الموضوع
:
غدر الرمال
عرض مشاركة واحدة
11 / 04 / 2011, 31 : 11 PM
رقم المشاركة : [
4
]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: الجزائر
رد: غدر الرمال
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهير الصليعي
غَدْرُ الرِّمَالِ
عَمَّارٌ طِفْلٌ مِنَ الرَّبَائِعِ، لَمْ يُتِمَّ عِقْدَهُ الأَوَّلَ. لا يَعْرِفْ مِنَ الدُّنْيَا سِوَى عَائِلتِهِ
وَأَنْعَامَهُمْ وَالرِّمَالَ
. لُعْبَتهُ الرَّعْيُ بِشُوَيْهَاتٍ عَجْفَاءَ وَحِمَارٍ مُسِنٍّ. انْحَصَرَ مَجَالُ تَرْفِيهِهِ فِي الإحْتِطَابِ وَمَلْءِ المَاءِ مِنَ البِئْرِ المُخِيفَةِ. وَلَيْسَ عَالَمُ الحَضَارَةِ عِنْدَهُ إِلاَّ
صُورَةٌ
رَسَمَهَا فِي ذِهْنِهِ أَبُوهُ، بأَوْصَافٍ لاَ يَصِلُ إِلَى كُنْهِهَا عَقْلُهُ البَسِيطُ.
ذَاتَ ضُحًى رَبِيعِيٍّ، وَبَيْنَمَا كَانَ يُرَافِقُ عَمَّهُ الذِي يَكْبُرُهُ بِثَلاَثِ سَنَوَاتٍ، أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِكْرَةٌ
صِبْيَانِيَّةٍ:
مَاذَا لَوْ تَرَكَا القَطِيعَ المُتَوَزِّعَ فِي الحَوْضِ الرَّمْلِيِّ، وَتَبِعَا خُطَى أَبِيهِ نَحْوَ المَدِينَةِ؟ أَرَادَ رُؤْيَةَ عَالَمٍ لَمْ يَقْدِرْ حَتَّى عَلَى تَصَوُّرِهِ. أَحَبَّ اكْتِشَافَ أرْضٍ مَا فِيهَا كُثْبَانٌ وَلاَ شِيَاهٌ. حَلُمَ بِفَضَاءٍ كُلّهُ أَلْعَابٌ وَحَلْوًى...
طَرَحَ جُنُونَهُ البَرِيءَ عَلَى تِرْبِهِ، فَعَارَضَهُ خَوْفًا مِنَ الأَهْلِ وََمِنْ ضَيَاعِ مَا اسْتَأْمَنُوهُمَا عَلَيْهِ. لَكِنَّ اللّهْفَةَ نَهَشَتْ مِنْهُمَا الإِرَادَةَ وَسَحَقَتْ فِيهِمَا الخَوْفَ، وَسَارَعَا بِالتَّوَارِي فِي عُمْقِ العُرُوقِ الذَّهَبِيَّةِ. كَانَا فِي البِدَايَةِ مُتَحَمِّسَيْنِ يَحْدُو مُغَامَرَتَهُمَا الحَمَاسُ وَالخَيَالُ، لَكِنَّ الشَّمْسَ أَضْنَتْ جَسَدَيْهِمَا الغَضَّيْنِ بِسِيَاطٍ حَارِقَةٍ، وَدَفَعَتْهُمَا للتَّفْكِيرِ بِالتَّرَاجُعِ. وَسُرْعَانَ مَا امْتَثَلاَ لِقَرَارِ سَيِّدَةِ الفَضَاءِ، فَحَثَّا الخُطَى رَاجِعَيْنِ، مُمَنِّيَيْنِ نَفْسَيْهِمَا بِالعَوْدَةِ فِي كَرَّةٍ أَكْثَرَ ثَبَاتًا. طَالَ مَسِيرُ إِيَابِهِمَا وَلَذَعَتْهُمَا الحَرَارَةُ، وَأَدْرَكَا بِعَيْنِ الخَوْفِ أَنَّ مَوْطِنَ ذَوِيهِمَا نَاءٍ كَثِيرًا.
خَطَرَتْ لِعَمَّارٍ طَرِيقَةٌ تُحَرِّرُهُ وَأَخَاهُ مِنَ القَيْظِ القَاسِي، تَذَكَّرَ أَنَّ كَلْبَهُمْ كَانَ يَتَوَارَى عَنْ نِيرَانِهِ بِالحَفْرِ عَمِيقًا فِي الأَرْضِ. فَأَعْلَنَ مَا رَآهُ خَلاَصًا، مُتّجِهًا نَحْوَ كَثِيبٍ عَالٍ أَمَامَهُمَا، وَتَبِعَهُ الآخَرُ بِلاَ تَرَدُّدٍ. أَخَذَ الطِّفْلاَنِ يَهِيلاَنِ الرِّمَالَ بِكَفَّيْهِمَا، حَتَّى أَحْدَثَا خَوَاءً صَغِيرًا أَنْعَشَ أَنَامِلَهُمَا بِمَلْمَسِهِ البَارِدِ. تَعَاظَمَتْ هِمَّتُهُمَا وَتَضَاعَفَ الحَثْوُ، حَتَّى بَدَآ الغَوْصَ تَدْرِيجِيًّا فِي عُمْقِ الثَّرَى...
بَعْدَ جُهْدٍ لاَهِثٍ، لَمْ يَبْقَ مِنَ الغِرَّيْنِ أَكَثَرُ مِنْ أَقْدَامٍ أَدْمَاهَا العَرَاءُ. وَتَبَاهَى الظَّافِرَانِ بِبَيْتٍ بَارِدٍ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَلَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ. فَتَمَدَّدَا فِي العُمْقِ مُتَلَذِّذَيْنِ بِالإِنْتِصَارِ، طَالِبَيْنِ الرَّاحَةَ... فَكَانَ لَهُمَا مَا أَرَادَا..وَلَكِنْ لِلأَبَدِ .
فَقَدْ انْهَارَ الكَثِيبُ فَجْأةً، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمَا فِي صَمْتٍ. فلَمْ يُسْمَعْ مَنْهُمَا غَيْرُ سُكُونِ النِّهَايَةِ، وَلَمْ تَعُدْ تُرَى مِنْهُمَا إِلاَّ أَقْدَامٌ... تَلْفَحُهَا شَمْسُ المَوْتِ...
جاري العزيز زهير... سرد قيم وتصوير مشوّق... ألبستَ نصك جمال لغة فصيحة راقية... فقط لو شكلتَ الكلمات التي يجب شكلها .دون بقية النص.. (مجرد رأي) استمتعتُ سيدي بنصك..سأنتظر مثل صاحبيّ ما ستنشره من قصص...شكرا لك...
توقيع
محمد الصالح الجزائري
قال والدي ـ رحمه الله ـ
:
( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع محمد الصالح الجزائري المفضل
البحث عن كل مشاركات محمد الصالح الجزائري