الأدب بها.. أي يشمل خليطاً شديد التنوع لأجزاء من الآداب العالمية، ولا يربط بين مكونات هذا الخليط غير المتجانس سوى انتماء مؤلفيها إلى اليهودية، ولو اسمياً، أي ولو عن غير اقتناع أو إيمان.. ولعل مما يزيد القناعة بصوابية هذا التوصيف للأدب اليهودي، وضوح المؤثرات غير اليهودية، في شكل هذا الأدب ومضمونه ولغاته، تلك المؤثرات التي دخلت في نسيجه بفعل تأثر مؤلفيه بآداب الأمم والشعوب التي عاشوا بين أبنائها، وبعاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم وحتى بلغاتهم أيضاً...
ثانياً، أدب عبري
يتميز هذا المصطلح عن سابقه بدلالته على لغة النتاجات الأدبية المنتمية إليه.... وبعبارة أخرى: يدل هذا المصطلح على أن اللغة العبرية وحدَها، هي القاسم المشترك بين هذه النتاجات، على اختلاف جنسيات مؤلفيها وأماكن إقامتهم وأديانهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية. ومن الضروري التنبه إلى أن هذا المصطلح، ينقسم، دلاليا، إلى قسمين متمايزين، فهناك أدب عبري قديم، وآخر حديث. أما القديم، فهو أدب ديني في معظمه، وأما الحديث، فهو، كما يعرِّفه الناقد الإسرائيلي (يوسف كلاوزنر): (أدب علماني، هدفه تثقيف الشعب اليهودي، ولعل هذا ما دفع مؤلفيه إلى محاولة جعله مشابها، من حيث الشكل والمضمون، لأدب سائر الشعوب الأوربية)([ii]). ويتفق كلاوزنر مع ناقد إسرائيلي آخر هو (ف. لاحوفر)([iii])، على أن بداية ظهور الأدب العبري الحديث هي نهاية القرن الثامن عشر.
ثالثاً، أدب إسرائيلي
المقصود بهذا المصطلح هو ذلك النتاج الأدبي الذي كُتب في إسرائيل ( فلسطين المحتلة)، بعد قيامها، عام 1948، سواء نشر داخلها أو خارجها، شريطة أن تكون مشاكل بنيتها المجتمعية الاستيطانية، في واقعها ومكوناتها المختلفة، هي المحور الرئيس لمضمون هذا النتاج، بغض النظر عن موقف مؤلفيه تجاه هذه المشاكل، وبغض النظر، أيضاً، عما إذا كانوا مناصرين لسياسة إسرائيل أو ضدها، كحال من يسمون (أدباء الاحتجاج)؛ وسواء ألفوا ما ألفوه باللغة العبرية الحديثة التي كُتب بها معظم هذا الأدب، أو بغيرها من اللغات الأخرى المستخدمة في إسرائيل الآن، كما هو الحال بالنسبة لكتابات الروائية (ياعيل دايان) مثلاً، التي تكتب بالإنكليزية أدباً ينتمي إلى الواقع الإسرائيلي، من منظور صهيوني([iv]).
رابعاً، الأدب الصهيوني
يماثل هذا المصطلح، مصطلحَ (أدب يهودي) آنف الذكر، في افتقاره إلى المُحَدِّدين الجغرافي واللغوي، بالإضافة لافتقاره إلى المُحَدِّد الديني، مما يجعله منطوياً على إشكالية دلالية أكثر تعقيداً، يعززها:
ً1) أن الصهيونية ليست ديانة، بل أيديولوجية، لا تشترط في من يريد الانتساب إليها أن يكون يهودياً، وبالتالي يمكن أن يكون الموصوف بها يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً، أو دون أي انتماء ديني على الإطلاق.
ً2) ولأن الصهيونية ليست انتماء قومياً ذا لغة خاصة به، بل مجرد انتماء أيديولوجي، لا يُشترَط في من يريد الكتابة عنها ملتزماً مقولاتها ومدافعاً عن أهدافها أن يكتب بلغة محددة، بل يمكنه أن يكتب عنها، بأي لغة شاء.
ً3) ولأن الصهيونية ليست تعبيراً عن انتماء وطني مرتبط بمكان محدد، فإن التزامها في التأليف لا يُشترَط لإنجازه إقامة المؤلف، في إسرائيل لأن الصهيونية هي الاتجاه الأيديولوجي السائد فيها. بل يستطيع المؤلف المنتمي إليها أن يظل ملتزماً بها، في أي مكان عاش…
هوامش المدخل:
[i]) المقصود بالمُحَدِّد الجغرافي: حدود الوطن الواحد لأي شعب في العالم، أما المقصود بالمُحَدِّد اللغوي فهو: اللغة الخاصة بأبناء هذا الشعب.
[ii]) يوسف كلاوزنر، (هستوريا شل هسفروت هعفريت هحادشاه: تاريخ الأدب العبري الحديث)، دار نشر (آحي آساف)، تل أبيب، 1960، ج/1/، ص:(6).
[iii]) ف. لاحوفر، (تولودوت هسفروت هعفريت هحادشاه: تاريخ الأدب العبري الحديث)، دار نشر (دبير)، تل أبيب، 1966، الكتاب الأول، المقدمة، ص:(1ـ 14).
[iv]) تجدر الإشارة هنا، إلى أن هذا التعريف الموسع لدلالات مصطلح أدب إسرائيلي، شجع بعض النقاد الإسرائيليين على أن يُدخلوا بين مشتملاته حتى نتاجات الأدباء العرب الموجودين تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، مطلقين على هذه النتاجات توصيف (أدب إسرائيلي/عربي)، رفضه العرب، واستعاضوا عنه بتوصيف (أدب الوطن المحتل)، أو (أدب الداخل الفلسطيني)، حين يريدون تمييزه عن نتاجات الأدباء الفلسطينيين الموجودين في المنافي.
وما دامت الصهيونية على هذا القدر من الإشكالية الدلالية، فلا عجب أن تطرح، ضمن الإطار الشمولي لدلالتها المصطلحية، تعددية واسعة تتبدى في الاختلاف الواسع بين جنسيات المنتمين إليها، ودياناتهم، ولغاتهم، وأصولهم الحضارية، وخلفياتهم الثقافية. وهذه حقيقة يؤيدها وجود صهاينة ليسوا يهوداً، يتكلمون ويكتبون بلغات مختلفة، ويقيمون في بلدان شتى.. ولعل من البدهي أن الأدب الصهيوني المنبثق من أيديولوجية كهذه ، يشتمل ضمن إطار ساحته الدلالية على تعددية مماثلة أيضاً، وهو ما تؤكده المعطيات التالية:
1ًـ ليس جميع الأدباء الصهاينة يهوداً.. فبين أشهرهم عدد من غير اليهود، التزموا الأيديولوجية الصهيونية أو كانوا مجرد متعاطفين معها...
2ًـ اختلاف الأصول القومية والحضارية التي يتحدر منها الأدباء الصهاينة، يهوداً كانوا أو غير يهود. الأمر الذي يعني حتمية اختلاف المنابع الثقافية التي نهلوا منها، والبيئات الاجتماعية التي عاشوا فيها، واللغات التي ألفوا أدبهم بها.. وربما لهذا يصح أن يُوصف الأدب الصهيوني بأنه (أدب أيديولوجي) يشبه في شموليته، ما يمكن أن يسمى بـ (الأدب الرأسمالي) أو (الأدب الاشتراكي) أو أي أدب أيديولوجي آخر، لا جامع بين منتجيه سوى انتمائهم ومؤلفاتهم إلى أيديولوجية مشتركة.
ً3ـ لم يستمر تطور الأدب الصهيوني، منذ ظهوره إلى ما بعد قيام إسرائيل، في مسار أحادي الاتجاه.. بل تعرض مسار تطوره، وبفعل اندماجه في المسار التطوري للصهيونية نفسها، على صعيد حركيتها من النظرية إلى التطبيق، إلى انعطافين هامين:
ـ الأول: صيرورة معظم نتاج الصهيونية الأدبي، عبرياً، إثر تحوُّل عدد كبير من أدبائها إلى استخدام العبرية، كلغة تأليف، في إبداعهم الأدبي، تجاوباً مع إلحاح قادة الحركة الصهيونية، على ضرورة اعتبار العبرية (اللغة القومية) ليهود العالم،أياً كانت البلد التي يقيمون فيها..
ـ الثاني: انعطاف مسار الأدب الصهيوني انعطافةً كبيرة، على صعيد المضمون والوظيفة والأهداف، بعد نجاح الحركة الصهيونية في تجسيد المرحلة الأولى من مشروعها الاستعماري/الإحلالي واقعاً على أرض فلسطين، عام 1948..
لقد أدى هذان الانعطافان إلى اتساع التعددية الدلالية لمصطلح (أدب صهيوني)، الأمر الذي زاد في تعقيد الإشكالية التي يثيرها ويطرحها هذا المصطلح أصلاً، إذ ساهما في خفض التباينات بين مشتملات ساحته الدلالية، أي في جعل الحدود المميزة بين هذه المشتملات أقل وضوحاً ودقة، جرّاء زيادة التداخل بينها.. لذا، ودفعاً للالتباس المحتمل بين مشتملات الساحة الدلالية لمصطلح أدب صهيوني، أُورد فيما يلي عرضاً تفصيلياً لهذه المشتملات([i])، يُوضح السمات المميزة لكل منها.
مشتملات الساحة الدلالية لمصطلح أدب صهيوني
في ضوء مجمل ما سبق، يمكننا، بشكل مقارب، أن نحدد على الساحة الدلالية لمصطلح (أدب صهيوني) المشتملات الرئيسة التالي ذكرها، موزعة حسب الاعتبارات: الدينية والجغرافية واللغوية.
أولاً، من ناحية الصلة بالدين اليهودي، لدينا:
ً1ـ أدب صهيوني غير يهودي، وهو الأسبق ظهوراً، من الأدب الصهيوني/اليهودي. وقد شارك في تأليف نصوص هذا الأدب عدد من أشهر الأدباء المسيحيين الأوروبيين، وخصوصاً في مرحلة النشأة، قبل ظهور الصهيونية وتبلورها كحركة سياسية، كما سيتضح في سياق هذا الفصل لاحقاً.
ً2ـ أدب صهيوني/يهودي، وهو الأكثر شهرة والأقرب إلى المألوف بين غالبية الناس، قراء وباحثين، نظراً للعلاقة الوثيقة بين اليهودية والصهيونية… وهذا بدوره يتفرع إلى:
أـ أدب صهيوني/ديني قديم، يقتصر على التعبير عن الحنين إلى أرض فلسطين، دون أهداف سياسية.
ب ـ أدب صهيوني/ديني/سياسي، تم توظيف الحنين الديني إلى فلسطين في مضمونه، لتحقيق بعض، أو كل، الأهداف السياسية للحركة الصهيونية.
ثانياً، ومن ناحية المكان الجغرافي، لدينا:
ً1ـ أدب صهيوني/أوروبي كتبه أدباء أوروبيون لم يزر أكثرهم فلسطين، ولم يروها…
ً2ـ أدب صهيوني/أمريكي/ كتبه، وما يزال، عدد من الأدباء اليهود وغير اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية.
ً3ـ أدب صهيوني/إسرائيلي، كتبه وما يزال، أدباء يهود مستوطنون في إسرائيل، وملتزمون بالأيديولوجية الصهيونية.
ثالثاً، أما من ناحية اللغة، فلدينا:
ً1ـ أدب صهيوني مكتوب بلغات أوروبية عديدة، من أبرزها: الإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية.. إلخ.
ً2ـ أدب صهيوني/عبري، وهو الذي كتبه الأدباء اليهود الصهاينة، قبل قيام إسرائيل، ثم داخلها وخارجها بعد قيامها..
ً3ـ أدب صهيوني/ييدشي، وهو ما استمر يكتبه عدد من الأدباء، ذوي الأصل الروسي، ومن أشهرهم (سينجر) الذي رغم إقامته في الولايات المتحدة، ظل مصراً على كتابة أدبه بلغة الييديش…
هذه أهم مشتملات الساحة الدلالية لمصطلح (أدب صهيوني). وبقدر ما يؤكد تنوعها، صحة توصيف هذا المصطلح بالشمولية والعمومية، بقدر ما يؤكد أنه الأكثر غنى، بما يشتمل عليه، مقارنة بمصطلحات (أدب يهودي) و(أدب عبري) و(أدب إسرائيلي) التي لكل منهما خصوصيته المميزة التي تجعله مختلفاً عن مجرد كونه جزءاً من الأدب الصهيوني بشكل عام… وعليه يمكن القول: إن صهيونية محتوى أي نص أدبي من النصوص التي تندرج تحت أي من المصطلحات الثلاثة الأخرى، هي شرط رئيس لصحة وصفه بالصهيوني، وليس العكس صحيحاً.
وبالنسبة لهذا الكتاب بالذات، فقد استُخدم مصطلح (أدب صهيوني) فيه، بمعناه الأكثر شمولية وتنوعاً، وهو ما يعني أن ساحته الدلالية تشمل أي نص صهيوني المضمون والهدف، سواء كان كاتبه يهودياً أو من أي ديانة أخرى، وسواء كتبه بالعبرية أو بغيرها من اللغات، وسواء كان مقيماً في إسرائيل وكتبه فيها، أو كان في أي بلد آخر، وكتب نصه قبل قيامها أو بعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
وبعد،
يمكن إجمال ما سبق بالاستنتاج التالي: إن أبرز سمتين تميزان، مجتمعتين، مصطلح (أدب صهيوني) هما: الافتقار إلى حدود جغرافية خاصة، وأخرى لغوية خاصة، ويماثله في الاتسام بهما معاً مصطلح (أدب يهودي).. في حين تُعد أولاهما وحدها، من أبرز السمات المميزة لمصطلح أدب عبري، وتُعد ثانيتهما، لوحدها أيضاً، من أبرز السمات المميزة لمصطلح أدب إسرائيلي.. ولاشك أن معرفتنا لافتقار المصطلحات الأربعة، آنفة الذكر، إلى إحدى هاتين السمتين أو لكلتيهما معاً، تنفي أي إمكانية لتصنيف النصوص الأدبية المندرجة تحت أيٍّ من المصطلحات الأربعة، ضمن دائرة الآداب القومية في العالم..
أخيراً،
وفي ختام هذا الفصل، قد يكون من الضروري بيان لماذا اختيرت كلمة "ظاهرة" قبل مصطلح (أدب صهيوني) في صياغة عنوان هذا الكتاب؟
في وهمي، أن كلمة (ظاهرة)، كاصطلاح، لا تدل على أدب أصيل وقابل للاستمرار، بقدر ما تدل على طفرة أدبية عارضة، غالباً ما تزول بزوال أسباب ظهورها ودعم استمرارها. وهذا يتلاءم مع رؤيتي، في ضوء معطيات الواقع وتطوراته، للصهيونية وما أنتجه أدباؤها.
ولعل مما يؤكد صحة هذه الرؤية، أن الصهيونية بدأت تفقد الكثير من مصداقيتها، في نظر أعداد غير قليلة من الشباب الإسرائيلي اليوم؛ بل صارت عرضة للهجوم حتى من قبل مفكرين ومؤرخين وعلماء اجتماع وعلماء نفس إسرائيليين، لم يتردد بعضهم في الجهر بأنه بات يرى في الصهيونية خطراً على مستقبل يهود إسرائيل والعالم. بل ذهب باحث إسرائيلي مرموق مثل (آفي شلايم)([ii]) إلى حد القول بأن (الصهيونية اليوم هي العدو الحقيقي لليهود)([iii]).
إن مثل هذه الآراء تشير، وإن بشكل غير مباشر، إلى أن احتمال تلاشي الصهيونية، كأيديولوجية وعقيدة، بدأ رحلة تحوله إلى حتمية لابد صائرة إلى واقع، ذات يوم، وأعتقد أن مثل هذا المصير ينتظر الأدب الذي يُنسب إليها. الأمر الذي يعني، بدوره، أن الصهيونية، في أحسن تقييماتها، لا تعدو كونها ظاهرة سياسية وفكرية عارضة، أي لا يمكن أن تُعدَّ عقيدة ثابتة وراسخة، كأي عقيدة قومية أصيلة.. وفي يقيني أن مثل هذا التقييم ينطبق على نتاج الصهيونية الأدبي، ولذلك آثرت تعريفه بكلمة (ظاهرة) للدلالة على أنه عَرَض أدبي زائل أيضاً..
%%%%%%
[i]) كنتُ قد أوردت هذا العرض التفصيلي في نهاية بحثي المنشور في مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية، تحت عنوان (موضوعات الأدب الصهيوني، بعد مؤتمر "بال")، العددان: /11-12/ السنة /18/، تشرين الثاني وكانون الأول، 1991، ص: (96-97-98).
[ii]) آفي شلايم أستاذ باحث في كلية (سانت أنطوني) في جامعة أوكسفورد، ومؤلّف كتاب "الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي".
[iii]) في كتاب مشترك أصدره مع (شلومو بن عامي)، على الرغم من اختلاف وجهات نظريهما إلى حد التناقض، تجاه الصهيونية وتأثيرها المدمر على مستقبل اليهود، وعنوان هذا الكتاب هو (هل الصهيونية اليوم هي العدو الحقيقي لليهود؟). انظر ملخصاً عن مضمون هذا الكتاب، نُشر في موقع:
www.almash-had.madarcenter.org، 4/10/2005.